بعد تقارير مؤسسات التصنيف: حكمة جماعية مرجوّة لا غنى عنها

بقلم البروفسور بيار الخوري*

عاشت بيروت جمعة سوداء يوم ٢٣ اب (أغسطس)، على وقع انتظار تقرير مؤسسة “ستاندارد أند بورز” للتصنيف الإئتماني. بدت الاسواق تتصارع على سيولة تتحرّك كالأشباح بين الصيارفة والتجار والمواطنين. عنوَنت إحدى الصحف المحلية عن تسعيرٍ مرتفع للدولار لدى شركات الهاتف الخلوي (المملوكة للدولة) في ظل الإعلان شبه اليومي للمصرف المركزي عن ثبات قيمة العملة الوطنية تجاه الدولار الأميركي (1507 ليرة لبنانية لكل دولار). بِيع الدولار لدى الصيارفة ٢٪ أعلى من السعر الرسمي (١٥١٥ ليرة للدولار الواحد)، هدّد أصحاب محطات الوقود بالإضراب لأنهم يقبضون بالليرة (بحسب التسعيرة الرسمية) ويضطرّون إلى التحويل الى الدولار لتسديد مُستحقّاتهم للشركات بسعر أعلى من السعر الرسمي. وإنتقلت العدوى الى الصيادلة الذين رفعوا بدورهم الصوت.

الحكومة، وبالأخص رئيسها سعد الحريري، العائد من الولايات المتحدة بتطمينات أن العقوبات الأميركية غير مُصمَّمة لشلّ الإقتصاد اللبناني (ربما مقابل إعادة فتح كوة في ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بعدما جُمِّد مع الموفد الأميركي السابق ديفيد ساترفيلد)، تعتقد أن فترة ٦ اشهر بانتظار تقرير التصنيف المُقبِل كافية لعكس الصورة الدولية عن الإدارة والإرادة اللبنانية وعكس اتجاه التصنيف الإئتماني الذي بلغ أسوأ مستوى له مع صدور تقرير وكالة التصنيف الإئتماني الأخرى “فيتش”، قبل وقته، يوم الخميس الفائت بدرجة ” CCC”، وبالتزامن مع صدور “ستاندارد أند بورز” الذي أبقى على التصنيف السابق من دون تغيير، فيما يُعتقَد على نطاق واسع أنه جاء بناء على إلحاح وطلب رئيس الحكومة إعطاء فترة سماح أخيرة للبنان للإثبات أنه قادر على تظهير إجراءات تٌثبت رشده المالي.

ماذا ينتظر لبنان في الأسبوع المقبل؟ ومَا الذي سيُثبت انه أكثر أثراً؟ ثبات درجة تصنيف “ستاندارد أند بورز” عند درجة – B أم تقاطع تصنيف وكالتي “موديز” و”فيتش” على سلم  C؟

الثابت أن السندات السيادية الدولية للبنان ستتأثر سلباً، وأننا أمام موجة جديدة من ارتفاع أسعار الفوائد لتتناسب مع درجة التصنيف الجديدة. الثابت أيضاً أن المصارف اللبنانية أمام خطر اللحاق بتصنيف ديون الدولة، بما يستدعي تعزيز قاعدة رساميلها في ظل شحّ السيولة أساساً في الإقتصاد اللبناني.

الثابت الثالث أن شبح السيولة الدولارية سيبقى يولّد الخوف لدى المواطنين والتجار المضطرّين للتعامل بعملتين مختلفتين: الدولار والليرة. اذ لا حلّ لمشكلة الفارق بين الدولار الرسمي ودولار الصيارفة من دون ضخ سيولة واسعة في الأسواق من العملات الاجنبية، وهذا لا يبدو مُتاحاً، خصوصاً في ظل وضع العديد من البنوك قيوداً وسقوفاً على كمية السحب اليومي من العملة الخضراء. ربما نكون امام وضع تؤشر فيه تقلبات سوق الصيارفة الى رفدها للسوق بالسيولة الناقصة من دون اعتراف السلطة النقدية بذلك صراحة.

الأرجح أننا لن نكون أمام وضع كارثي في سوق القطع اذا أسرعت الحكومة في تظهير إجراءات بناء الثقة مع الإقتصاد وإظهار التزامها بما قالته مؤسسة التصنيف من ان الحكم مسؤولية وليس ترفاً. أما استمرار الترف فقد باتت تداعياته واضحة جداً للعيان.

كيف سيتم هذا الإنضباط المالي الذي لم تتعوّد عليه الطبقة الحاكمة؟ وكيف سيتم التوفيق بين هذا الإنضباط وضرورات الحفاظ على التوازنات الطائفية في لحظة توزيع التضحيات؟ أيّ جزء من كل هذه الأشياء سيتم التضحية به؟ وكيف ستتوزع التضحية بين الفئات الإجتماعية المختلفة وبأي درجة من الإضطراب الإجتماعي؟

اسئلة يتوقف الجواب عنها على حكمة جماعية مرجوة ولا غنى عنها في لحظة فقدان المناعة.

  • البروفسور بيار الخوري أكاديمي وباحث إقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى