هل ستُساعد طفرة الطاقة الإسرائيلية على جعل الإتحاد الأوروبي أكثر تأييداً لسياسات إسرائيل؟

يتوقع بعض الخبراء أن تؤدي التبعية المستقبلية للغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تغيير المعادلة السياسية للعديد من الدول الأوروبية التي تنتقد حالياً السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

“نورد ستريم 2”: أداة روسية للضغط السياسي على أوروبا

بقلم جيمي ليفين  وميزيسلاو بودوزينسكي*

سيبدأ الإنتاج هذا العام في أحد أكبر إكتشافات الغاز الطبيعي في العقد الفائت، وهو حقل “لڤياثان” الضخم. يقع هذا الحقل في عمق ساحل مدينة حيفا الساحلية في شمال إسرائيل، حيث تُفيد التقديرات بأنه يحتوي على أكثر من 21 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي لتلبية إحتياجات الدولة العبرية لتوليد الطاقة على مدار الأربعين عاماً المقبلة مع الإبقاء على كميات وافرة للتصدير. ويُمكن لهذا الحقل أن يُشكّل أداةً سياسية لتغيير اللعبة بالنسبة إلى علاقات إسرائيل مع بقية العالم – وكيف تنظر الحكومات الأجنبية إلى استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

ويرى بعض المُعلّقين المتابعين أن اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق البحر المتوسط ​​قد تؤدي إلى تسوية طويلة الأجل للنزاعات الإقليمية.

وقد ظهرت فعلياً جهود جديدة وجدية للتعاون الإقليمي. في كانون الثاني (يناير) 2019، أعلنت إسرائيل ومصر وقبرص ولاعبون إقليميون آخرون عن إنشاء “منتدى شرق البحر المتوسط ​​للغاز”، والذي سيَستَكشِف إمكانية بناء خط أنابيب بطول 1200 ميل يربط إحتياطات الهيدروكربونات الغنية في حوض بلاد المشرق العربي بأوروبا عبر جزيرتي قبرص وكريت. وقد ساهمت المفوضية الأوروبية بحوالي 39 مليون دولار في المشروع، والذي تُقدَّر المدة لإتمامه بحوالي سبع سنوات.

في غضون ذلك، توصّلت شركات إسرائيلية ومصرية إلى اتفاق تاريخي يجعل الغاز مُتاحاً للتصدير. بموجب الإتفاقية – التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار – سوف ترسل إسرائيل 2.3 تريليوني قدم مكعبة من الغاز الطبيعي إلى مصر لتسييلها وشحنها إلى أوروبا ووجهات أخرى. ومن المعروف أن مصر تتمتع، على حد سواء، بالقدرة الفائضة اللازمة لمعالجة الهيدروكربونات بالإضافة إلى البنية التحتية للنقل اللازمة لتوفير الإحتياجات الأوروبية من الطاقة بمجرد إفتتاح “لڤياثان”.

ومع ذلك، فقد نشأت بالفعل نزاعات حول ملكية حقول الغاز، خصوصاً مع غزة ولبنان. إن غياب سوريا ولبنان وتركيا من “منتدى شرق البحر المتوسط ​​للغاز” يُبرز محدودية التعاون الإقليمي.

لكن أهمية إكتشاف غاز “لفياثان” تتجاوز علاقات إسرائيل مع أقرب جيرانها. إن بدء الإنتاج يُمكن أن يساعد على تحرير إسرائيل من اعتمادها التاريخي على الطاقة الأجنبية، في حين أن إمكانات الصادرات ستوفر لها نفوذاً جديداً على بلدان أخرى، من بينها الدول الأعضاء المُتعطّشة للطاقة في الإتحاد الأوروبي، والتي كانت تنتقد تاريخياً سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

في حين أن معظم منطقة الشرق الأوسط يعتمد على احتياطات النفط الوفيرة، إلّا أن إسرائيل كانت حتى وقت قريب تفتقر إلى الطاقة. وبسبب العلاقات العدائية مع الدول العربية المجاورة المُنتجة للنفط، فقد اضطرت ذات مرة إلى البحث عن الطاقة من مُورِّدين بعيدين، مثل أنغولا وكولومبيا والمكسيك ومصر والنروج، لتلبية احتياجاتها الأمنية والإقتصادية المُلحّة. وعلى الرغم من أن إسرائيل غالباً ما اتّبعت سياسات مُثيرة للجدل رغم المعارضة الإقليمية وضد الرأي العام الدولي، فإنها، مثل العديد من الدول الصغيرة والفقيرة بالطاقة، كانت في نهاية المطاف تتأثر وترضخ للضغط الخارجي.

ويلعب الدعم الأميركي لإسرائيل دوراً كبيراً في هذا المجال إذ أنه يمنح الولايات المتحدة نفوذاً هائلاً على الدولة العبرية. خلال الحرب العربية – الإسرائيلية في العام 1973، أتاحت الولايات المتحدة الإمداد العسكري الطارئ لإسرائيل لأول مرة. وفي وقت لاحق، في محاولة لتحفيز محادثات السلام مع مصر، وعدت بتوفير النفط لإسرائيل في حالات الطوارئ. وأصبحت إسرائيل منذ ذلك الحين أكبر مُتلقٍّ للمساعدات الإقتصادية الأميركية. ونتيجة لذلك، حصلت واشنطن أحياناً على تنازلات من حكومة إسرائيل، على سبيل المثال إقناعها بالمشاركة في محادثات مدريد للسلام في العام 1991، وتجميد بناء المستوطنات في العام 1991، ومرة ​​أخرى في العام 2009. إن الضمانات الأمنية والإقتصادية الأميركية تعني أن واشنطن تتمتع بنفوذ هائل على إسرائيل على الرغم من إحجامها عن استخدامه في منعطفات رئيسة.

على النقيض من ذلك، كان الإتحاد الأوروبي على استعداد دائم أكثر من الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل بشأن نقاط الخلاف الرئيسة في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، مثل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغيرها من المناطق ووضع القدس. إستجابة للحظر العربي على النفط في سبعينات القرن الفائت، على سبيل المثال، نأى العديد من الدول الأوروبية وابتعد عن إسرائيل، مما أدى إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة. في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خضعت إسرائيل لضغوط الإتحاد الأوروبي في نزاعٍ حول إعلان ما إذا كانت البضائع الإسرائيلية تأتي من مستوطنات الضفة الغربية أم لا. في الآونة الأخيرة، أشارت دول أوروبية عدة إلى أنها سترفض خطة سلام إدارة ترامب إذا كانت تميل بشدة لصالح إسرائيل.

لكن بما أن “لفياثان” يجعل إسرائيل أقل اعتماداً على القوى الأجنبية لتلبية احتياجاتها من الطاقة، فمن المرجح أن تصبح أوروبا أكثر إعتماداً على إسرائيل وغيرها من مصدري الطاقة.

تعتمد أوروبا اعتماداً كبيراً على النفط الخام والغاز الطبيعي المستورَدين. في الواقع، يأتي أكثر من نصف طاقتها من مصادر أجنبية، مما يجعلها عرضة بشكل كبير لتقلبات الأسعار والعرض.

رداً على الحرب العربية – الإسرائيلية في العام 1973، على سبيل المثال، قطعت منظمة “أوبك” إمدادات النفط عن العديد من الدول الأوروبية، مما تسبّب في نقص واسع النطاق للنفط وارتفاع حاد في أسعاره. في الوقت الحالي، يأتي حوالي خمسي إمدادات الغاز الأوروبية من روسيا، مما خلق معضلة جيوسياسية كبيرة. كانت رغبة موسكو في قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا في العام 2014 بمثابة دعوة إلى الإستيقاظ للدول الأوروبية حول مخاطر الإعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي المُسال في روسيا. منذ سنوات عدة حتى الآن، أدّى مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” (Nord Stream 2)، الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، إلى تفاقم الإنقسامات داخل الكتلة الأوروبية. يُعارض العديد من دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق المشروع نظراً إلى النفوذ الذي من المحتمل أن يُقدّمه لروسيا على ألمانيا وفي ضوء تاريخ روسيا في إستخدام إمدادات الطاقة كسلاح لأغراض سياسية.

في الوقت عينه، فإن الطلب على الغاز الطبيعي المسال كبير جداً. تدعو خارطة طريق الطاقة للمفوضية الأوروبية للعام 2050 إلى زيادة استخدام الغاز الطبيعي عبر الكتلة كبديل من الفحم في السعي إلى تنويع الطاقة. وكان مشروع “ممر الغاز الجنوبي”، الذي أنشأ حتى الآن ثلاثة خطوط أنابيب من بحر قزوين ومناطق الشرق الأوسط إلى أوروبا للحصول على إمدادات الغاز البديلة، وسيلة مُفَضَّلة لتحقيق هذا الهدف لبعض الوقت.

في حين أن شراء الغاز الإسرائيلي لن يحل مشكلة إعتماد أوروبا على الواردات أو اعتمادها المستمر على الفحم، فإن الاتحاد الأوروبي لديه مصلحة واضحة في تنويع إمدادات الطاقة حتى لا يكون مرهوناً بالكامل لروسيا. وبالتالي، فإن إمدادات مستقرة من الغاز الإسرائيلي ستكون مصدراً بديلاً جذاباً للغاية بالنسبة إلى أوروبا. يُمكن لحقل “لفياتان” وغيره من الإكتشافات في المنطقة أن تلبّي إلى حد كبير الطلب الأوروبي مع تقليل الإعتماد على روسيا، وهو ما يُفسّر سبب بدء بروكسل بالفعل العمل مع إسرائيل نحو تعاون أكبر في مجال الطاقة، بما في ذلك تحديد خط أنابيب شرق البحر المتوسط ​​كمشروع ذي مصلحة مشتركة.

إن واردات الغاز الإسرائيلي يمكنها أن تساعد أيضاً على تسريع الإتجاهات داخل الإتحاد الأوروبي نحو توجه أكثر تأييداً لإسرائيل بين الدول الأوروبية.

منذ سنوات، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إستغلال الانقسامات الإيديولوجية المُتعمِّقة في أوروبا لصالح إسرائيل. لديه علاقات مع زعماء شعبويين في دول مثل بولندا والمجر كوسيلة لتخفيف ضغط الاتحاد الأوروبي على إسرائيل بشأن قضايا حقوق الإنسان. ويبدو أن هذا الجهد بدأ يؤتي ثماره – في أيار (مايو) 2018، منعت المجر وجمهورية التشيك ورومانيا صدور بيان الإتحاد الأوروبي الذي ينتقد قرار إدارة ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

ينتقد بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا والسويد وإيرلندا، باستمرار السياسات الإسرائيلية. لكن دولاً أخرى مثل ألمانيا، التي تستورد حالياً كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال الروسي، تتعرض لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة لإيجاد إمدادات بديلة. في حزيران (يونيو) الفائت، هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب برلين بفرض عقوبات على مشترياتها من الغاز الروسي. ومنذ فترة طويلة كانت ألمانيا أقل انتقاداً لإسرائيل لأسباب تاريخية. وبالتالي، فمن المعقول أنه إذا أصبحت إسرائيل مُصدّراً مهماً لإمدادات الغاز الطبيعي المُسال الألمانية، فستتحرك برلين بحزم أكبر في المعسكر الموالي لإسرائيل، وبالتالي تُغيّر ميزان القوى الموالية لإسرائيل في القارة الأوروبية.

ليس هناك ما يضمن حدوث ذلك، وقد يحلّ موردون آخرون للغاز الطبيعي المسال مثل أذربيجان وتركمانستان في نهاية المطاف محل “لفياثان”. لكن حتى الإستبدال الجزئي للإمدادات الروسية بالإسرائيلية يُمكن أن يكون له تأثير في تخفيف الضغط الأوروبي على إسرائيل بشأن قضايا حقوق الإنسان.

قد تكون أوروبا أيضاً أقل إستعداداً للعب دور نشط في أي عملية سلام في المستقبل، خصوصاً إذا اختارت إسرائيل إستخدام مواردها المُكتَشفة حديثاً بشكل قسري، كما فعلت روسيا. إلى جانب تراجع الدعم الفلسطيني لحل الدولتين، وعدم وجود رغبة حقيقية من جانب السياسيين الإسرائيليين للتوصل إلى تسوية نهائية، فإن احتمالات السلام في شكل دولتين إسرائيلية وفلسطينية تتعايشان جنباً إلى جنب، على النحو المُتوخّى في إتفاقات أوسلو للسلام في تسعينات القرن الفائت، سوف تتضاءل إلى حد كبير.

  • جيمي ليفين أستاذ أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة سانت فرانسيس كزافييه في كندا.
  • وميزيسلاو بودوزينسكي أستاذ مساعد في السياسة والعلاقات الدولية في كلية بومونا في كاليفورنيا. يمكن متابعته على تويتر: @MietekB
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
  • ملاحظة من “أسواق العرب”: حسب تقرير من رويترز، يبعد الحقل حوالي 130 كيلومتراً قبالة ميناء حيفا. إلّا أن دراسة لنائل الشافعي، مؤسس موسوعة المعرفة ومديرها،تقول أن الحقل يبعد 190 كيلومتراً شمال دمياط، و235 كيلومتراً من حيفا، و180 كيلومتراً من ميناء ليماسول القبرصى. بذلك يُعتبر الحقل ضمن المنطقة الإقتصادية الخاصة لمصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى