الملكية الخاصة وتمويل المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: العودة إلى المستقبل

بقلم زينة نشيوات*

تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتاريخ حافل في مجال تنمية وخلق رواد أعمال رائعين الذين ينتشرون في جميع أنحاء العالم. على الرغم من ذلك، هناك شيءٌ واحدٌ ما زال ناقصاً، في رأيي الشخصي، وهو بناء روح الفريق. لديّ إيمانٌ راسخٌ بحقيقة أنه لا يزال هناك الكثير من الأصول ورؤوس الأموال الخاصة المُتاحة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، قد تكون العملة وحدها غير قادرة على تنمية رواد أعمال رائعين لتشكيل فرق رائعة. إن التحدّي الأكبر للشركة وأكبر مزاياها كان ولا يزال الفريق الذي يقف وراءها – إن الأشخاص المناسبين الذين يتمتّعون بفرص دعم المواهب المناسبة عند ظهورهم، يفوزون باستمرار. لا توجد وصفة سرية. إن “عبادة الشخصية” علّمتنا جميعاً درساً لسنا على وشك أن ننساه في أي وقت قريب.

ولادة ونمو الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

على عكس الولايات المتحدة، حيث زُرِعَت بذور صناعة الملكية الخاصة الناشئة والمزدهرة منذ العام 1946، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لها تاريخ قصير ومضطرب في هذا المجال. لقد ظهرت الملكية الخاصة في هذ المنطقة لأول مرة في تسعينات القرن الفائت. وقد تمّ قبول فئة الأصول بشكل جيد، حيث اكتسبت اهتمام ومصالح شركاء محليين محدودين – أساساً في دول مجلس التعاون الخليجي- الأمر الذي أدى إلى إنشاء العديد من الصناديق المالية لأول مرة، التي نجحت في جمع حجم كبير من رأس المال في فترة زمنية قصيرة نسبياً. بحلول العام 2007، بلغت الأموال التي جُمعت للإستثمارات الإقليمية 6 مليارات دولار. للأسف هبطت هذه الأموال بشكل كبير، بعد فترة مستقرة بين 2013 و2016، إلى حوالي 2 ملياري دولار اليوم وفقاً ل”بلومبيرغ”.

من بين الإنتكاسات الرئيسة لهذه الصناعة كانت الأزمة الأخيرة لمجموعة “أبراج” التي انهارت في دبي وخلّفت مشهداً جافاً لصفقات شركات الملكية الخاصة الإقليمية، على الرغم من أن الأزمة لم تؤدِّ إلى إبعاد أو هروب أموال الملكية الخاصة الأجنبية من دولة الإمارات العربية المتحدة بالكامل.

لنكن صادقين، لا تقتصر التحدّيات والتطور الوعر المليء بالمطبات ومثل هذه الفضيحة على المنطقة العربية فحسب، بل أن الولايات المتحدة وأوروبا كانت لهما حصة عادلة من فوضى رأس المال. ونظراً إلى كون فئة الأصول في المنطقة ناشئة إلى حد ما مع عدد قليل من اللاعبين، تميل هذه الأحداث إلى أن تكون بارزة ومُفرطة في الدعاية. في الواقع، إن المستثمرين الأجانب ناشطون في المنطقة كما في أي وقت مضى.

هذا العام وحده، وافقت كلٌّ من الشركتين الأميركيتين في نييويورك “كي كي آر & كو” (KKR & Co) و”بلاك روك” ( BlackRock Inc) على استثمار 4 مليارات دولار في خطوط أنابيب النفط في أبو ظبي، في حين وافقت الشركة البريطانية “سي في سي كابيتال بارتنر” (CVC Capital Partners) على شراء حصة 3 في المئة من مؤسسة “جي إي أم أس إيدوكايشن” (GEMS Education) المتخصصة في تشغيل المدارس الخاصة في دبي. قبل ذلك، حققت استثمارات مجموعة “كارلايل” (Carlyle) البالغة 51.3 مليون دولار في شركة إنتاج الأغذية المجمدة في الأردن، “النبيل للصناعات الغذائية”، أرباحاً تراكمية بنسبة 40 في المئة. ناهيك عن ذكر أكبر المخارج في تاريخ المنطقة – الإستحواذات الشهيرة على “مكتوب” و”كريم” و”سوق” من قبل “ياهو!” (Yahoo!)، و”أوبر” و”أمازون” على التوالي.

الوضع الراهن

عموماً رغم ذلك، إنها لحقيقة أن انهيار مجموعة “أبراج” لم تقضِ فقط على شركة الملكية الخاصة التي بناها عارف نقفي في دبي، بل إنها شلّت السوق بأكملها.

منذ بدء الزوال السريع والمذهل ل”أبراج” منذ عامين تقريباً، إنتقلت الأموال من الإزدهار إلى المحدود، حيث لم تستطع شركات الملكية الخاصة التي مقرها في مجلس التعاون الخليجي من جمع أي أموال، على الرغم من الأداء القوي لشركات الملكية الخاصة في كل مكان آخر تقريباً، وفقاً لشركتي البيانات “بيتش بوك” (PitchBook) الأميركية و”بريكن” (Preqin) البريطانية.

على الرغم من أن الأردن والإمارات العربية المتحدة ولبنان لا تزال تشكل مراكز الثقل والتأثير بالنسبة إلى شركات الملكية الخاصة وتمويل المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن بعض التدابير والتوصيات الصارمة المتعلقة بالسياسات إتُخذت مع وجود بعض الإجراءات الجاري تنفيذه في هذه البلدان وغيرها لتغيير التيار وخلق محور قوة في هذا المجال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

توضح لنا نظرة فاحصة على صناعة الملكية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنها واجهت سلسلة من الإنتكاسات على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية – والتي لا يزال عدد قليل من اللاعبين على استعداد لقبولها – وقد يؤدي بعض القضايا الجيوسياسية الشائكة إلى خلق حالات عدم يقين جديدة على الرغم من حقيقة أن القائمة الحالية للشركات العاملة في المنطقة لا تزال تضم محترفين متمرسين فاوضوا على موجات سابقة من التقلبات السياسية والاقتصادية وخلقوا قيمة في هذه العملية.

أيضاً، على الرغم من الحجم الصغير للصناعة، فإن أداء الصفقات المُبلَّغ عنها على أساس معدل العائد الإجمالي وقواعد النقد المتراكم والمتعدد جيد، مما يثبت أنه على الرغم من جميع الرياح المعاكسة، تمكّنت شركات الملكية الخاصة التي تُركّز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الحصول على استثمارات عالية الجودة وتوليد العوائد.

ينبغي على المرء بالتالي أن يأخذ الثقة من التجربة السابقة التي تُفيد بأن مديري الصناديق المالية في المنطقة سوف يكونون قادرين على الإبحار واجتياز الموجة المُقبلة من التحديات. ولكن هناك الكثير من التفاصيل للقصة.

في حين أن عدد الشباب المُتنامي بسرعة يُمثّل نعمة مُحتَملة للشركات التي تُركّز على السلع الإستهلاكية والخدمات والرعاية الصحية والتعليم، فإن الأمر يتطلب من الحكومات تحقيق مستويات من النمو الإقتصادي قادرة على تشغيل كل هؤلاء الشباب.

لا تزال المنطقة تُعاني من ندرة التمويل المُتاح للشركات، وبخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، فضلاً عن الخبرة الإدارية غير الكافية لنقل الشركات إلى المرحلة التالية من التطوير. يُمكن لرأس المال الخاص سدّ هذه الفجوات من خلال توفير رأس المال التوسّعي، ومساعدة الشركات على النمو بما يتماشى مع المعايير الدولية، وربط هذه الشركات بأسواق جديدة، وفي نهاية المطاف من طريق خلق فُرَصٍ مشروعة لشباب المنطقة لكسب العيش في الإقتصاد الرسمي. ولكن على الحكومة رغم ذلك أن تلعب دورها أيضاً. إن السياسات والممارسات الإقليمية التي تتكشّف في المنطقة ككل لمعالجة هذه الفجوة تبدو واعدة، لا سيما بين المراكز المؤثرة في الملكية الخاصة وتمويل المشاريع (الأردن والإمارات العربية المتحدة ولبنان). ومع ذلك، لا يزال هناك مجال كبير للتقدم حيث سيكون الإعتراف والعمل المجدي أمرين حيويينً.

نظرًا إلى أن الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُقدّر هذه العلاقة بشكل متزايد، ينبغي عليها أن تبدأ بقوة أكبر في إشراك شركاء من القطاع الخاص بنشاط. لقد أدركت جميع الحكومات الإقليمية تقريباً أن تشغيل الشباب أمر بالغ الأهمية لتحقيق الإستقرار، وأنها وحدها لا تستطيع توظيف موجات الشباب الآتين إلى القوى العاملة. ما لم يقم القادة بإشراك القطاع الخاص في المعادلة – والسماح له بالتطوير ودفع نمو الوظائف – من المحتمل أن يترتب على ذلك عالم مليء بالإضطرابات.

خلاصة القول: لا تزال الملكية الخاصة غير مُستَغلّة بشكل كبير، حيث بلغ حجم الإستثمار في الملكية الخاصة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 0.2% في العام 2018. في بيئة تحمل فيها الأخبار عناوين رئيسة عن التدمير أكثر من البناء، يُمكن أن يكون رأس المال الخاص عاملاً إيجابياً كبيراً للتغيير. من خلال الشراكة مع رواد الأعمال المحليين وبناء شركات أفضل، يُمكن لصناعة الملكية الخاصة أيضاً أن تساعد المنطقة على بناء مستقبل أكثر إشراقاً.

توصيات الوصول إلى رأس المال

توصيات لواضعي السياسات:

  1. تصميم سياسات وبرامج تتلاءم مع “واقع” العمل: إنها حقيقة بأن السياسات الحكومية بشكل عام ليست مفهومة جيداً أو مُستخدَمة من قبل الشركات وتفشل في توفير سعر تنافسي، وإمكانية الوصول، واليقين الذي تبحث عنه الشركات عند البحث عن رأس المال. ولكي تحقق هذه السياسات والبرامج أهدافها المُعلَنة، يجب على صانعي السياسات تنظيمها وهيكلتها لتلبية الإحتياجات المُحدَّدة للأعمال التجارية أو النظر في تعزيز وتوسيع نطاق التعاون مع مُقدِّمي رأس المال من القطاع الخاص للإستفادة من خبرات هؤلاء وقدراتهم. قد يتطلب هذا خفة حركة وتكامل بشكل أفضل لتبسيط الجهود عبر برامج متفرقة في غالبية الأحيان.
  2. توسيع نطاق تعليم ريادة الأعمال لخيارات رأس المال: حتى لو كان مصدر رأس المال مناسباً وملائماً لاحتياجات الأعمال، فلن يتم استخدامه من دون إدراك كبير للمؤسسات المُستَهدفة. يجب على صانعي السياسات تشجيع البرامج التعليمية التي تساعد الشركات والمؤسسات غير الربحية والهيئات الحكومية في جميع أحجام خيارات الوصول إلى رأس المال المختلفة، وكذلك تكاليفها وفوائدها ومتطلباتها. قد يكون هذا مجهوداً مباشراً من جانب الحكومة، ولكن قد يكون أكثر فاعلية وكفاءة في الشراكة مع المؤسسات غير الربحية والعالمية ومنظمات الأعمال التي تُركّز على تحسين الوصول إلى رأس المال.

توصيات لمُقدِّمي رأس المال:

  1. تطوير العلاقة مع العملاء: العلاقة الإيجابية هي المحرك الرئيس للعملاء. يجب على المرء التعرف إليهم وتطوير علاقة إيجابية معهم. لن يساعد هذا في جعل العلاقة “لزجة” ومرنة فحسب، بل سيساعد أيضاً على فهم الإحتياجات والإتجاهات في السوق، مما يتيح لمُقدّمي الخدمات ضبط أوضاعهم بشكل أفضل مع تغيّر السوق.
  2. 2. النظر في شراكات استراتيجية: قد لا يكون القادة قادرين أو راغبين في توفير رأس المال لجميع الشركات؛ ومع ذلك، حتى لو لم يكن من الممكن تقديم جميع الخدمات اللازمة، فمن خلال استخدام الشراكات الاستراتيجية، يمكنهم الحفاظ على وجود الشركة داخل مظلة علاقاتهم.

التكنولوجيا المالية وحدها لا معنى لها إلّا إذا كانت هناك قيمة أساسية. من أجل خلق فرص العمل وازدهار حقيقي، يجب أن تعمل التكنولوجيا المالية على عوامل أخرى؛ وليس هناك ما هو أكثر أهمية من رأس المال البشري. مرة أخرى، “رأس المال البشري” وتنامي “روح الفريق” هو جوهر كل شيء.

  • زينة نشيوات هي الرئيسة التنفيذية لشركة “براند زي إي” (BrandZA)، وشريكة في شركة “بلاكهوك بارتنرز” (Blackhawk Partners, Inc.) ومنسقة الثروة المسؤولة عن بناء أصول علامات تجارية قيمة، وإنشاء شراكات قوية وتحسينها، وتعزيز فرص الإستثمار التي تعود بالنفع على جميع أصحاب المصلحة.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى