زمن الشراكة

بقلم راشد فايد*

نجح السودان في ان يكون البلد الثاني، بعد مصر، في منظومة زمن الشراكة في الحكم بين المدنيين والعسكر، تتبعه الجزائر. ولا يُستبعَد ان تكون ليبيا، لاحقاً، القاطرة الرابعة. فالقوى الكبرى التي تحكّمت بالعالم العربي منذ سقوط السلطنة العثمانية، وشجّعت الإنقلابات وتولّي العسكر الحكم، منذ الإنقلاب الأول في سوريا بقيادة الضابط حسني الزعيم في العام 1949، بعد هزيمة حرب فلسطين، باتت ميّالة الى شراكة مدنية – عسكرية في الحكم في الدول العربية،  تُزاوج بين تطلعات الشعوب وانضباطية العسكر.

يُعتبَر انقلاب الزعيم أول انقلاب في الشرق الاوسط، وفي الوطن العربي، وفاتحة تدخّل الجيوش العربية في سياسات بلادها، فيما تبدو مصر اليوم، بتحالف المدنيين مع الجيش، أول تجربة لتعايش العسكر والمدنيين في إدارة شؤون البلاد.

ويختلف السودان عن دول الإنقلابات العربية، بأن التدخل العسكري في السياسة السودانية شكل، ومنذ الإنقلاب الأول في تشرين الثاني (نوفمبر) 1958 سمة طبيعية للعمل السياسي، إلى حدّ التسليم العام بأن الإنقلاب هو استمرار للعملية السياسية بوسائل أخرى، ما جعل حالة تداول المدنيين والعسكريين على السلطة جزءاً “طبيعياً” من هذه العملية.

بدأ مسلسل الإنقلابات العسكرية في السودان في العام 1957، بعد تشكيل أول حكومة ديموقراطية في العام الأول بعد الإستقلال عن بريطانيا (1956) وقد أُحبِط، وتلته تسع محاولات، على مر 60 عاماً، نجح أولها في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1958 بقيادة ابراهيم عبود، ثم انقلاب 25 أيار (مايو) 1969 بقيادة جعفر نميري، فانقلاب عمر البشير 30 حزيران (يونيو) 1989، ثم الانقلاب عليه هذا العام.

يُضاف الى ذلك فشل 5 محاولات، أي ما مجموعه 9، ما يُبقي سوريا بلد الإنقلابات الاول بعدد 10 ناجحة، 3 منها في سنة 1949 بفارق أشهر بينها، وأطولها عمراً المستمر منذ 1970 بقيادة حافظ الاسد، الذي أكمل ابنه بشار عهده، منذ حزيران (يونيو) 2000.

اليوم، يفتح توقيع الإتفاق السياسي والدستوري بين “المجلس العسكري الإنتقالي” و”قوى الحرية والتغيير” باب الأمل لدى السودانيين ببناء دولة الناس، وإنهاء فصل مرير من تاريخهم، وطي 30 عاماً من حكم البشير، و 7 أشهر من الإحتجاجات الشعبية، و4 أشهر من المفاوضات بين العسكر والقوى المعارضة. ولعل من الإضاءات اللافتة تصميم مُوَقّعي الإتفاق على ضرورة ” المُكاشَفة والمُحاسَبة” لتحقيق العدالة في كل الجرائم التي ارتُكِبت بحق الضحايا والعائلات.

من اللافت ان يجد السودان طريقه الى الديموقراطية بعد أقل من عام على وفاة المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي تسلم السلطة، أثناء انتفاضة نيسان (إبريل) 1985، بصفته الأعلى رتبة، وبتنسيق مع قادة المعارضة حينها. ولم يتأخر في تسليم مقاليد الحكم بعد سنة، بلا أي تردد: اراد، بكل بساطة، أن يُعطي، زمن الديكتاتوريات، درساً في الزهد بالسلطة.

  • راشد فايد كاتب، صحافي ومحلل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb أو متابعة مقالاته على http://www.rachedfayed.com/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى