الخطّ الأعوج وحمار ابليس

بقلم عرفان نظام الدين*

مشاكلنا كثيرة، وأسباب تخلّفنا أكثر، وما وصلنا إليه هو نتيجة لتراكمات كثيرة أهمها غياب مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، واستبداله بمبدأ الرجل غير المناسب في كل مكان وفي كل زمان.
ولا يدور نقاشٌ بين العرب من المحيط الى الخليج إلّا ويتركز على الشكوى من سوء التقدير وتسليم زمام الأمور وفق معايير خاطئة يتردد صداها في كل مكان، مثل المحصاصة والوساطة والمصالح الشخصية والحزبية والمالية. وتمتد الشكوى من الإدارات والشركات والمؤسسات من أعلى الهرم الى أسفله لينطبق علينا المثل المُعبّر :الخطّ الأعوج من الثور الكبير .وكم من موظفٍ يشتكي من ان رئيسه جاهل أو فاسد أو حتى يصفه بالحمار، مع أن الحمار، كما ذكرت سابقاً، يتعلّم ويتّعظ ولا يقع في الحفرة مرتين.
وهناك اسباب كثيرة لتفشي هذه الظاهرة بينها غياب المحاسبة وعدم وجود معايير مُحَدَّدة لتحمّل المسؤولية، وتدهور مستويات العلم وقصور المناهج التعليمية وغيرها.
ومع الإعتذار من الحمير أروي قصة عن الأخطاء والخطايا التي تُرتَكب عن قصدٍ او سوء نية: كان إبليس يُريد تخريب قرية وإشاعة الفتنة بين أهاليها، فعمد في إحدى الليالي الى فك رسن الحمار الذي أسرع مباشرة الى حدائق الجيران ليُمعِن فيها تخريباً وسحقاً للنباتات. وعندما استيقظ هؤلاء غضبوا واشتبكوا، وعمّ الخراب، ودُمّرت القرية، وجلس إبليس يضحك على البشر الذين قاموا بمهمّته على أحسن وجه، وهو ما شهدته اوطاننا على مرّ التاريخ.
وأختم مع هذه القصة الرمزية التي تُعبّر عن حقيقة أوضاعنا بكل بساطة ووضوح: يُحكى أن والياً كان له صديق وفي ورفيق دربه منذ عهد الطفولة، ومن شدّة وثوقه به سلّمه أمنه الشخصي لسنوات طويلة .
وفي أحد الأيام أشار إليه أحد رفاقه بان يُشكّل دائرة خاصة بالأمن بعدما تشعّبت المهام والمسؤوليات. وبالفعل نفّذ الأمر وعيَّن أحد مرافقيه العديمي الخبرة متجاوزاً رفيق عمره الخبير.
تألم الرجل واعتكف في منزله، وعندما سأل عنه الوالي قيل له بانه عاتب ومنزعج، فاستدعاه وسأله عن خطبه، فقال له مجرد أمر شخصي فانا لا أتدخّل في قرارتك ولا يحق لي ان أعترض، ولكن سأروي لك هذه الحكاية الرمزية المُعبّرة عن الواقع: كان رجل من البدو يملك جملاً رافقه حقبة من حياته وأخلص له وخدمه بكل محبة ووفاء، وعندما شارف على الموت بعدما اشتد مرضه قال له الرجل سامحني إذا أخطات بحقك او أسأت إليك، فردّ الجمل أُسامحك على كل شي وعلى الحمولة الزائدة في صيف حارق وتعديات أولادك عليّ واتخاذ ظهري مطية للجميع، ولكني لن أُسامحك على إساءة لا تُغتفَر، أتذكُر يوم كنا في رحلة صحراوية وربطت رقبتي بالحمار ليقودني وأنا أشعر بالذل من دون أن اعترض؟ هذه الإساءة لن أنساها ولن أسامحك عليها.
فَهِمَ الوالي المغزى من الحكاية وعالج الأمر بإلغاء قراره وتعيين صديقه الأمين.

• عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى