خامنئي يُجري تعديلاً كبيراً في قيادة الحرس الثوري إستعداداً لِمَا هو آتٍ

في ظل التهديدات المصيرية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية أجرى المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي تغييرات كبرى في قيادة الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الأخرى إستعداداً لأي مواجهة مع أميركا أو الجيران.

الجنرال قاسم سليماني: لم تصله التعديلات

بقلم ميسم بِهرافش*

مع تحوّل الجمهورية الإسلامية إلى سياسة خارجية أكثر قوة في مواجهة الضغوط الخارجية المتصاعدة ضدها، يخضع جهاز الدفاع والأمن التابع لها لتغييرات رئيسة. ويشمل ذلك إعادة تشكيل داخلي في فيلق الحرس الثوري الإسلامي وإنشاء “قوة دفاع جوي” منفصلة داخل الجيش النظامي.
تعكس هذه التغييرات السرية، ولكن المهمّة، التوقّع المتزايد في طهران لمرحلة مواجهة شديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها بشأن البرنامج النووي الإيراني. إن صانعي القرار والاستراتيجيين الإيرانيين مقتنعون بشكل متزايد بأنه إذا وقعت الحرب، لا يُمكن للجمهورية الإسلامية تحمّل الإخفاقات الأمنية عينها التي أدت إلى وفاة “مؤسس صناعة الصواريخ”، الجنرال حسن طهراني مقدم، في انفجار وقع بالقرب من طهران في العام 2011، أو سرقة إسرائيل لأكثر من نصف طن من “المحفوظات الذرية” في أوائل العام 2018. إن الحرس الثوري الإيراني مسؤول عن حماية البرامج النووية والصاروخية الإيرانية من التجسّس والتخريب الأجنبي.
في 22 تموز (يوليو)، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن السلطات الأمنية قد اعتقلت 17 جاسوساً ومُتسلّلاً يعملون لحساب وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) وحكمت على بعضهم بالإعدام. وادّعت وزارة الإستخبارات الإيرانية في بيان أن “الجواسيس الذين تم اعتقالهم كانوا يعملون في مراكز القطاع الخاص الحسّاسة والحيوية في المجالات الاقتصادية والنووية والبنية التحتية والعسكرية ومجال الإنترنت … حيث قاموا بجمع معلومات سرية”.

إعادة توزيع مسؤولي الأمن الرئيسيين

مع ذلك، فإن التقارير تُشير إلى أن عمليات النقل والإحلال والتغيير البارزة داخل الحرس الثوري الإيراني، وعلى نطاق أوسع، في القوات المسلحة، هي جزء من جهد منتظم لتعزيز فعالية العسكر التشغيلية في وقت تتزايد فيه التهديدات الداخلية والخارجية، ووسط حملة قمع على التسريبات والإشاعات.
في إعلان مفاجئ في 21 نيسان (إبريل) الفائت، قام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتعيين اللواء حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، كرئيس جديد للفيلق. وكان خامنئي مدّد في العام 2017 فترة ولاية قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، الجنرال محمد علي جعفري، لثلاث سنوات أخرى بعدما خدم عشر سنين. إن قرار استبداله بسلامي كان غير مُتوَقَّع ومن السابق لأوانه. كان التوقيت ملحوظاً أيضاً، بعد حوالي أسبوعين من تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، وقبل فترة وجيزة من قرار إدارة ترامب بوقف إعفاءات العقوبات عن مشتري النفط الإيراني في محاولة لخفض صادرات الجمهورية الإسلامية من النفط الخام إلى الصفر. ولتشديد الخناق على طهران وأنشطتها الإقليمية، عرضت واشنطن في وقت واحد مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار عن معلومات إستخبارية يُمكن أن تساعد على تعطيل الشبكات والتعاملات المالية ل”حزب الله” اللبناني، الوكيل الأجنبي الرئيس لإيران في الشرق الأوسط.
وقبل ذلك بيوم واحد، في 20 نيسان (إبريل)، تمّت إقالة رئيس الأمن في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال علي نصيري، واستُعيض عنه بالجنرال فتح الله جميري – بعد أن خدم سنة ونصف فقط في منصبه. كان نصيري مسؤولاً عن قسم “الحماية” في الحرس الثوري الإيراني، الذي يُشرف على أمن المسؤولين الإيرانيين الرئيسيين، والمراكز والمؤسسات الحساسة المهمة، وكذلك المطارات في جميع أنحاء البلاد.
الآن هناك روايات وتقارير غير مؤكدة تُفيد بأن الجنرال نصيري رهن الإحتجاز للإشتباه بقيامه بالتجسس أو بالفشل في منعه، وأن جعفري، القائد الأعلى السابق للحرس الثوري الإسلامي – الذي أُبعِد الآن إلى قيادة إدارة مؤسسة بقية الله الثقافية والإجتماعية التي تُشرف على الجهود المبذولة ل محاربة “دعاية العدو” وتعزيز الفكر الثوري للحرس الثوري الإيراني – يخضع للتحقيق أيضاً.
وقد نفى “الحرس الثوري” الإيراني هذا المعلومات والتقارير، مشيراً إلى ان هؤلاء القادة انتقلوا للعمل في أماكن جديدة.
“هذه كلها أخبارٌ مُلفّقة غير صحيحة نشرها النظام الإسرائيلي ووسائل إعلامه لإثبات أن ادعاءاته بالتسلل إلى المنظمات الأمنية الإيرانية بشكل عام وسرقة وثائقها الذرية السرية للغاية كانت حقيقية”، على حد ما أسرّ به لي أحد المُحللين الاستخباراتيين المُنتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني في طهران. كما رفض المتحدث باسم الحرس الثوري الجنرال رمضان شريف هذه التقارير ووصفها بأنها “كاذبة ومثيرة للإشمئزاز”.
ومع ذلك، فإن توقيت وسرعة وحجم التغييرات في القيادة داخل جهاز الأمن والمخابرات الإيراني المترامي الأطراف مهمة للغاية بحيث لا يُمكن تجاهلها بسهولة واعتبارها دعاية أجنبية وأخباراً مُزيَّفة.
بالإضافة إلى الجنرال نصيري، فإن الجنرال مصطفى ربيعي، الرئيس السابق لقسم “التفتيش” في الحرس الثوري الإيراني، والجنرال محمد تولائي، النائب السابق للشؤون الإستراتيجية للحرس الثوري الإيراني، فَقَدَا منصبيهما خلال الأشهر الثلاثة إلى الأربعة الماضية، وقد أفاد بعض المعلومات أنهما فرّا من البلاد أو اعتُقِلا.
في هذه الأثناء، في مرسوم صدر في 2 تموز (يوليو)، عيّن آية الله خامنئي الجنرال غلام رضا سليماني قائداً جديداً لمنظمة “الباسيج”، وهي قوة شبه عسكرية متطوعة تابعة للحرس الثوري الإسلامي، كانت برئاسة الجنرال غلام حسين غيبارفار لمدة عامين ونصف العام. والجدير بالذكر أن القائد الذي سبق غيبارفار، الجنرال محمد رضا نقدي، شغل المنصب لأكثر من سبع سنوات من تشرين الأول (أكتوبر) 2009 حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.

بيئة تهديد جديدة

وفقاً لسعيد غولكار، خبير الحرس الثوري الإيراني في جامعة تينيسي الأميركية في تشاتانوغا ومؤلف كتاب “المجتمع الأسير: ميليشيا الباسيج والسيطرة الإجتماعية في إيران”، فقد كانت المؤسسة الشعبية “الباسيج” “واحدة من أكثر القوى فاعلية في مجموعة أدوات النظام الديني لمكافحة الإضطرابات المحلية”.
“إن الحرس الثوري يمر بعملية تطوير وتحديث نظامه التي تهدف إلى تعزيز قدراته لتنفيذ المهمة الملقاة على عاتقه في بيئة تهديد ناشئة”، قال لي غولكار.
على هذا المنوال، تمت ترقية الجنرال نقدي في أيار (مايو) الفائت من منصبه كنائب مدير “ثقافي واجتماعي” للحرس الثوري الإيراني إلى منصب نائب مدير “التنسيق”، الذي يرأس العلاقات بين مختلف “فرق النخبة”، بما في ذلك القوات البرية والبحرية والفضائية، والباسيج. وأخيراً، تم تمديد فترة ولاية حسين الطيب كرئيس لمنظمة الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني، في حين تم استبدال نائبه، الجنرال حسين نجات، بالجنرال حسن محقق.
ومع ذلك، فإن الإحتمال المتزايد بسرعة للإضطرابات الداخلية والتمرّد الإجتماعي الناشئ عن حملة “أقصى العقوبات الضاغطة” لإدارة ترامب ضد الاقتصاد الإيراني، لا يمثل سوى عنصر واحد فقط من بيئة التهديد الجديدة.
والنقطة الثانية هي التصعيد غير المسبوق للتوترات بين إيران وجيرانها في المنطقة، التي من المتوقع أن تزداد سوءاً خلال الأشهر المقبلة مع تحوّل طهران إلى موقف عسكري أكثر هجومية يتميز بالتصعيد النووي والإنتقام العسكري. كان القرار الأخير للحكومة الإيرانية برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما يتجاوز معدل 3.67٪ الذي سمحت به الصفقة النووية والإستيلاء الإنتقامي على ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” في مضيق هرمز هما آخر مظاهر هذه الاستراتيجية الأمنية.
قبل أسابيع قليلة، تراجعت إيران والولايات المتحدة عن شفا صراع عسكري كان يُمكن أن يُتوَّج بحرب شاملة تغمر الشرق الأوسط بأكمله. وقد حدث هذا التراجع بعد أن ألغى الرئيس دونالد ترامب الضربات العسكرية ضد المواقع الإيرانية – رداً على إسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة إستطلاع أميركية من دون طيار – قبل 10 دقائق فقط من التنفيذ.
خلال مراسم تنصيب القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني الجنرال سلامي في 24 نيسان (إبريل) الفائت، أبرز رئيس مكتب الشؤون العسكرية للمرشد الأعلى، محمد الشيرازي، “سجلّ 40 عاماً للحرس الثوري الإيراني” و”التوقعات العالية” التي كانت لدى آية الله خامنئي بالنسبة إلى الفيلق. وقال: “من الأوامر القاطعة للمرشد الأعلى في هذا التعديل كانت الإستفادة من نقاط القوة … والقضاء على نقاط الضعف والعيوب”.
لتوضيح هذه النقطة أكثر، أضاف الجنرال قاسم سليماني، رئيس وحدة العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني أي “لواء القدس”، خلال الحدث نفسه أن هناك “كتلة من الحكمة وراء كل تعيين من قبل المرشد الأعلى”.
من الواضح أن “كتلة الحكمة” هذه هي إعداد الجمهورية الإسلامية لصراع شاق من أجل البقاء – في الداخل والخارج على السواء.

• ميسم بهرافش محلل سياسي إيراني في “بيرسس ميديا” ومرشح دكتوراه في قسم العلوم السياسية بجامعة لوند في السويد. تابعوه على تويتر: @MaysamBehravesh. وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة تخص الكاتب وحده.
• كُتِبت هذه المقالة بالإنكليزية وعرّبها قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى