لماذا هذا الإنفصام في السياسة الأميركية تجاه إفريقيا؟

مع تزايد الضغط على الإحتجاجات الجزائرية، اختارت الولايات المتحدة التزام الصمت على الرغم من أنها لم تصمت تجاه الأحداث التي وقعت في السودان.

المبعوث الأميركي دونالد بوث: كان له دور في الإتفاق السوداني الأخير

بقلم سارة يركس وكاسيا باردوس*

الإحتجاجات الشعبية الجزائرية، التي بلغت ذروتها في نيسان (إبريل) الفائت وأجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الإستقالة، تميّزت بشكل ملحوظ بطبيعتها السلمية نسبياً. لكن في شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) كانت هناك زيادة في القمع، والذي أحياناً كان عنيفاً، لا سيما ضد الصحافيين. الكثيرون في العالم يُراقبون فيما يخرج الجزائريون إلى الشوارع للأسبوع الحادي والعشرين على التوالي للإحتجاج، لكن دولة واحدة كانت صامتة بوضوح طوال هذه الفترة هي الولايات المتحدة.
لم تُصدِر الإدارة الأميركية سوى بضعة بيانات غامضة حول الجزائر لدعم الحقوق العامة لحرية التجمع والتعبير، وكذلك الحق في انتخابات حرة ونزيهة. في آذار (مارس) الفائت، أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة “تدعم الجهود المبذولة في الجزائر لرسم مسار جديد للمضي قُدُماً على أساس الحوار الذي يعكس إرادة جميع الجزائريين وتطلعاتهم لمستقبل سلمي ومزدهر”. وكرّر المتحدث في وقت لاحق، آخرها في نيسان (إبريل) الماضي، بأن التغيير والتحوّل السياسي هما مسألة “يُقرّرها الشعب الجزائري”.
عندما سُئلت في 16 تموز (يوليو) ما هو رد واشنطن على تقارير الصحافيين الذين تعرّضوا للإعتقال والضرب، أجابت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية، مورغان أورتاغوس، بردٍّ غير ملائم وعام مركّزةً على أن الولايات المتحدة تتحدث في كثير من الأحيان عن حرية الصحافة وحرية الدين. ومع ذلك، رفضت التطرق إلى أحداث الجزائر مباشرة.
كان هذا في تناقض حاد مع الردّ الأميركي على الإحتجاجات في السودان. هناك، كانت للمتظاهرين مطالب مماثلة مع ما يطالب به الجزائريون من أجل التغيير الديموقراطي والتحسّن الإقتصادي، كما أطاحوا النظام الإستبدادي بنجاح. في البداية، إتخذت الإدارة الأميركية مساراً خافتاً في ما يتعلق بالوضع السوداني. ولكن بعد تنحي الزعيم السوداني عمر البشير في نيسان (إبريل)، منهياً 30 عاماً في السلطة، كانت استجابة الولايات المتحدة أشد وطأة في دعمها لعملية الإنتقال الديموقراطي. فقد دعت واشنطن إلى “الإنتقال إلى سودانٍ مسالم وديموقراطي بقيادة مدنيين يُمثّلون تنوع المجتمع السوداني”.
بعد استيلاء العسكر على الحكم الذي أدّى إلى تصاعد التوترات بين المتظاهرين السودانيين والنخبة العسكرية والتي بلغت ذروتها في قتل أكثر من 100 متظاهر مدني على أيدي الجيش في أوائل حزيران (يونيو)، عمدت الحكومة الأميركية إلى تكثيف إنخراطها في الأزمة. بالإضافة إلى التطرق إلى التحوّل والإنتقال السياسي في السودان من خلال ثمانية بيانات صحافية، فقد عيّنت وزارة الخارجية في 12 حزيران (يونيو) دونالد بوث، الديبلوماسي المخضرم والمبعوث الخاص السابق إلى السودان وجنوب السودان، مبعوثاً خاصاً إلى السودان مرة أخرى. في 5 تموز (يوليو)، أعلن الجيش والمتظاهرون عن موافقتهم على اتفاقٍ لتقاسم السلطة من شأنه أن يُنشئ مجلساً سيادياً، يتزعمه أولاً مسؤول عسكري ثم مدني، للحكم لمدة ثلاث سنوات بينما يستعد السودان في هذه الفترة لإجراء الإنتخابات. رحبت وزارة الخارجية الأميركية بالإتفاق واعتبرته “خطوة مهمة إلى الأمام”، وأُفيد في وقت لاحق أن الضغط الديبلوماسي الأميركي كان ضرورياً لتحقيق الصفقة.
هناك تفسيرٌ واحدٌ للنهج المتباين تجاه الجزائر والسودان، وهو أن الأولى حافظت لفترة طويلة على سيادتها وتجنّبت التدخل الأجنبي من أي نوع. لذلك، لن يكون الإنخراط الأميركي مرحباً به في قضية داخلية. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان تميّزت بتاريخ صعب كان يُمكن أن يَحُول دون التدخل كذلك. فبعد إقامة علاقات ديبلوماسية طبيعية بعد استقلال البلاد في العام 1956، صنّفت الولايات المتحدة السودان دولة راعية للإرهاب في العام 1993، وتحدّثت ضد الإبادة الجماعية في دارفور. وقد لعبت واشنطن دوراً نشطًاً في مفاوضات اتفاقية السلام التي أدّت إلى استقلال جنوب السودان في العام 2011.
إن عدم الإنخراط في الجزائر أمرٌ مُحيّر بشكل خاص بالنظر إلى تركيز إدارة دونالد ترامب على إفريقيا. في كانون الأول (ديسمبر) 2018، أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون عن استراتيجية جديدة لإفريقيا ، تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية والتبادل الإقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، ومواجهة التهديدات الإرهابية العنيفة، وضمان فعالية المساعدات الخارجية. وفي 19 زيران (يونيو) الفائت، كشف مسؤولو الإدارة عن مبادرة جديدة كبرى تحت عنوان “إزدهار إفريقيا”، في قمة الأعمال الأميركية -الإفريقية في موزامبيق، والتي ستُقدّم وتوفّر مبلغ 50 مليون دولار لـ “زيادة كبيرة في التجارة الثنائية والإستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا”.
قام بولتون، الذي كان مُحبَطاً كثيراً بسبب ما اعتبره مشاركة دولية غير فعاّلة وغير فاعلة مع أفريقيا خلال فترة وجوده في إدارتي جورج بوش الأب والإبن، بدفع إدارة ترامب إلى زيادة بصمة الولايات المتحدة في القارة الأفريقية وكذلك تحقيق هدف أفضل وتحديد أولويات المساعدات الأميركية هناك. ولا شك أن جزءاً مما يُحفّز التحوّل نحو إفريقيا هو الرغبة في مواجهة النفوذين الصيني والروسي المتزايدين في القارة السمراء، واللذين تعتبرهما الولايات المتحدة تهديداً للأمن القومي، كما سمعنا من مسؤولي البنتاغون.
بالنظر إلى هذا التحوّل الجديد في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إفريقيا، يتوقع المرء استجابة أقوى لإحتجاجات الجزائر والأزمة السياسية التي تلت هناك. ومع ذلك، فإن الإختلاف في النهج تجاه الجزائر والسودان يعكس قضية أوسع نطاقاً – نهج الإنفصام السياسي الذي تتبعه الإدارة الأميركية تجاه القارة السمراء.
يبدو أن واشنطن غير قادرة على تقرير ما إذا كانت دول شمال إفريقيا جزءاً من إفريقيا أو من منطقة الشرق الأوسط. من الناحية البيروقراطية، بينما تشرف وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي على شمال إفريقيا من خلال أقسامهما التي تهتم بشؤون إفريقيا، فإن وزارة الخارجية تضع شمال إفريقيا في مكتب شؤون الشرق الأدنى. وهذا يؤدي إلى اتباع نهج أقل تماسكاً تجاه منطقة شمال أفريقيا دون الإقليمية والقارة الأفريقية ككل. لقد ترك هذا الأمر منطقة شمال إفريقيا بعيدة من الإهتمام الأميركي إلى حد ما، حيث زادت الإدارة من ارتباطها بدول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو أمر واضح في النهج المتباين تجاه الإحتجاجات الجزائرية والسودانية.
إن تركيز إدارة ترامب على إفريقيا هو خطوة أولى إيجابية في زيادة الإنخراط في قارة غالباً ما يتجاهلها البيت الأبيض. ومع ذلك، فإن الدافع وراء هذه السياسة – زيادة استثمارات القطاع الخاص الأميركي ومعارضة ومواجهة روسيا والصين – قد يعني فرصاً مفقودة للتواصل أيضاً مع الأفارقة بشأن القيم المشتركة. وتتمثل إحدى طرق الإنطلاق لهذه الفرص في تعزيز أصوات النشطاء الجزائريين الذين يناضلون من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان، والتحدث علناً عن الإنتهاكات بالطريقة عينها التي دعمت بها الولايات المتحدة النشطاء السودانيين.

• سارة يركس هي زميلة في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تُركّز أبحاثها على التطورات السياسية والإقتصادية والأمنية في تونس بالإضافة إلى العلاقات بين المجتمع والدولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
• كاسيا باردوس زميلة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى