أَين فـي غير لبنان بلدٌ يَـحْكُمُهُ “رؤَساء ثلاثة”؟

بقلم هنري زغيب*

حين يكون الحُكَّام في خدمة النظام، تزدهر الدولةُ وتواصل ازدهارَها مهما تعاقب عليها الحُكَّام.
وحين يكون النظام في خدمة الحُكَّام وعلى قياسهم، تضطرب الدولةُ ويبدأُ انحطاطها مع تعاقُب الحُكَّام ونَسْلِهم الـمُتَحكِّم.
حين يتركَّبُ النظام ذا حَوكمةٍ سليمةٍ في دولةٍ، ينتظم الإستمرار في نَسَق الحكْم أَيًّا يكن الحاكم، وينضبط نَـهجُ السياسة، ويتوحَّد منهج الإِدارة ونمطُها في طريقٍ واحدٍ وطريقة موحَّدة يحكمها القانون، ولا فارق عندها بين ولاية وولاية.
وحين يُصبح الدستورُ في دولةٍ وجهةَ نظَر في خدمة السلطة، والقانونُ استنسابيًّا للحاكم وحاشيته، ويتعدَّلُ نظام الحُكْم وانتظام الدولة وتنظيم الإِدارة بين حاكِمٍ وخَلَف، تتهدَّدُ الدولة وتسقط متخلِّفةً عن دولٍ ذات نظام وانتظام وتنظيم.
حين يصل إِلى الحُكْم فريقٌ عارفٌ سُنَنَ الحُكْم، تستمرُّ الدولة في ازدهارها وتُواصِلُ تَقدُّمها بين حُكْمِ رئيسٍ وحُكْمِ مَن يَـخلفُه لأَن الخَلَف عارفٌ أَيَّ طريق يسلك ولا يختلف سوى أُسلوب انتهاجِهِ الإِدارةَ، فتصل إِلى المواطن حقوقُه ويَعرف تلقائيًّا واجباتِه فيؤَدِّيها.
وحين يُصبح الحُكْم شخصانيًّا متعَلِّقًا بشخصية الحاكم وأَشخاص حاشيته وشُخُوص أَزلامه والمحاسيب، يتغيَّر النظام والإنتظام والتنظيم من حاكم إِلى حاكم آخَر فيأْتي الآخَر بشخصية أُخرى وأَشخاص آخرين وأَزلام مختلفين وشُخُوص متخالفين. وبين حاكِمٍ وحاكِم تكون بدايةٌ من جديدٍ لنظام مُغاير وانتظام مُرتَـجَل وتنظيم عشوائيّ، وفي هذا كلِّه إنهيارُ الدولة بين ولايةٍ وأُخرى. وعندئذٍ تُصبح الدولة عُصبةَ قبائلَ سياسية، لكل قبيلةٍ زعيمُها على رأْس قبيلته يفرض زعامته على شُؤُون الدولة فتتلاطم مواقفُ رؤَساء القبائل، كلُّ واحدٍ منهم زعيمٌ في قبيلته وزعيمٌ في الدولة. عندئذٍ على الدولة السلام.
وحين يتداول الإِعلام تعبير “الرُؤَساء الثلاثة” وليس مَن يعتَرض، فهذا يعني أَنْ ليس للدولة رأْسٌ واحدٌ يُقرِّر متشاورًا مع أَركان الحُكْم، فتتعدَّد رُؤُوس الدولة وتَقوى الزبائنية فيها وتتناسل الـمحسوبيات ويتعطَّل القرار الذي لا يعودُ يَصدر إِلَّا بـــ”ديموقراطية توافقية” تُراضي وتُراعي وتُساير وتُشاور، وعندها يتعثَّر إِصدار القرار الحاسم الحازم، وتَـميع لحظةُ القرار حتى التفتُّتِ والتفكُّك، ويستمرُّ الإِعلام في تسمية “الرؤَساء الثلاثة” الذين يَـجمع بينهم التشاوُر بينما هو في الحقيقة التزاوُر من خلف الأَكتاف.
هل في العالم دولةٌ ذاتُ “ثلاثة رؤَساء”، ولو اصطلاحًا للدلالة على أَصحاب السلطات الإِجرائية والتنفيذية والتشريعية؟
إِنَّ دولةً ليس فيها خطٌّ ثابتٌ لـنظامها وحُكْمها وحوكمتها وحُكْمِــيَّــتها أَيًّا يكُن رأْسُ الدولة وأَركانُها في أَيِّ ولايةٍ جديدة، هي دولةٌ فاشلةٌ مهدَّدة بسقوطها بين كثرة الرؤُوس والرُؤَساء، تتصدَّع بـخلافات ساستها الذين يَستغرقون عشرين جلسة وزارية لوضع موازنة سنوية، حتى إِذا دخلَتْ إِلى الجلسات التشريعية عادَت فاستغرَقَت جلسَاتٍ تلفزيونيةً مطَّاطةً في مهرجان انتخابي سياسي تَتَفَتَّتُ بسببه ركائزُ الدولة فيما كاميرات التلفزيون مشغولةٌ بالنقْل الـمُباشِر لـموسم الحكي الـمتواصل تَـحت قُــبَّـة الـﭙـرلُـمَان.

• هنري زغيب شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: email@henrizoghaib.com أو متابعته على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى