إقتراحٌ ميِّت قبل ولادته قد يُوَلِّد أزمة تُشعِل المنطقة؟

يُجمع أهل الخبرة في سياسة الشرق الأوسط أنه إذا قبلت الولايات المتحدة بضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، من ضمن “صفقة القرن”، فإن ذلك يُمكن أن يُنهي جهود واشنطن للسلام ويقضي عليها ويجعلها غير ذات صلة.

جاريد كوشنر” تغيير النوذج

بقلم جايك واليس*

إن حلّ الكنيست الإسرائيلي في 29 أيار (مايو) الفائت وقرار إجراء إنتخابات جديدة في أيلول (سبتمبر) المُقبل سيُعقّد بالتأكيد جهود السلام لإدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط. في الوقت الحالي، يبدو أن الإدارة الأميركية مُلتَزمة بعقد “الورشة الاقتصادية” التي أعلنت عنها سابقاً في البحرين في أواخر حزيران (يونيو) الجاري، ولكن بعد ذلك يصعب رؤية كيف يُمكنها المضي قُدُماً. من غير المنطقي كشف النقاب عن خطة سلام خلال حملة إنتخابية إسرائيلية، وبمجرد إنشاء حكومة إسرائيلية جديدة، ستكون الحملة الإنتخابية الأميركية جارية. لذا ستجد الإدارة صعوبة في متابعة جهودها في ظل هذه الظروف.
بالنظر إلى المعارضة الفلسطينية الشديدة لنهج الرئيس دونالد ترامب في “صفقة القرن”، فإن التطورات الأخيرة في إسرائيل ربما أنقذت الإدارة من حرج كبير. يشعر المرء بأنها قد تكون باتت تفهم فعلياً أنها كانت تسير في طريق صعب وتحتاج إلى مخرج. ويبدو أن المهندس الرئيسي للخطة، جاريد كوشنر، إعترف بهذا في أيار (مايو)، حيث قال أمام تجمّع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “[إذا] كنا سنفشل، لا نريد أن نفشل في القيام بذلك بالطريقة نفسها التي كانت تجري فيها الأمور سابقاً”. قد يكون كوشنر وفريقه وجدا الآن عذراً لتأجيل خطتهما إلى أجل غير مسمى.
ومع ذلك، قررت الإدارة متابعة جهودها، ومن المحتمل أن تواجه قراراً مُهمّاً آخر بشأن مسألة الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية. هل ستستخدم حكومة إسرائيلية جديدة معارضة الفلسطينيين لجهود السلام التي تبذلها إدارة ترامب كذريعة للضم؟ هل ستؤيد الولايات المتحدة هذه الخطوة؟ إذا كان الأمر كذلك، يُمكن أن تؤدي هذه القرارات إلى حلقة من الإجراءات وردود الفعل التي من شأنها أن تزيد من زعزعة إستقرار الوضع الراهن الهشّ أصلاً.
لا يُمكن التنبؤ بالسياسة الإسرائيلية، كما يتضح من عدم قدرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تشكيل حكومة. ومع ذلك، من غير المرجح أن تتقلّص ضغوط الأحزاب اليمينية لضم الضفة الغربية بأكملها أو جزء منها. لقد أعلن نتنياهو بالفعل خلال الإنتخابات الماضية بأنه يدعم توسيع نطاق القانون الإسرائيلي ليشمل المستوطنات. لكن الفلسطينيين ينظرون إلى أي خطوة من هذا القبيل على أنها خرق مادي لإعلان مبادئ أوسلو، ومن المؤكد أنهم سيتفاعلون رداً بغضب. من المحتمل أن تترتب على ذلك دوامة هبوطية أخرى من الأحداث، مما يؤدي إلى مزيد من كشف الوضع السيىء على الأرض.
يُمكن أن يتبع دوامة كهذه عدد من الأحداث. ويشمل ذلك وقف التعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية في الضفة الغربية، وتزايد هجمات “الذئب المنفرد” ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية أو القدس، وجولة أخرى من القتال في غزة بين “حماس” والجيش الإسرائيلي، وبالتالي، في نهاية المطاف، إنهيار السلطة الفلسطينية.
وبحسب بعض التقارير فقد حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي إيزينكوت، الممثل الخاص لترامب، جيسون غرينبلات من المخاطر: “يُمكن أن تندلع أحداث في الضفة الغربية قبل أو أثناء أو بعد تقديم خطة السلام الخاصة بكم، ويجب عليكم إضافة هذا إلى حساباتكم. بمجرد أن يخرج هذا الجني من القمقم، سيستغرق الأمر خمس سنوات لإعادته إليه”.
ومما يزيد الوضع المتقلب هو التوتر في الشرق الأوسط الأوسع.. إن العقوبات الأميركية تزيد الضغط على النظام في إيران، الذي يبحث عن طرق للرد. يُمكن لطهران استخدام وكيلها في غزة، منظمة “الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، لشن هجمات ضد إسرائيل، وجرّ حركة “حماس” إلى حرب أخرى. في حين أن القيادة الفلسطينية في رام الله لا تريد أي دور في مثل هذا القتال، فمن الممكن تماماً أن ينتشر القتال في غزة ويتمدد إلى الضفة الغربية، مدفوعاً بدعواتٍ للدفاع عن حقوق الفلسطينيين رداً على تحركات الضم. ويبدو أن جميع مكوّنات العاصفة المثالية مُهَيَّأة في مكانها الصحيح.
إذا كانت إدارة ترامب ترغب في تجنب تأجيج الموقف، فيجب أن يكون مسار عملها الأول هو تعليق خطة لا يريد أي مسؤول أو شخص في المنطقة رؤيتها حقاً. ربما سيحدث هذا بعد فشل ورشة البحرين في تحقيق أي تقدم حقيقي في الجوانب الإقتصادية للخطة، وبعدما تُجري إسرائيل إنتخابات أخرى. لكن الضغط من أجل الضم داخل إسرائيل سيستمر، وسيكون موقف الولايات المتحدة تجاه هذه الخطوة مُهماً جداً. ولمنع المزيد من التدهور في الموقف، تحتاج واشنطن إلى تبنّي واتخاذ موقف حازم بشأن هذه المسألة مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة، مُعارضةً أي خطوات لتغيير الوضع القانوني لأي جزء من الضفة الغربية.
قد تميل الولايات المتحدة لإيجاد حلّ وسط مع الإسرائيليين، بالموافقة على ضم محدود أو “تمديد للقانون الإسرائيلي” إلى مستوطنة أو إثنتين يعتقد معظم الإسرائيليين أنها ستصبح جزءاً من إسرائيل في أي صفقة مستقبلية مع الفلسطينيين. وقد تُفكّر في تقديم دعمها لضمٍّ محدود في مقابل وعدٍ بعدم اتخاذ المزيد من الإجراءات الإسرائيلية خلال فترة زمنية مُتَّفق عليها. ولكن هذا سيكون خطيراً جداً. حتى الضم المحدود من شأنه أن يضع إسرائيل على منحدر زلق يصعب الهروب منه. سيكون رد الفعل الفلسطيني على الضم قاسياً مهما كان شكله. لقد ساعد قبول أميركي مماثل على التوسع الاستيطاني على مدار العقود في خلق وضع شبه مستحيل موجود اليوم في الضفة الغربية. من شبه المؤكد أن اتباع المسار عينه في ضم المستوطنات سيؤدي إلى القضاء على أي فرص مستقبلية للسلام.
من غير المحتمل أن تأخذ إدارة ترامب، التي تدعم مواقف إسرائيل اليمينية، بهذه النصيحة. لكن يجب أن تفكر مرتين إذا كانت، كما تقول، مُلتَزمة حقاً بالسلام والإزدهار في المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين. كما أشار آخرون أيضاً إلى إن الهدف الأساسي للإدارة في التعامل مع هذا النزاع يهدف على الأرجح إلى إعادة تحديد المرجع لجهود السلام في المستقبل بدلاً من التوصل إلى اتفاق في المدى القريب. في تصريحاته التي ألقاها في 2 أيار (مايو) الفائت، وصف كوشنر الخطة بأنها “تغيير النموذج ووضع شيء ما يدفع الطرفين إلى النظر بجدية في الحقائق ومحاولة اختيار طريق يسمح لشعبيهما أن يكونا أفضل حالاً في المدى الطويل”.
إذا سمحت إدارة ترامب لإسرائيل بضم الضفة الغربية أو جزء منها، فإن دوامة الهبوط التالية ستقضي على احتمال أن يظل أي جانب من جوانب عملها على السلام في الشرق الأوسط ذا صلة في المستقبل. يجب أن يكون هذا سبباً كافياً للتصرّف والتحرك بحذر.

• جايك واليس هو زميل كبير غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنغي للسلام الدولي، حيث يركز على القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية وتونس ومكافحة الإرهاب.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى