هل تكون قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض بداية النهاية لأزمة قطر؟

بعض المتفائلين يبنون على تصريحات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإيجابية الأخيرة وبتوقعون أن تكون قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض مناسبة لإنهاء أزمة قطر، ولكن هناك الكثير من العقبات التي ينبغي إجتيازها قبل الوصول إلى أي تقدم.

منظمة “أوبك”: إنسحاب قطر منها كان ضربة ضد السعودية

بقلم جيورجيو كافييرو*

في خطابه أمام مجلس الشورى في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، أعرب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن أسفه لأن النزاع المستمر بين قطر وأعضاء مجلس التعاون الخليجي لم يتم حلّه بعد. ومع ذلك، فقد أكد الأمير لمجلس الشورى أن “الأزمات ستمضي” حتى لو أن “التاريخ يُعلّمنا أنه … إذا تم التعامل مع الأزمات بشكل سيىء، فإن هذا قد يترك آثاراُ تدوم لفترة طويلة”. إن قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة في الرياض، المقرر عقدها في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، سوف تضع هذا الأمر على المحك وتُقدّم فرصة لجلب الأطراف المتنازعة إلى الطاولة، لكن في الوقت الراهن، لا يزال من غير الواضح ما هي النتيجة التي ستخرج من الإجتماع.
الأزمة الديبلوماسية في دول مجلس التعاون الخليجي التي دامت 18 شهراً هي الأحدث والأكثر حدة في سلسلة من النزاعات بين قطر ودول ما يسمى بـ “الرباعية لمكافحة الإرهاب”: البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بدرجات متفاوتة، رأى أعضاء “الرباعية” روابط قطر مع الجماعات الإسلامية (تحديداً جماعة “الإخوان المسلمين”)، والعلاقات مع إيران وتركيا، والثقافة الإعلامية الليبرالية، واستضافة المعارضين والمنفيين العرب كتهديد لمصالحها الخاصة. تعتبر هذه الأنظمة أن قطر كدولة صغيرة “تلكم أكثر من وزنها”، وتتصرّف بشكل غير مسؤول، وأظهرت تجاهلها للمصالح الجماعية لدول مجلس التعاون الخليجي، ليس فقط تجاه قوى الإسلام السياسي، بل أيضاً صعود إيران الإقليمي.
وبينما كانت هناك توترات بين قطر وجاراتها في الخليج العربي منذ فترة طويلة، فإن الخلاف الحالي لم يسبق له مثيل من حيث الأضرار التي ألحقها بعلاقات الدوحة مع دول “الرباعية”، التي صعّدت الوضع من خلال فرض حصار، وشنّ حرب إعلامية في وسائل الإعلام وعبر جماعات الضغط، وحتى التفكير في عمل عسكري. وبرفضها المصالحة مع الدوحة إلى أن تقبل القيادة القطرية بقائمة من 13 طلباً التي قال عنها وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون إنه سيكون “من الصعب للغاية” على قطر أن تقبلها، فإنه من المرجح أن تكون دول “الرباعية” فقدت إمكانية إستعادة ثقة القطريين في المستقبل المنظور.
في هذا المنعطف، ومع بقاء مجلس التعاون الخليجي مشلولاً، تتطلع القيادة القطرية وتستعد إلى مستقبل ما بعد مجلس التعاون الخليجي. إن الآثار المترتبة على الإنقسام الدائم بين قطر و”الرباعية” بالنسبة إلى النظام الإقليمي ستكون سلبية، على كل من قطر ودول الخليج العربي الأخرى. وسيؤدي ذلك إلى ضياع الفرص لملكيات شبه الجزيرة العربية لتعميق التنسيق وزيادة تعزيز أمنها وقدرتها على تنويع إقتصاداتها بنجاح في التحضير لعصر ما بعد النفط.
تختلف وجهات النظر حول الأزمة في دول مجلس التعاون الخليجي. بالنسبة إلى حكام الكويت، الذين وقفوا طوال التاريخ الحديث مع التضامن الخليجي العربي والحلول الديبلوماسية للصراعات الإقليمية، فإنه أمر مزعج للغاية. منذ اندلاع النزاع الحالي في العام 2017، كان المسؤولون الكويتيون يقودون جهوداً نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة. وعلى الرغم من فشل جميع الجهود الديبلوماسية حتى الآن، إلّا أن القيادة الكويتية لا تزال متفائلة، حتى أن نائب وزير خارجيتها، خالد الجارالله، ذهب إلى حد القول إن قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض في كانون الأول (ديسمبر) يُمكن أن تساعد على وضع نهاية للأزمة في الأفق.
لكن الزعماء السعوديين والإماراتيين أوضحوا أنهم لا يعطون الأولوية لحل النزاع. في السعودية والإمارات، الرواية الرسمية هي أن أزمة قطر ليست قضية رئيسية. يعتقد المسؤولون في الرياض وأبو ظبي أن بلديهما يُمكن أن يعيشان بشكل مريح مع الحصار المؤسسي على قطر، وأنه حتى إذا فشل حصار الدوحة في تحقيق أهدافه السياسية، فإن أفعالهم كانت مُبرَّرة والإستجابة متناسبة.
إذا قام الزعماء السعوديون والإماراتيون بتغيير رأيهم، فسيجدون أنه كان من الأسهل إشعال الصراع من إنهائه، وسيستغرق الأمر بذل جهود كبيرة لاستعادة الثقة بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي واستعادة دور الكتلة والصلة في شؤون الشرق الأوسط والشؤون العالمية. علاوة على ذلك، كلما طال النزاع، زادت التكلفة السياسية بالنسبة إلى الرياض وأبو ظبي إذا أنهيا الحصار من دون الحصول على تنازلات كبيرة من الدوحة.
وعلى الرغم من هذه النظرة القاتمة، فقد فسّر المحللون خطاباً أخيراً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كعلامة على أن نزاع الخليج قد يهدأ. وفي حديث له خلال “مبادرة مستقبل الإستثمار” في المملكة العربية السعودية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، قال كلاماً إيجابياً مفاجئاً حول أداء الإقتصاد القطري. وقد تعرّضت علاقات الرياض مع واشنطن والعواصم الأوروبية لضغط غير مسبوق في الآونة الأخيرة، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أوائل تشرين الأول (أكتوبر). بالنسبة إلى المستثمرين الغربيين، فإن المخاطر السياسية والتكاليف الأخلاقية المترتبة على أن تكون قريباً من القيادة السعودية ستزداد نتيجة لقضية خاشقجي، وهذا قد يزيد من صعوبة حصول المملكة العربية السعودية على استثمارات غربية في المستقبل القريب. وبما أن المسؤولين في الرياض ملتزمون بنجاح خطة التنمية الإقتصادية لرؤية 2030، فقد يدفع ذلك القيادة السعودية إلى النظر في إصلاح علاقاتها السيئة مع الدوحة لجذب الأموال القطرية إلى المملكة.
كما مارست الولايات المتحدة وتركيا ضغوطاً على السعودية لإنهاء حصار الدوحة. فمن جهته، يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى تعزيز وحدة العرب السنّة في مواجهة الصعود الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كلٌّ من قطر ودول الخليج العربية التي تحاصر الدوحة هي على خط المواجهة في النضال ضد التوسع الإيراني. من وجهة نظر البيت الأبيض، قوّض نزاع دول مجلس التعاون الخليجي بشدة خطط واشنطن لمواجهة طهران. وبينما تسعى المملكة العربية السعودية إلى نزع فتيل المشاكل في علاقاتها مع واشنطن في أعقاب قضية خاشقجي، فإن رفع – أو على الأقل تخفيف – الحصار المفروض على قطر قد يكون خياراً جيداً.
أما بالنسبة إلى تركيا، فإن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تُسرّب السلطات التركية المزيد من الأدلة حول قضية خاشقجي، وأن المصالحة مع قطر يمكن أن تكون جزءاً من صفقة كبيرة مع أنقرة. وخوفاً من عزم تركيا على إضعاف الأمير محمد بن سلمان، الذي هو على خلاف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عدد من القضايا الرئيسية ومنافس للقيادة الإقليمية، قد يتطلع السعوديون إلى تقديم تنازلات لأنقرة على مسائل أخرى للحد من خططها لزيادة الاستفادة من عملية القتل. بالنظر إلى أن أردوغان سعى في البداية إلى جلب قطر و”الرباعية” نحو تسوية ديبلوماسية بعد فترة وجيزة من إندلاع أزمة الخليج في العام الماضي، وضمان إنهاء، أو على الأقل تخفيف، الحصار على قطر قد يُعتبَر ذلك إنجازاً سياسيا كبيراُ للرئيس التركي.
لكن، ما إذا كانت هذه العوامل كافية لتحفيز الرياض لإصلاح علاقاتها مع الدوحة وتشجيع دول “الرباعية” الأخرى على أن تحذو حذوها فهو أمر يتطلب الإنتظار لمعرفته. للأسف، إن القومية والفخر والعاطفة – والطبيعة الشخصية للنزاع – جعلت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي مريرة والمصالحة صعبة.
أمام ضغوط دولية وإدانة واسعة النطاق، يواجه ولي العهد السعودي الصاعد حديثاً أزمة غير مسبوقة. خوفاً من الكيفية التي يُمكن بها للبعض في المملكة، وفي البلدان المتحالفة مع السعودية، إعتباره ضعفاً إذا تراجعت الرياض عن مطالبها تجاه قطر، فقد يعتقد ولي العهد أن الوقت الحالي ليس مناسباً لتقديم أي تنازلات حقيقية إلى الدوحة. حتى رفع الحصار جزئياً – أو القيام بمبادرة ديبلوماسية – سيكون أمراً صعباً للغاية على القيادة في الرياض أن تفعل ذلك بينما تريد إنقاذ ماء الوجه.
وفي الوقت نفسه، يرى القطريون رفضهم تلبية أي من طلبات “الرباعية” الثلاثة عشر كمسألة فخر وطني، إعتقاداً منهم بأن الهدف النهائي ل”الرباعية” هو تجريد قطر من سيادتها.
الواقع أن قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة في الرياض هذا الشهر تُقدّم فرصة لتحقيق تقدم في تخفيف أو حل الأزمة. وبينما يعتزم ممثل قطري الحضور، فإن هذا وحده لا يضمن التقدم. بعد كل شيء، إجتمع ممثلو الدول الست الأعضاء في الكويت في العام 2017 في القمة السنوية الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي، وكانت النتيجة غير مشجعة: لقد انهار الاجتماع في غضون ساعات، ولم يحضره سوى إثنين من ملوك ورؤساء دول مجلس التعاون الخليجي – من الكويت وقطر. ليس من الواضح مدى اختلاف قمة 2018. إن دعوة ملك السعودية التي وجهت إلى أمير قطر، وأعلنت عنها وكالة الأنباء القطرية في 4 كانون الأول (ديسمبر)، تُثير إحتمال حضور أمير دولة قطر. إذا فعل ذلك، فإن ذلك سيكون نقطة تحول رئيسية في أزمة الخليج لأن الشيخ تميم لم تطأ قدماه الأرض السعودية منذ بدء الحصار في حزيران (يونيو) 2017. ومع ذلك، فسيتم تفسير الأمر أيضاً على أنه بادرة مصالحة تجاه بلد جار سعى في السابق للإطاحة به، ونتيجة لذلك من المشكوك فيه أن الشيخ تميم سيحضر القمة.
خروج قطر من منظمة “أوبك”، إعتباراً من الأول من كانون الثاني (يناير) 2019، والذي تم الإعلان عنه قبل يوم واحد من إستلام الأمير دعوة من الملك، يضيف طبقة جديدة من التوتر للعلاقات السعودية – القطرية. بالنسبة إلى القيادة السعودية، يُنظر إلى القرار على أنه صفعة للرياض. على الرغم من أن الأثر الاقتصادي لانسحابها سيكون ضئيلاً – حيث تمثل قطر 2 في المئة فقط من إنتاج أوبك من النفط – فسيكون له تأثير رمزي سلبي على المملكة العربية السعودية. وقد يؤدي إعلان قطر قبيل اجتماع أوبك في فيينا إلى الإضرار بمفهوم الكارتل ككتلة موحدة ، كما أنه يثير مسألة ما إذا كان الأعضاء الأصغر والأقل نفوذاً سيأخذون بعين الاعتبار إتباعها وحذو حذوها.
وعلى أية حال، فإن قرار الإمارة بإلإنسحاب من مؤسسة متعددة الجنسيات بقيادة سعودية والتي كانت عضواً فيها منذ العام 1961 يبرهن على ديناميكية جديدة في المنطقة حيث ترفض الدوحة اللعب بموجب قواعد الرياض والمشاركة في المنظمات التي تقودها السعودية. تقوم قطر بتطوير سياستها الخارجية وإقامة تحالفات خارج نطاق نفوذ المملكة العربية السعودية، والتي تساعد مؤسسات مثل أوبك على الحفاظ عليها. على الرغم من أنه من غير الواضح كيف سيؤثر خروج قطر من مجموعة منتجي النفط على الكارتل نفسه، إلا أن القرار يسلط الضوء فقط على قلة الأرضية المشتركة بين الرياض والدوحة في الإستعداد لقمة هذا الشهر.
أما بالنسبة إلى القمة نفسها، فإن أربعة أسئلة رئيسية ستُحدد ما إذا كان يُمكن أن يساعد في تمهيد الطريق أمام قطر و “الرباعية” لإعادة العلاقات الديبلوماسية وإعادة فتح التجارة قبل الحصار. أولاً، ما هو مستوى التمثيل لدول مجلس التعاون الخليجي الست في القمة؟ ثانياً، هل ستتم مناقشة حصار قطر؟ ثالثاً، إلى متى سيستمر الإجتماع؟ رابعاً، كيف سيتفاعل المسؤولون القطريون مع نظرائهم من البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟
وإلى أن تجتمع دول مجلس التعاون الخليجي هذا الشهر وتُعرَف الإجابات عن هذه الأسئلة، من الصعب معرفة ما إذا كان التفاؤل بشأن حل الأزمة مُبرَّراً. على الرغم من أن القمة في الرياض ستجلب دول مجلس التعاون الخليجي إلى الطاولة وتتيح لها فرصة للتغلب على خلافها الديبلوماسي، فمن السابق لأوانه أن نتوقع أن يضمن الإجتماع وحده حلاً سريعاً لهذا النزاع المشحون.

• جيورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي ومؤسس “غولف ستايت أناليتيكس” (Gulf State Analytics)، وهي شركة إستشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية في واشنطن العاصمة. تشمل إهتماماته البحثية الإتجاهات الجيوسياسية والأمنية في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط الأوسع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى