إحياء منطقة التجارة الحرة الأردنية – السورية في 2019؟

رجح مدير عام شركة المنطقة الحرة الأردنية السورية المشتركة، خالد الرحاحلة، عودة العمل داخل المنطقة مطلع العام المقبل على أبعد تقدير بعد توقف دام أكثر من ثلاث سنوات. وقال: “إن الشركة تنتظر الحصول على موافقات للسماح لها بدخول المنطقة الحرة من أجل المباشرة في إجراءات تقييم وحصر الأضرار التي لحقت بها ووضع الخطط اللازمة التي تضمن إعادة إحيائها”.

الملك عبدالله الثاني: التوفيق بين قرار الجامعة العربية ومطالب الإقتصاد الأردني بالنسبة إلى سوريا؟

عمان – ليلى الشامي

في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، أعاد الأردن فتح معبر نصيب-جابر الحدودي مع سوريا. كان المعبر سابقاً يمثل حلّأً تجارياً مهماً للشركات العاملة في التجارة الإقليمية، لكن الأردن أغلق العمليات فيه بعد أن استولى عليه المتمردون السوريون في العام 2015. ونتيجة لذلك، إنخفض النشاط التجاري في منطقة التجارة الحرة المجاورة. وبعدما كانت سابقاً مركزاً تجارياً صاخباً، أصبحت هذه المنطقة الحرة موقعاً للنهب للتنظيم السلفي “جبهة النصرة” وملجأً قصير الأجل للسوريين النازحين بسبب الهجمات العسكرية. إن إعادة فتح الحدود الأردنية – السورية يتيح الفرصة لإحياء منطقة التجارة الحرة وتجهيز البيئة المحيطة للتحديات السياسية والإقتصادية والإنسانية الجديدة في المنطقة.
أعيد فتح حدود نصيب-جابر، المعروفة ب”الرئة الشمالية” للأردن، عقب استيلاء الحكومة السورية على المنطقة في تموز (يوليو) 2018. قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية، كان المعبر يُسهّل التدفقات التجارية بين سوريا وتركيا ولبنان من الشمال وبين الأردن ومصر والخليج من الجنوب. ما يقرب من 17٪ من إجمالي صادرات الأردن، أو حوالي 270 مليون دولار، مرت عبر حدود نصيب قبل العام 2011. وقد قامت المنطقة الحرة، التي تأسست في منتصف سبعينات القرن الفائت، بتسهيل التجارة والإستثمارات بين الدول، بمعالجة سلع ترانزيت بقيمة 1.5 مليار دولار كل عام في فترة الذروة وتشغيل ما يقرب من 4,000 شخص من السوريين والأردنيين.
هناك سياسة مثيرة للنزاع تكمن خلف إعادة الديناميكية للأنشطة التجارية في المنطقة الحرة على الحدود الأردنية – السورية. في العام 2011، كان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أول زعيم عربي يدعو الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي في وجه الإحتجاجات الشعبية والسماح “بمرحلة جديدة من الحياة السياسية السورية”. جامعة الدول العربية، التي كان الأردن عضواً مؤسساً فيها، قاطعت الحكومة السورية منذ بداية الحرب. إن استئناف التعاون الحدودي بين الأردن وسوريا يفترض تطبيع العلاقات المتوترة سابقاً، وقد يواجه الأردن إنتقادات لسعيه إلى مبادرات للتنمية الاقتصادية تُعطي الشرعية للحكومة السورية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تنشيط طرق التجارة التجارية تتحدّى السياسات الأميركية والأوروبية القائمة منذ زمن طويل، والتي تُثني ولا تشجع على إقامة علاقات إقتصادية مع سوريا إلى أن يتنحّى الأسد.
التركيز على منطقة التجارة الحرة باعتبارها حجر الزاوية للمبادرات المتعلقة بالحدود يمكنه أن يُبرز إهتمام الأردن بتنمية القطاع الخاص وليس الإنخراط السياسي مع نظام الأسد. وهذا يتطلب نقل المسؤولية لإدارة وتشغيل المنطقة إلى الجهات الفاعلة في القطاع الخاص. وستزيد الروابط القوية بين الشركات التجارية على جانبي الحدود من عدد أصحاب المصلحة المستثمرين في الحفاظ على أمن المنطقة وسلامتها التجارية. هناك أمثلة إقليمية على المناطق التجارية الحرة التي يمكن أن تكون بمثابة نموذج لتحفيز التنمية الإقتصادية وسط بيئات سياسية متوترة. فعلى سبيل المثال، عززت المناطق الصناعية المؤهلة العلاقات التجارية بين رجال الأعمال الإسرائيليين والمصريين والأردنيين على الرغم من فترات العلاقات المتوترة على المستوى الحكومي.
كما يمكن أن تساعد منطقة تجارة حرة نشيطة في نصيب على تخفيض الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي تُعيق تدفّق البضائع عبر الحدود. وقد زادت الحكومة السورية بشكل كبير التعريفات الجمركية لاستغلال التجارة المتجددة؛ الرسوم الجمركية على الشاحنات الكبيرة زادت من سعر قياسي يبلغ 10 دولارات إلى 62 دولاراً. وبررت الزيادة الضخمة باعتبارها إستثماراً في المصالح الوطنية لسوريا – وبالتحديد البنية التحتية المتضررة. إن إرتفاع الرسوم الجمركية ليس في مصلحة الحكومات، حيث من المرجح أن تشجع على التهريب، ولا تساعد على العمليات التجارية للمتداولين السوريين والأردنيين واللبنانيين. من جهته يحصل الأردن على 0.15 في المئة فقط من عائداته السنوية من الرسوم الجمركية والحدود، وبالتالي فإن المملكة لن تخسر عائدات كبيرة من خلال ضمان الحد الأدنى من التعريفات على الحدود.
كما يمكن أن تُساعد منطقة التجارة الحرة ذات التخطيط الجيد على تخفيف الضغوط الإقتصادية في المناطق الحدودية الشمالية في الأردن، والتي تأثرت بشكل غير متناسب بانخفاض النمو وزيادة البطالة. تستضيف محافظة المفرق، حيث يوجد معبر نصيب-جابر الحدودي، أكثر من 288,000 لاجئ سوري – وهم يشكلون 88 في المئة من السكان المحليين. لقد أدى توقف التجارة عبر الحدود وتدفق اللاجئين إلى توتر الإقتصاد. في شباط (فبراير) 2018، سجلت المفرق معدل بطالة 21.7 في المئة، أي ثلاثة في المئة أعلى من المعدل المتوسط في الأردن. وبناءً على أرقام التوظيف السابقة، من المتوقع أن يؤدي إعادة فتح المنطقة الحرة إلى خلق الآلاف من فرص العمل لعمال المصانع، وموظفي شركات النقل، وأصحاب المتاجر.
وبفضل سياسات وشراكات فاعلة، يُمكن لمنطقة التجارة الحرة أن تدعم الوكالات الإنسانية بشكل أفضل من طريق إنشاء نقطة دخول فعالة إلى سوريا ومركز تنسيق لجهود تحقيق الإستقرار وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. وقد إقترح إثنان من أساتذة جامعة أكسفورد البريطانية فكرة تقول بأن المناطق الإقتصادية الخاصة في الأردن يُمكن أن تسمح لصانعي السياسة بتقديم مساعدة عالية الجودة للاجئين السوريين وفي الوقت عينه تحقيق أهداف التنمية الصناعية الأردنية. وركّز إنتقاد هذا الإقتراح على الإعتقاد بأن الحكومات والمنظمات الدولية قد فشلت في التوفيق بين تعقيدات سوق العمل الأردنية واحتياجات اللاجئين السوريين. لا شك أن منطقة التجارة الحرة ليست دواء لكل المشاكل الإنسانية. ومع ذلك، هناك فرصة لإشراك الوكالات الإنسانية كجهات معنية، واعتماد سياسات تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية. ويُمكن للمدينة الدولية للخدمات الإنسانية، وهي منطقة حرة تقع في دبي، مشاركة الخبرات والمساعدة على بناء شراكات جديدة.
يجب أن يكون الأردن حذراً من موارده المالية المتاحة. تلقت البلاد أخيراً حزم مساعدات بقيمة 6 مليارات دولار من الولايات المتحدة – لتوزيعها على مدار السنوات الخمس المقبلة – بالإضافة إلى 2.5 ملياري دولار من دول الخليج لإعادة بناء بنيته التحتية وتمويل مبادرات إنمائية جديدة مطلوبة لتحقيق الإستقرار في اقتصاده المتوتر. يُتيح إعادة فتح معبر نصيب-جابر الحدودي فرصة للإستثمار في مبادرة هادفة يُمكن أن تساعد على معالجة التحديات السياسية والإقتصادية والإنسانية الملحة التي تواجه الأردن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى