ما نفُع نظافة بيوتنا إِذا شوارعُنا وشواطئُنا قذرة؟

بقلم هنري زغيب*

منذ انطلقت من أَستونيا قبل عشْر سنواتٍ حملةُ “اليوم العالـميّ للتنظيف”، وهي تشهد كلَّ عامٍ نحو 150 دولةً في العالـم نُزولَ متطوِّعين ومتطوّعاتٍ إِلى شوارع بلدانهم وشواطئها وغاباتها، بأَلبسةٍ رياضية وقفَّازات وكـمَّامات، يَلمُّون النفايات من كل نوع، يضعونها في أَكياس، ويحملونها إلى التدوير أَو الحاويات والمستوعِبات.
لبنان أَيضًا شارك في هذه الحملة بِتَطوُّع شبانٍ وصبايا من جمعيات مدنية وأُخرى غير حكومية وأَفراد، انتشروا على معظم شواطئِنا يرفعُون عنها رعونةَ مواطنين بلا ذوق ولا أَخلاق ولا إِحساس بالـمسؤُولية، رمَوا نفاياتهم الورقية أَو الـﭙـلاستيكية أَو الغذائية على الرمل أَو الصخور، تركوها تَتَعَفَّنُ وَتَتَهَرَّأُ وتَسيح في مياه بحرنا فَتُفْسدُها وتلوِّثُها وتؤْذيها، وانصرفوا هاشِّين باشِّين بكل رعونة وصفاقة.
طبعًا ليس الحال في حاجةٍ إِلى يومٍ محدَّدٍ للقيام بالتنظيف، فلِكُل يومٍ نفاياته خصوصًا على شواطئنا. ومَن يَـمشي مثلًا على كورنيش المنارة يرى على الصخور والطحالب تحت الكورنيش أَكوامَ نُفايات تسبح بين الصخور، أَو تتجمَّد طعامًا للطيور، رماها مشاةٌ ومتنزِّهون زاولوا هوايةَ المشي أَو الركض، أَو قرفَ الأَراكيل، أَو فَلشوا بُسُط الطعام على رصيف الكورنيش، ثم رموا زبائل قَرفِهم إِلى موج البحر.
أَفهم أَن تُـخصِّصَ البلدية طاقم عمَّالٍ دوريًّا لتنظيف الكورنيش وما تحتَه. وأَفهم أَن الدولة مقصِّرة في الحفاظ على البيئة بعدم زَجْرها المخالفين وتكبيدِهم عقوباتٍ قاسيةً على رعونتهم. ولكن ماذا تفعل الدولة والبلدية حين المواطن ذاتُه ليس نظيفَ النوايا والسلوك والمواطنية؟
المستوعِبات والحاويات منتشرةٌ في كل مكان من الشوارع ونواصي الطرقات، وإِن لم يلتزمْ كلُّ مواطنٍ بِرَمْيِ نُفاياته فيها، ما الذي تستطيعُهُ البلديةُ أَو الدولة؟ هل تضَع لكلِّ مواطنٍ شرطيًّا يردعه عن رمي قذاراته في الطريق أَو على الشاطئ، أَو حين يرميها من السيارة حول المستوعِبات فتبقى على جانب الطريق تحت المستوعِب أَو قربه؟
نلوم الدولة على التقصير، ونُـمارس النَقَّ كلَّ يومٍ على دولةٍ “جسْمها لَــبِّــيـس” لكثرة مثَالبها وتقصيراتها وغيابها في مواضعَ ومواقعَ لا تُحصى، ولكنَّ على المواطن واجبَ أَن يرتدِعَ ذاتيًّا، ويتمتَّعَ بالتوعية الكافية لـيرْدَعَ أَفرادَ أُسرته أَو عائلته عن رمي القذارات والنُفايات والقناني والعلب والأَنابيب والزجاجات كيفا اتفَق وأَينما اتفَق. الطريقُ مُلْك المواطن كما بيتُه وشرفتُه، وهي ليست للدولة كي يملأَها نُفاياتٍ وقذارة.
كلُّ مواطن مسؤُول. وكما الـمُواطنُ في الدول الـمُتحضرة يرتدع ذاتيًّا عن مُـخالفة قانون السير ورمي الزبائل في الطريق وعلى الشاطئ، لأَن عقوبةَ ذلك موجعةٌ حتى التوقيف أَحيانًا وربما السجن، كذا فَلْيَرْتَدِعِ المواطن اللبناني عن هذه “الْـهَرقة” البشعة وهذه العادة القبيحة بأَن يراعي النظافة في بيته فقط، حتى إِذا خرج لا تعودُ تَعنيه نظافةُ الطريق والبلدة والمدينة والشاطئ.
وعبثًا تسُنُّ الدولةُ قوانينَ وشرائعَ وأَنظمة، إِن لم تُطَبِّقْها بصرامةٍ وحسمٍ وحزمٍ وعزمٍ على مواطنين بلا ذوقٍ بلا أَخلاق بلا حسّ بالمسؤُولية. المواطنية الواعية: أَن يعتبرَ المواطنُ كلَّ شبرٍ من أَرض وطنِه بيتَه وأَرضَه. الدولُ لا تتنَظَّمُ بالعقوبات فقط، بل بشعورٍ مواطنيٍّ جَـماعيٍّ من مواطنين يعتبرون أَن الدولة ليست غريبةً عنهم ولا عدوَّتَهم ولا هي دولةُ بلدٍ آخر، بل أَن المواطنين هُمُ الدولة وحرّاسُها، إِلَّا… حين هذه الدولةُ تترك كرومَها سائبةً، ثم تُـحاسب الناسَ على غياب النواطير.

• هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى