الـمُؤْمن عبدالناصر يُفْحِم إِيديولوجيا الـمُلْحِد جان ﭘـول سـارتـر

بقلم هنري زغيب *

في 9 آذار (مارس) 1967 كان رئيس قويٌّ يستقبل اثنَين من أَقوى أَعلام الستينات. الرئيس هو جمال عبد الناصر، والضيفان هما جان ﭘــول سارتر وسيمونّ دوبوﭬـوار.
رئيسٌ مؤْمنٌ يقود شعبه إِلى ظروفٍ يراها أَفضل، وفيلسوفٌ مُلحدٌ ماركسيٌّ مؤُسسُ “الوجودية الـمُلْحِدة”، ومعه مُريدَتُه الـمؤْمنة به وبأَفكاره وتكتبُ عنها وتدعمُها.
حاول سارتر إِحراجَ عبدالناصر بسؤَاله عن تعدُّد الزوجات في الإِسلام فعاجَلَهُ الرئيس: “لا أَرى الإِسلام يتركها رخصة مفتوحة بلا ضوابط، بل قَــيَّدَها بشروطٍ تَجعل التعدُّد صعبًا بل شبهَ مستحيل، بدليل أَن ظاهرة تعدُّد الزوجات تتلاشى تدريجًّا في المجتمع المصري”.
وحاولت دوبوﭬـوار إِحراجه بدرجة الأُمِّيَّة في صفوف المرأَة المصرية، فبادرَها الرئيس: “سأَطلب من مكتبي تزويدَكِ بإحصاءاتٍ عن عدد البنات في مراحل التعلُّم ومَـجالات العمل. في مدارسنا وجامعاتنا اليوم أَكثر من مليون فتاة، وفي قطاعات العمل نحو مليونَـي سيِّدة. أَعرف أَنَّ على منابر المساجد مشايخَ يقولون كلامًا آخَر لكن كلامَهم غيرُ مُؤَثِّـر لأَن نهر التطوُّر أَقوى من كُلِّ ما يقولون”.
وأَثار سارتر ظاهرةَ تزايُد السكان الـمتسارع وضرورة قيام الدولة بِـحَملة توعيةٍ لتنظيم الأُسرة فهدَّأَه الرئيس: “بَل الحلُّ في زيادة الإِنتاج باستصلاح الأَراضي والتصنيع وتسهيل التعلُّم وهو العنصر الأَهم. في إِحصاءَاتنا أَنَّ أَبناء المتعلِّمين أَقلُّ من أَبناء غير المتعلِّمين. المتعلِّم يُنظِّم حياته على أَساس موارِدِه، وغيرُ المتعلِّم يَترك المسائل للمصادفات”.
ودافع الضَيفان عن إِسرائيل مستغربَين أَن يضعها الرئيس في مستوى الإستعمار البريطاني، ما يُعقِّد الحل، فحسَم الرئيس: “بل إِسرائيل تُعقِّد الحل. لا يُمكن لـمُغتصبين أَن يَنْقَضُّوا على بلدٍ ويأْخُذوه لهم ويُـحوِّلوا سكَّانه الأَصليين مواطنين من الدرجة الثانية. التعقيدُ هو اغتصابُ الحقوق العربية في فلسطين. يتصوَّر البعض أَنَّ في الشعب الفلسطيني مَن اعتادوا ضَياع وطنهم وأَنه سيَمُوت مع الوقت. لكنَّ في فلسطين وخارجها جيلًا عظيمًا سيَظهر، رافضًا الضَياع والـمَهانة، وسيقاومُ ليحصلَ على حقوقه الإِنسانية أَوَّلًا ثم الوطنية”.
وقبل أَن يدافع الضَيفان أَكثر، واصل الرئيس: “التعقيد الأَبرز هو في علاقة إِسرائيل بالولايات المتحدة التي تَدعمها بصورةٍ مُطْلَقة، ما قد يُؤَدّي إِلى الحرب لحاجةِ إِسرائيل إِلى التوَسُّع، ولو بالقوة، لاستقبال اليهود الـمُنتظرين أَن يَستوطنوها”.
وقارع الرئيسُ ضَيفَيْه بكلامٍ مُوَثَّقٍ عن الحزب الشيوعي المصري واليسار الإِسرائيلي الـمُدَّعي الدفاعَ عن الشعب الفلسطيني.
خرجَ الضَيفان ولم يُفْحِما الرئيس القويّ بإِيديولوجياهُما وحُجَجِهما التنظيرية عن “السلام”. كان حوارُه مُوَثَّقًا مدعومًا بوقائع لم يتوقَّعاها. خالاه أَقلَّ شخصيةً وأَكثر ديماغوجيةً، فَكان مُـحاورًا مُطَّلِعًا عميقًا رصينًا واعيًا مشاكلَ شعبِه وبلادِه.
بعد ثلاثة أَشهرٍ من ذاك اللقاء وقعَت حرب حزيران (يونيو) 1967. وقامَت في ﭘـاريس تظاهراتٌ في الشوارع مُؤَيدةً “حقَّ إِسرائيلَ بسلام العيش في وَطَن”.
وكان على رأْس الـمتظاهرين: جان ﭘــول سارتر وسيمونّ دوبوﭬـوار.

• هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى