هنيئًا لــمَن له “قُنّ دجاج” في لبنان

بقلم هنري زغيب*

كأَنما لا يكفينا تكرارُ تظاهُراتٍ واعتصاماتٍ أَمام مبنى “مؤَسسة كهرباء لبنان”، يقومُ بها موظَّفون دائِمُون، أَو عُمَّالٌ مياوِمُون غِبَّ الطلب، أَو جباةُ إِكراء، وتهديداتٌ بالـموت إحتراقًا، تَـنجُم عنها زحمةُ سيرٍ تُضاف إِلى جلجلة السير اليومية…
كأَنما ليس يكفينا أَن يَـجْلُدَنا قراصنةُ المولِّدات الذين “تَــنْحَـرُّ” فواتيرهم أَعلى من إرتفاع الحَر صيفًا لأَنّ “كهرباء الدولة” خربانة في خمسة فصول السنة، والـمعنيِّــين الأَشاوسَ يتقاذفون المسؤُولية بين الوزارة والمؤَسسة ومسؤُولين من كل صنفٍ ونوعٍ وقطاع…
كأَنما لا تكفينا أَخبارُ الجبايات المنقوصة، ومناطِقَ لا تَدفع فواتيرَها، وأُخرى “يزدهر” فيها التعليقُ على الخطوط العامة ولا مَن يسأَل ولا مَن يُـحاسِب، لأَنَّ وراءَ كل حيطٍ حيطًا أَكبر، ووراء الأَكبر سورًا لا تطاله الـمُحاسَبَة لأَنه داعمٌ مَـحاسيبَ، ومُـحَصِّنٌ أَزلامًا، يَـجعَلُهم أَعلى من الشبُهات والمراقبات والمحاسبات…
كأَنما لا تكفينا الأَخبارُ اليوميةُ عن الجدَل العقيم حول استِــئْــجار بواخرَ موَقَّتةٍ للشبكة العائِمة، وإِنشاءِ معاملَ ثابتةٍ لإِنتاج الطاقة الـميغاواتـية، عدا مِقصلةٍ يوميةٍ تنهال على رقابنا من سياسيين ومسؤُولين وخبراء، مُـتَـوتِّــرين مُـوَتِّــرين شبْهِ موتورين في تقاذُفِ حقيقةٍ داخت بين بيانات وتصريحات وتغريدات “تويتْرية” تزيد توتير الأَجواء وترفع من تَوَتُّرها العالي…
كأَنما لا تكفينا جميعُ هذه المهازل والمآسي حتى تَطْلع علينا أَخبارٌ مدعومةٌ بالصُوَر عن وجود فقَّاسة دجاج وطيور وأَقفاص في حَرَم “مؤَسسة كهرباء لبنان”، تُنتِج للوطن أَجيالًا من الصيصان وطيور الفِرّي موفورِي الصحة والعافية، في مهزلةٍ سخيفةٍ لا يَفُوق سخافتَها إِلَّا تبريرُ “مؤَسسة كهرباء لبنان” بأَن “الأَقفاص مَـخفية” و”لا يُلاحظها الموظفون”، وبأَنها “لا تُكَبِّدُ المؤَسسةَ أَيَّ خسائرَ ماديةٍ” وبأَن هذا “عمَلٌ فَرديّ”.
طبعًا نُصدِّق أَنه “عملٌ فرديٌّ” لأَنه لا يحتاج إِلى قرارٍ بالإِجماع من مجلس الإِدارة، وطبعًا “لا يكَـبِّد المؤَسسةَ أَيَّ خسائرَ” لأَنه لا يحتاج إِلَّا لبضْع لَـمباتٍ صغيرةٍ مصروفُها خفيفٌ لا تُرهق وزارة الطاقة الـمُرهقَةَ أَصلًا بِـما فيها ومَن فيها.
لكنَّ الذي ليس من الـــ”طبعًا” في شيْء، أَنْ تَـهْنأَ هذه الأَقفاص في مرتَعها، وتُواصلَ رسالتَها الوطنيةَ الشريفةَ بتكثير النسل الدَوَاجِني ولا مَن يسأَل ولا مَن يحاسبُ كيف يحصَل هذا في مؤَسسةٍ عامة، في مرفقٍ رسمي كان يُمكن أَن يستولد بَعدُ للوطن أَجيالًا مباركةً من الصيصان والفِرِّي لولا فضيحةُ الصُوَر التي عمَّت لبنان والمهجر. وإِذا كانت هذه الأَخبارُ كاذبةً والصوَرُ ملفَّقَةً ومُرَكَّبَةً (كما تطالعنا غالبًا وسائطُ التواصل بتلفيقاتٍ وإِشاعات)، فَلْتُشَرِّف المؤَسسةُ وتُكَذِّبْ وتَفْضَحْ حتى تُصدِّقَ قلوبُنا الطيِّبةُ الساذجةُ أَنَّ ما يشاع غيرُ ما يُذاع، وما يُذاع غيرُ ما يشاع.
نُريدُ أَن نَفهم.
نُريدُ أَن نعرف مَن يَـحْكُمُ ماذا.
نُريدُ أَن نعي مَنْ مسؤولٌ عَن ماذا.
نُريدُ أَن نتأَكَّدَ أَننا لسنا في “جمهورية الموز” ولا في أَدغال أَفريقيا.
نُريدُ أَن نُصَدِّقَ أَننا أَبناءُ وطنٍ فيه مسؤُولونَ جاؤُوا لأَنهم جديرون بالمسؤُولية لا لأَنهم تَفقيسُ محاصصاتٍ سياسية وحزبية وطائِفية.
نُريدُ أَن نَشعُر بأَننا في دولةٍ لَـها هَــيْــبَةٌ أَدناها التَشَبُّه بدولة العراق التي عَـزَلَت وزيرَ الطاقة لِــتَــلكُّــؤِه عن معالجة إنقطاع الكهرباء المتكَرِّر.
نُريدُ أَن نكونَ مواطنينَ لا قُطعانًا، وبَشَرًا لا صيصانًا. نُريدُ أَن نعيشَ في بلدٍ مُـحصَّنٍ بالأَمان لا في أَقفاص لتفقيس الطيور والصيصان.
إِنّ مُؤَسَّسةً رسميةً عامةً تَغْفُلُ عن التَنَبُّه إِلى ما يَـجْري في حَرَمِها، لا يُرجى منها أَن تَــتَــنَــبَّــهَ إِلى تقْنينٍ يَنْحَرُ كلَّ يومٍ رقبةَ اللبنانيين.

• هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو الإطلاع على إنتاجه على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى