كيف يتنامى التحالف بين مصر وإسرائيل ويؤثر في عملية السلام الفلسطينية

سوف تكون للتعاون المطّرد بين مصر وإسرائيل تداعيات مباشرة على قدرة القاهرة في أداء دورها التقليدي كوسيط في عملية السلام الفلسطينية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس: تلزمه معجزة لإنشاء دولة فلسطينية

بقلم ماجد مندور*

في 19 شباط (فبراير) الفائت، أعلنت شركة “دولفينوس القابضة” المصرية الخاصة عن إبرام إتفاق لإستيراد غاز طبيعي بقيمة 15 مليار دولار من إسرائيل لفترة عشرة أعوام. وكانت بذلك من الشركات الأولى التي أفادت من قانون جديد لتنظيم سوق الغاز الطبيعي أُقِرّ في آب (أغسطس) 2017، وأنهى إحتكار الدولة لتخزين الغاز الطبيعي وتجارته من طريق إستخدام الشبكة الوطنية، وذلك في إطار سلسلة من الإصلاحات التي هدفت إلى معالجة النقص المستمر في الغاز الطبيعي الذي تعاني منه مصر. وعلى الرغم من إنتشار شائعات بأنه قد يُعاد تصدير الغاز المستورَد إلى أوروبا بغية زيادة إحتياطات العملات الأجنبية بدلاً من تخزين الغاز، إلّا أن إتفاق الإستيراد من إسرائيل يؤشّر أيضاً إلى روابط إقتصادية ناشئة بين الدولتَين المتجاورتَين. لذا من المتوقع أن تكون للعلاقات المصرية المتغيِّرة مع إسرائيل تداعيات مباشرة على قدرة القاهرة في أداء دورها التقليدي كوسيط في عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية.
الواقع أن هذا الإتفاق ليس الأول من نوعه بين مصر وإسرائيل. فقد سبق أن إنهار إتفاق لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل – وُقِّع في العام 2005 عندما كانت مصر تنتج كميات أكبر من الغاز الطبيعي وكان الطلب الداخلي أكثر انخفاضاً – في العام 2012 في خضم أزمة الطاقة المصرية، وبعد العديد من الهجمات التي شنّها المتمرّدون على خط أنابيب التصدير في سيناء. وفي أيار (مايو) 2017، فرضت محكمة تحكيم سويسرية على مصر تسديد غرامات مالية قدرها ثلاثة مليارات دولار إلى تل أبيب بسبب وقف هذه الصادرات. وتفيد المعلومات بأن جهاز المخابرات العامة المصرية قد أدّى دوراً مباشراً في إنشاء الشركات التي إستُخدِمت في التصدير إلى إسرائيل بموجب إتفاق الغاز في العام 2005، وهذا أدّى بدوره إلى إنتشار التكهنات بأن شركة “دولفينوس القابضة”، التي وقّعت إتفاق الغاز الجديد، مرتبطة أيضاً بالأجهزة الأمنية – لا سيما على ضوء التوسّع الإقتصادي الواسع النطاق للجيش في الأعوام القليلة الماضية. كذلك، زار وفدٌ تجاري إسرائيلي القاهرة في نيسان (أبريل) 2016 لأول مرة منذ عشر سنين من أجل مناقشة توسيع مُحتمل لإتفاقية المنطقة الصناعية المؤهلة التي وُقِّعت في كانون الأول (ديسمبر) 2004. وعلى الرغم من أنه لم يتم تحديث الاتفاق، إلّا أن الزيارة شكّلت مؤشّراً إضافياً إلى الروابط الإقتصادية المُحتملة بين البلدَين.
في الأعوام الأخيرة، تعزّز أيضاً التعاون الأمني المصري مع إسرائيل. فقد شنّت الطائرت الإسرائيلية، كما أُفيد، أكثر من مئة غارة جوية في سيناء منذ تموز (يوليو) 2015 دعماً للجهود المصرية الآيلة إلى التصدّي للتمرّد الإسلامي الجهادي المُتنامي في شبه الجزيرة. ورغم أن الجيش المصري ينفي موافقته على هذه الهجمات، فإن مسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع الإسرائيلية أكّد في كانون الثاني (يناير) 2017 أن هناك تعاوناً وثيقاً مع مصر في سيناء، بما فيها الموافقة الإسرائيلية السريعة على طلبات الجيش المصري على تعزيز قواته هناك – وهو إجراء يتطلب الحصول على موافقة إسرائيلية بموجب إتفاقات كامب ديفيد، وهو أمر كانت الدولة العبرية تتعامل معه بحذر في السابق. فضلاً عن ذلك، أفرجت الولايات المتحدة، في نيسان (أبريل) 2014، تحت تأثير الضغوط الإسرائيلية من جملة أمور أخرى، عن عشر مروحيات “أباشي” كانت إمتنعت عن تسليمها إلى مصر بعد تعليق المساعدات العسكرية على إثر إنقلاب 2013، معلِّلةً قرارها بالحاجة إلى الحفاظ على الأمن المصري والإسرائيلي على السواء.
كذلك يعكس الموقف المصري من قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس تنامي الروابط السياسية بين القاهرة وتل أبيب. فعلى الرغم من أن مصر وضعت مسودّة قرار مجلس الأمن الدولي الذي يُدين الخطوة الأميركية، والذي أسقطته واشنطن بإستخدام حق النقض (الفيتو)، إلا أن تسجيلات صوتية مُسَرَّبة كشفت أن عنصراً في جهاز المخابرات العامة أعطى تعليماته إلى عدد من مقدّمي البرامج التلفزيونية من أجل حشد الدعم الشعبي لقرار نقل السفارة، وإقناع مشاهديهم بأنه على الفلسطينيين القبول برام الله عاصمةً لهم في المستقبل. علاوةً على ذلك، تضغط مصر بغية إستئناف عملية السلام. فقد ناشد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة ألقاها في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2017، الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء الإفادة من فرصة “تاريخية” لصنع السلام. وجاء ذلك بعدما كان أعلن في أيار (مايو) 2016 عن دعمه للجهود الفرنسية الهادفة إلى إعادة إحياء عملية السلام، مُبدياً إستعداده للقيام بكل ما يلزم من أجل إنجاح المباحثات، كما أنه تعهّد ببناء علاقات “أكثر دفئاً” مع إسرائيل في حال تمّت تسوية المسألة الفلسطينية – وقد بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الترحيب علناً بهذا الموقف. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس”، عقدَ السيسي ونتنياهو واسحق هرتسوغ (رئيس الاتحاد الصهيوني وزعيم المعارضة في الكنيست)، إجتماعاً سرّياً في القاهرة في شباط (فبراير) 2016 لمناقشة المساعي الهادفة إلى إطلاق محادثات السلام من جديد، بما في ذلك إمكانية تشكيل حكومة إسرائيلية إئتلافية قادرة على صنع السلام.
لا شك أن التعاون الأمني المتنامي بين البلدَين – وإمكانية مساهمة إتفاق الغاز في توسيع الروابط الإقتصادية بينهما – يُسبّب تقويض دور الوساطة الذي إضطلعت به مصر تقليدياً. تُضاف إلى ذلك إعادة الإصطفاف الأوسع في المنطقة، لا سيما تحوُّل السعودية نحو النظر إلى إسرائيل كحليفة مُحتملة في معركتها ضد إيران. لقد عمدت السعودية وإسرائيل إلى زيادة التعاون العسكري بينهما لمحاربة الإرهاب، وفق ما ورد على لسان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) المنتهية ولايته ليصبح وزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، في كانون الأول (ديسمبر) 2017. كذلك أبدت الرياض إهتماماً بشراء أسلحة إسرائيلية، لا سيما دبابات ومنظومات دفاعية صاروخية. لقد أدّى هذا التحوّل، جزئياً، إلى فصل العلاقات السعودية-المصرية-الإسرائيلية عن المسألة الفلسطينية، ما أتاح للدولتين العربيتين السعي إلى توطيد علاقاتهما مع إسرائيل. بيد أن الإحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، والخشية المصرية والسعودية من رد فعل الرأي العام، يحولان دون قيام تعاون أوثق بين البلدان الثلاثة، بما في ذلك التطبيع المُحتمل للعلاقات بين السعودية وإسرائيل. وهكذا فإن الرغبة في تحقيق هذا التعاون تجعل تسوية المسألة الفلسطينية أكثر إلحاحاً.
على ضوء هذه الظروف والمعطيات الإقليمية، يتراجع الإحتمال بأن تلقى المسألة الفلسطينية حلاً يُلبّي الحد الأدنى من تطلعات الفلسطينيين. على سبيل المثال، وبموجب خطة سعودية مُسرَّبة قائمة على حل الدولتَين قدّمها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى محمود عباس خلال إجتماع في الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، يتخلّى الفلسطينيون عن القدس الشرقية كعاصمة لدولتهم المستقبلية، ولا يُسمَح للاجئين والمتحدّرين منهم بالعودة، ويتم الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتكون أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية غير متجاورة، مع سيادة محدودة. وهذه شروط من شبه المستحيل أن توافق أي قيادة فلسطينية عليها.
إن قَلقَ النظام المصري المسكون بهاجس البقاء هو الذي يُملي في شكل أساسي السياسة الخارجية المصرية في الوقت الراهن. وهكذا، فقد أصبح الهدف الأساسي للسياسة الخارجية المصرية الحصول على حلفاء يمكنهم المساعدة على التخلص من الاضطرابات الداخلية المُحتملة، أو على دعم النظام. وقد ساهمت كلٌّ من السعودية، من طريق المساعدات المالية والإستثمارات، وإسرائيل، من خلال التعاون الأمني والمساعي الضاغطة على واشنطن، في مساعدة السيسي على تعزيز مكانته. بيد أن التحوّل في أهداف السياسة الخارجية المصرية أجهز فعلياً على قدرة البلاد لتأدية دور الوساطة في أي عملية سلام مُحتملة، ما يزيد الأوضاع سوءاً بالنسبة إلى الفلسطينيين.

• ماجد مندور محلل سياسي وكاتب عمود على موقع “أوبن ديموقراسي” (Open Democracy). لمتابعته عبر تويتر: MagedMandour@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى