لبنان لا ينبغي أن يشتعل بسبب النيران المتقاطعة بين “حزب الله” ومُنتَقديه

بقلم رئيف عمرو

مرة تلو الأخرى، إتُّهِمَت الدولة اللبنانية “بعدم القيام بما فيه الكفاية” لإحتواء “حزب الله”. بالنسبة إلى المنتقدين الذين يُدركون أن هناك القليل يُمكن القيام به ضد حزبٍ مُسلّحٍ تسليحاً جيداً تدعمه إيران وحلفاؤها، فإن نصيحتهم فظّة: أوقفوا كل المساعدات إلى لبنان لأنه مؤيد لإيران.
هذه المجموعة من المواقف كانت مرئية ومسموعة من كل الحكومات في الخليج ومن بعض المسؤولين الأميركيين المُقرَّبين من إسرائيل، الذين يدعون إلى خفض جميع المساعدات العسكرية للجيش اللبناني. وفي تغريدة موجزة على حسابه على تويتر في الأسبوع الماضي، وضع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هذا المنطق بإيجاز: “لبنان = حزب الله. حزب الله = إيران. إيران = لبنان. إيران خطرة على العالم”.
ولكن ما هي الخيارات المُتاحة أمام اللبنانيين، أو على الأقل غالبية اللبنانيين، الذين لا يؤيدون أجندة “حزب الله” في المنطقة ولا يوافقون على فرض معاركه الإقليمية على لبنان؟
الواقع أن المنتقدين ليس لديهم حلٌّ مُقنع. إذا كان الرد بأن يقوم الجيش اللبناني بمحاربة “حزب الله”، فإن النتيجة ستكون بسيطة جداً: حرب أهلية، وإنقسام مُحتمَل في الجيش، حيث أن العديد من الضباط والجنود الشيعة يعارضون العمليات التي تستهدف مجتمعهم، وجمود عسكري. كما أنه ليس من المرجح أن يتّخذ الجيش قراراً من هذا القبيل، نظراً إلى الطابع المتعدد الطوائف لضباط المؤسسة العسكرية، حيث سيعترض الكثيرون ببساطة على سياسة من المؤكد أنها ستفشل.
وعلى العكس، إذا كانت التوصية بأن يعارض أعداء “حزب الله” الحزب الشيعي في كل منعطف سياسياً، فإن ذلك يعني دفع لبنان بشكل فعال إلى حالة من الجمود السياسي مع إنهيار كل الحكم. إن رفض العمل والمشاركة مع “حزب الله” في الحكومة، أو حتى في البرلمان، على سبيل المثال، سيخلق حالة من الجمود السياسي، في الوقت الذي يكون فيه لبنان بحاجة ماسة إلى إتخاذ تدابير سياسية وإقتصادية لتحسين موارده المالية الهشّة وبناه التحتية الأساسية المتدهورة.
لهذا السبب، في غياب الحلول الجاهزة، فإن طلب الغرباء من اللبنانيين “بذل المزيد” في ما يتعلق ب”حزب ا”لله هو في الحقيقة مجرد وسيلة للتأكيد بأن لبنان لا يستطيع أن يفعل الكثير، وبالتالي، يجب أن تتوقع البلاد أن تتحمل العواقب. وهذا هو الأمر الذي يقود منه معارضو المساعدة العسكرية للجيش. إن إسرائيل ومؤيديها يضعون الأساس لإنتقام جماعي ضد لبنان في حال نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” في المستقبل.
لكن “حزب الله” هو تهديد حقيقي للبنان كدولة. لا يكفي أن نقول ببساطة أنه لا يمكن القيام بأي شيء ضد الحزب وترك الأمور كما هي. في كثير من المجالات، يبدو “حزب الله” أنه مشكلة أسوأ بكثير من وجود منظمة التحرير الفلسطينية قبل الحرب الأهلية في لبنان في العام 1975. يومها أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية دولة داخل الدولة، التي إشتبكت مع الدولة اللبنانية. وقد ساهمت الديناميات الطائفية في إطلاق العنان للصراع الأهلي في ذلك الوقت.
هناك فرق كبير وهو أن “حزب الله”، على خلاف منظمة التحرير الفلسطينية، لبناني الهوية. وعندما غزا الإسرائيليون لبنان في العام 1982، كان بإمكانهم طرد القيادة الفلسطينية من البلاد (وهي عملية كررها الجيش السوري عندما عاد ياسر عرفات إلى شمال لبنان في العام 1983). وليس هناك خيار من هذا القبيل مع “حزب الله” حيث أن بنيته التحتية وقيادته محلّيتان وراسختان في البلد.
إذن، ما هي الخيارات المُتاحة أمام خصوم الحزب، الذين لا يريدون رؤية لبنان يتمزق جراء الصراعات الإقليمية؟ الجواب، ربما، لن يرضي أولئك الذين يفضلون إتخاذ تدابير أكثر جذرية، وهو الصبر.
مع ذلك، فإن الصبر لا يعني البقاء خاملين من دون العمل على حلٍّ ما. بل يعني السعي إلى إقامة تحالف واسع بين القوى السياسية وجماعات المجتمع المدني اللبنانية من أجل الإنفتاح والصراحة والمعارضة المستمرة ضد مشاركة لبنان في التحالفات الإقليمية العدائية. وسوف يسخر البعض لمثل هذا الإقتراح، قائلاً أنه سوف يُقَوَّض من قبل ولاء الطوائف اللبنانية لهذا الفاعل الإقليمي أو ذلك. وسيجيب آخرون بأن مثل هذا التحالف كان موجوداً بين عامي 2005 و 2011، وأن أعماله لم تتمكن إلى حد كبير من منع حزب الله من الإنتشار في سوريا.
مع ذلك، تبقى النقطة الرئيسية التي تكمن في بناء الزخم من أجل رفع التهديدات بالنسبة إلى “حزب الله” ومنعه من الإقدام على مخاطر كبيرة تُعرّض لبنان للخطر. وستكون النتائج غير مُكتمِلة ومتقطعة في أفضل الأحوال، ولكن إذا إتّخذ “حزب الله” إجراءات – مثل الدخول في حرب مع إسرائيل – التي تضر بعمقٍ بلبنان، والشيعة على وجه الخصوص، فإن رفض جدول أعمال الحزب قد ينتشر ويتوسع.
للتأكيد، لا يوجد حلٌّ مثالي. ومع ذلك، فإن إعلان بعبدا لعام 2012 هو نقطة بداية جيدة، فهو وثيقة صدرت من هيئة الحوار الوطني في لبنان حيث تعهدت القوى الموقعة عليها، بما فيها “حزب الله، “بتحاشي سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية”. وربما كان “حزب الله” قد تجاهلها في سوريا، ولكن مع وجود جزء كبير من البلاد يتفق مع هذا الهدف، فإن هناك مجالاً لتحويله إلى حجر الزاوية في تحالف سياسي وطني يكتسب زخماً.
قد لا يكون ذلك كثيراً، ولكن لا توجد خيارات أخرى مهما إدّعى المتقدون أصحاب العضلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى