نهاية الحرب الأهلية في سوريا ما زالت بعيدة المنال

بقلم إبراهيم الأصيل *

دخلت الحرب الأهلية السورية الآن عامها السادس. وعلى مر السنوات الماضية، مرّ الصراع عبر سلسلة من المراحل المتميّزة. وهو يدخل حالياً واحدة جديدة. ومع ذلك، فإن الوضع الراهن، أكثر من أي واحد قبله، يُثير مجموعة من الإستنتاجات الخاطئة.
أول تصوّر خاطئ هو أن الرئيس السوري بشار الأسد قد إنتصر. إن الخريطة العسكرية تُظهِر أن الأسد قد إستعاد سيطرته على مساحات واسعة من سوريا على مدى العامين الماضيين، وذلك بفضل دعم القوات الجوية الروسية كما إلى مساعدة “حزب الله” وغيره من الميليشيات المدعومة من إيران. غير أن أكثر من 40 فى المئة من البلاد ما زال خارج سيطرة النظام، بما فى ذلك المناطق التى تقع فيها معظم حقول النفط. وتشمل المناطق الواقعة خارج سيطرة الأسد معظم شمال سوريا، فضلاً عن محافظة دير الزور في الشرق ودرعا في الجنوب.
من الناحية العسكرية، فإن الأسد لم ينتصر بعد. ما فعله هو منع أي فريق آخر من الإنتصار. وهذا الفارق الدقيق والبسيط مُهمّ، لأن الإنتصار يُعطي الإنطباع بأن الصراع قد إنتهى وأن أحد الطرفين هَزَم تماماً جميع خصومه، تاركاً المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع. ولكن هذا خطأ. ليس هناك منتصر في سوريا حتى يومنا هذا، والقاعدة التي تقول “لا يوجد حلٌّ عسكري للأزمة السورية” لا تزال سارية.
إن الفكرة الثانية الخاطئة هي أن سوريا يُمكن أن تستقر في ظل قيادة الأسد. والواقع أن مؤسسات الدولة السورية هي أضعف من أي وقت مضى. فالجيش السوري قد تقلّص إلى ثلث حجمه، والدولة مُفلسة، والإقتصاد مُدمَّر. قد تكون الحرب الأهلية قد هدأت نوعاً ما، ولكن كل الأسباب الجذرية للكارثة لا تزال موجودة. فالشكاوى من مظالم النظام قد زادت مع مرور الوقت. وإذا تُرِكت هذه المشاكل من دون معالجة، فإن الصراع سيندلع مرة أخرى ما لم تتحقق تسوية سياسية كاملة.
وهذا يقودني إلى التصوّر الخاطئ الثالث – أي الفكرة القائلة بأن إرسال أموال إعادة الإعمار من خلال حكومة الأسد سيفيد الشعب السوري. لقد تم تهميش معظم المناطق التي يسيطر عليها المتمردون من قبل النظام لعقود قبل الثورة. وهذه المناطق هي التي دمّرها النظام بشكل عنيف، والتي جاء منها معظم اللاجئين.
من غير العقلاني أو المنطقي أن نتوقع من الأسد أن يُرسِل أي مساعدات أو أموال إلى المناطق التي قصفها أو حاصرها أو جوَّعها على مدى السنوات الست الماضية. وسيستخدم الأسد أي أموال يتم إرسالها إلى الحكومة السورية لتعزيز مقاتليه وأمراء الحرب، وإطعام ميليشياته شبه العسكرية، والإبقاء على معاقبة المجتمعات غير الموالية. وهذه التصرفات كانت دائماً من أولوياته، وليس هناك ما يدعو المجتمع الدولي إلى الإفتراض بأنها تغيرت.
لهذا السبب، ينبغي إرسال المساعدات إلى سوريا مباشرة إلى المجتمعات المحلية وأولئك المحتاجين إليها. وهذا سيمنع الأسد من إستخدام المساعدات كسلاح، وسيضمن وصول المساعدات فعلياً إلى الأشخاص الذين هم في أشد الحاجة إليها. ويُمكن القيام بذلك من خلال المناطق المُحَرَّرَة من قوات “الدولة الإسلامية”. وسيساعد ذلك على منع “داعش” من العودة، لأنه سيعزز المجتمعات المحلية ويسمح لها بإستعمال الأموال لمعالجة الأسباب الجذرية التي مكّنت الجهاديين المتطرفين من إستغلال وضعهم في البداية. كما أنه يحفز المجتمعات المحلية في سوريا على تبنّي وتولّي طرد كل من تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” من البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي معظم اللاجئين من مناطق لا تزال خارجة عن سيطرة النظام، وتحسين الظروف في تلك المناطق هو السبيل الوحيد لتسهيل عودتهم. ومكافأة الأسد بأموال إعادة الإعمار لن تحقق ذلك؛ وسوف تموّل فقط آليات القمع لديه. يجب ألّا يحصل الأسد على أي شيء إلى أن يُقدّم إصلاحات ملموسة في المقابل، والتي، إذا أخذنا التاريخ كعبرة، فهو أمر مُستبعَد جداً. لذا فإن الإعتماد على حسن نية الأسد لم تكن أبداً إستراتيجية ناجحة.
إن التصور الخاطئ الأخير هو أن الحملة العسكرية تكفي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي حين أن الولايات المتحدة تستطيع قصف مقاتلي “الدولة الإسلامية”، فإنها لا تستطيع قصف وتفجير إيديولوجيته. ومن دون معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى نشوء هذه الحركة الإرهابية، فإن أي “هزيمة” لن تدوم سوى فترة قصيرة. يجب على واشنطن أن تعمل على إعادة الإستقرار والإستثمار في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة كوسيلة لضمان الهزيمة الدائمة ل”داعش”. ومن شأن هذا الدعم أن يمكِّن المجتمعات المحلية من أن تحكم نفسها وأن تُعطي المجتمع المدني الشعبي المجال الذي يحتاجه لمواصلة العمل على التصدي للتطرف الذي ينشره تنظيما “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، لأنهم الأفضل والأقرب لمعرفة سكانهم المحليين.
لقد نشر تنظيم “الدولة الإسلامية” أفكاره في سوريا منذ العام 2013. وبعض الأماكن، مثل مدينة الرقة، خضعت لسيطرة “داعش” الكاملة منذ ما يقرب من أربع سنوات. وسيطرت المجموعة الإرهابية على جميع جوانب المجتمع، بما في ذلك التعليم والمساجد ووسائل الإعلام. وسيتطلب الأمر الكثير من العمل لإلغاء آثار “الدولة الإسلامية” القاسية على المجتمع، ولا يمكن إلا للمجتمع المدني السوري القيام بهذا العمل. لماذا ا؟ لأنه من السكان الأصليين، فهو يفهم الثقافة وله مصداقية محلية. إن المجتمع المدني السوري شريك إستراتيجي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وستكون أميركا حكيمة إذا حافظت على دعمها لمجموعات المجتمع المدني على أرض الواقع بل وزيادته.
إرتكب الأسد مجموعة متنوعة من جرائم الحرب لتحقيق مكاسبه العسكرية، والفظائع التي إرتكبها ويرتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” تتجاوز الخيال. لا يزال مستقبل سوريا قاتماً، ولا تزال المرحلة المقبلة من الحرب غير مؤكدة. ولكن لم يُفقَد كل شيء بعد. يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية مساعدة السوريين على البدء في إعادة بناء مجتمعاتهم بعد دحر تنظيم “الدولة الإسلامية” مع منع الأسد من الإستفادة والربح جراء إنتصاره المُكلِف.

• إبراهيم الأصيل زميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وزميل غير مقيم في مركز أبحاث الشرق في دبي. وهو أيضا عضو مؤسس ل”حركة اللاعنف السورية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى