الصراع السعودي – الإيراني على إفريقيا يؤجج التطرف الطائفي ويهدد بالفتن في القارة السمراء

أصبحت إفريقيا ساحة تنافسية جديدة بين المملكة العربية السعودية وإيران. لقد حوّلت الدولتان تركيزهما على القارة السمراء، حيث طورتا العلاقات مع عدد من الدول الإفريقية على المستويين الإقتصادي والأمني. وفيما يتركز الإهتمام الدولي على الخليج والمشرق العربيين، فإنه غالباً ما يتم تجاهل أهمية إفريقيا في التنافس الإقليمي. من خلال التركيز على القضايا الإستراتيجية الرئيسية الموجودة في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك تشكيل تحالفات في شرق وشمال إفريقيا، فضلاً عن دور الوكلاء الإيديولوجيين في غرب إفريقيا، يقدم هذا البحث تحليلاً شاملاً للدور الذي تلعبه إفريقيا في التنافس بين السعودية العربية وإيران الفارسية. وتدرس تداعيات هذه القضايا أيضاً للتأكيد على آثارها في العلاقات السعودية – الإيرانية، فضلاً عن الإستقرار في إفريقيا.

الرئيس حسن روحاني ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما: علاقات متوازنة

بقلم جيرالد م فيرستين*

يسيطر العداء بين المملكة العربية السعودية وإيران في الخليج العربي وجنوب آسيا والمشرق العربي على الإهتمام الدولي بسبب المنافسة الواسعة النطاق بينهما للسيطرة الإقليمية والسياسية والأمنية والطائفية. ولكن مع وجود ما يقرب من 650 مليون مسلم (53 في المئة من مجموع سكان إفريقيا)، والثروة الطبيعية غير المُستَغلّة، والموقع الإستراتيجي، فإن القارة الإفريقية تُقدّم مكافآت متساوية إن لم تكن أكبر للمتنافِستين الإقليميتين إذا إستطاعتا الحصول على ميزة تنافسية. ومما لا يُثير الدهشة هو أن إفريقيا صارت ساحة أخرى للتنافس السعودي – الإيراني؛ وهو واقعٌ يتّضح من دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عقد قمة سعودية – إفريقية قبل نهاية العام 2017.
لذا، آخذاً في الإعتبار تشكيل تحالفات إستراتيجية في القرن الإفريقي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والمغرب العربي، إلى إستخدام وكلاء إيديولوجيين في غرب إفريقيا، سينظر هذا البحث في مختلف عناصر التنافس الجاري، فضلاً عن تحليل كيفية تشكيل العلاقات السعودية – الإيرانية وإفريقيا والمنطقة الأوسع.

شرق إفريقيا

برز القرن الإفريقي منذ فترة بوصفه المحور الرئيسي للمنافسة السعودية – الإيرانية في القارة السمراء. وقبل التوصل إلى إتفاقٍ مع المجتمع الدولي بشأن الإتفاق النووي في العام 2015، كافحت إيران للخروج من العزلة المفروضة عليها رداً على برامجها للأسلحة النووية. وكان القرن الإفريقي واحداً من المناطق القليلة في العالم التي أتاحت لطهران الفرص لتطوير العلاقات. وبالمثل، فإن العديد من دول المنطقة، التي تعاني تحت وطأة العقوبات الدولية، رحّبت بشغف بصداقة الجمهورية الإسلامية.
وكان أهمّ مكان حققت فيه طهران نجاحات إقليمية هو السودان الذي أثبت أنه حليفٌ حيوي لها لسنوات عديدة. لقد أنشأت الدولتان علاقة تعاونية وثيقة بين جيشيهما ومخابراتهما. وأصبح السودان نقطة شحن رئيسية لإعادة توريد الأسلحة الإيرانية إلى الشركاء والحلفاء في قطاع غزة ولبنان، وخصوصاً حركة “حماس” و”حزب الله”.
كما ثبت أن إريتريا والصومال كانتا شريكتين متعاطفتين مع إيران، حيث أصبحت الأولى حليفةً رئيسيةً في المنطقة. وكان إستخدام الموانئ الإريترية من قبل البحرية الإيرانية من الأصول الإستراتيجية البارزة لإيران لأنها وفّرت لها موطئ قدم في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن موقف بحري قوي في الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية. منذ العام 2015، إستخدم الإيرانيون الوصول إلى الصومال كبوابة رئيسية لتهريب الأسلحة والإمدادات إلى المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون ضد الحكومة اليمنية المدعومة من الرياض.
بالنسبة إلى إيران، إذا تمكّنت من الحفاظ على هذه العلاقات، فإن الوصول إلى إريتريا والصومال، إلى جانب السيطرة على الساحل اليمني للبحر الأحمر من خلال الحوثيين، سيعزز قدرتها لتهديد الشحن الدولي في باب المندب. ومنذ فترة طويلة كان الوصول إلى القدرة على تحدّي التجارة الدولية التي تمر عبر المضيقين الإستراتيجيين في المنطقة – باب المندب ومضيق هرمز – هدفاً إستراتيجياً رئيسياً للإيرانيين، لأنه يوفّر لهم رادعاً كبيراً ضد الضغوط الخارجية. وكان الإهتمام الإيراني بإثبات القدرة على تحدّي الشحن البحري في البحر الأحمر واضحاً في العام 2016، عندما شنّت هجمات عدة من الجانب اليمني من باب المندب على سفن بحرية تابعة للولايات المتحدة وقوات التحالف.
مُعترفةً بالخطر الذي يهدد مصالحها إذا إستطاعت الجمهورية الإسلامية إقامة موطئ قدم في القرن، فقد إستثمرت المملكة العربية السعودية بكثافة في الجهود الرامية إلى مكافحة النفوذ الإيراني. وقد تمثّل أبرز نجاح سعودي في قطع علاقات السودان مع إيران. في العام 2014، طرد السودانيون الديبلوماسيين الإيرانيين، مُتّهمينهم بنشر الإسلام الشيعي من خلال مراكزهم الثقافية. وأعلنت الخرطوم في الوقت نفسه أنها إنضمت إلى المعسكر السعودي. وإلى جانب الحوافز المالية، إستخدم السعوديون نفوذهم الديبلوماسي لإغراء التحوّل السوداني، وتعهّدوا بمساعدة السودان على الخروج من عزلته الديبلوماسية. وكجزء من هذا الجهد، قادت الرياض حملة للتغلب على قرار إتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني عمر البشير بتهمة إرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور. وفي الآونة الأخيرة، واجه السعوديون بعض النقد عندما دعوا البشير إلى حضور المؤتمر العربي والإسلامي – مع الرئيس دونالد ترامب في الرياض في أيار (مايو) الفائت، على الرغم من أن البشير قرر في نهاية المطاف عدم الحضور، ويُفترض أن يكون ذلك نتيجة للضغط الأميركي.
وإذا وضعنا المبادرات الديبلوماسية جانباً، فمن الواضح أن النفوذ الإقتصادي الأكبر للمملكة العربية السعودية، إلى جانب موقعها كزعيمة للعالم الإسلامي السنّي، مكّناها من النجاح في مُنافَستها مع إيران للتأثير في السودان. في العام 2016، أودع السعوديون مليار دولار في البنك المركزي السوداني، ومن المفترض أن يكون ذلك مكافأة بعد قرار الخرطوم قطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية نتيجة للهجوم على السفارة السعودية في طهران. وإستخدم السعوديون أيضاً قوتهم الإقتصادية لتعزيز علاقاتهم الثنائية مع جيبوتي والصومال وإريتريا، وكلها قطعت علاقاتها مع إيران.
وفي حين كان تأثير إيران التقليدي في القرن الإفريقي يشكّل تهديداً للمملكة العربية السعودية ومصالحها، فإن التحركات الأخيرة لزيادة الإنخراط السعودي في المنطقة سمحت للمملكة بتوسيع “حزامها الأمني”. ولا شك أن إنشاء قواعد ومراكز عسكرية عدة أخيراً من قبل المملكة العربية السعودية وحليفتها الخليجية الرئيسية الإمارات العربية المتحدة في القرن الأفريقي، منح السعوديين منصة إنطلاق للقضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي كانون الثاني (يناير) 2017، وافقت السعودية وجيبوتي رسمياً على بناء قاعدة عسكرية في الدولة الشرق إفريقية. ومع نجاح دولة الإمارات بإقامة قواعد ومراكز عسكرية في أراضي الصومال، فضلاً عن القاعدة العسكرية التي تشترك في تشغيلها في “عصاب” بإريتريا، فإن المملكة العربية السعودية وحليفتها الخليجية، نجحتا في إبعاد النفوذ الإيراني من المنطقة.
وبعيداً من المكوّن الأمني، تعكس المشاركة السعودية والإماراتية في القرن الأفريقي إهتمامهما بحماية الوصول إلى الإمدادات الغذائية. غير قادرة على توفير إحتياجاتها الغذائية محلياً، وتعتمد بشكل غير مريح على الواردات الغذائية الآتية من مسافات طويلة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي إستثمرت بكثافة في شراء الأراضي للإنتاج الزراعي في شرق إفريقيا. وفي المملكة العربية السعودية، لعبت مبادرة الملك عبد الله للإستثمار الزراعي السعودي في الخارج دوراً رئيسياً في تعزيز الصفقات بين المستثمرين السعوديين وأصحاب الأراضي في إثيوبيا والسودان على وجه الخصوص. ويفترض أن تساعد الملكية الخليجية للأراضي الزراعية في أفريقيا على ضمان إمدادات غذائية موثوقة إلى دول مجلس التعاون الخليجي حيث يواصل عدد سكانها النمو.
ولكنها، من ناحية أخرى، أثارت ردّ فعل عنيفاً داخل إفريقيا مع تزايد المخاوف بشأن ملكية الأجانب للأراضي الزراعية الحيوية. وأشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أنه “مع قيام الحكومات أو الأسواق بتوفير الأراضي لمستثمرين أجانب مُحتمَلين، فإن عمليات إستحواذ الأراضي على نطاق واسع قد تؤدي إلى فقدان السكان المحليين إمكانية الحصول على الموارد التي يعتمدون عليها من أجل أمنهم الغذائي – خصوصاً أن البلدان المتلقية للإستثمار نفسها تواجه تحديات الأمن الغذائي”. وقد بلغ إجمالي الإستثمارات الزراعية الخليجية في إفريقيا أكثر من 30 مليار دولار بين عامي 2004 و2014، وفقاً لغرفة تجارة دبي. (ملحوظة: للإنصاف إن السعوديين والإماراتيين ليسوا وحدهم المشاركين في ما أطلق عليه “الإستيلاء على الأرض”. لقد شاركت الهند والصين وكوريا الجنوبية، من بين دول أخرى، بالمثل في هذه الممارسة).
في الواقع، في حين أن إنخراط المملكة العربية السعودية في القرن الأفريقي قد نجح إلى حد كبير في القضاء على النفوذ الإيراني، إلّا أنه كان مصدراً للخلاف مع حلفاء سعوديين آخرين. قبل التقارب الأخير بين مصر والسعوديين، فقد نظرت القاهرة بشكل متشكك إلى الوجود السعودي المتزايد على الجانب الإفريقي من البحر الأحمر. وعلى وجه الخصوص، غضب المصريون جرّاء زيارةٍ قام بها مستشارٌ كبير للملك سلمان، أحمد الخطيب، لسد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يشكل مصدراً للخلاف الثنائي بين مصر وإثيوبيا، في كانون الاول (ديسمبر) 2016. على الرغم من أن الزيارة كانت تهدف بشكل واضح لعرض المصالح الثنائية السعودية – الإثيوبية في الطاقات المتجددة، فقد فسّر المصريون الزيارة على أنها تدخّل غير مأمون في الفناء الخلفي. وفي الوقت نفسه، أعرب المسؤولون المصريون عن “شكوكهم” في الخطط السعودية لتطوير وجود عسكري في جيبوتي، وأصروا على أن السعوديين ينبغي عليهم الحصول على موافقة مصر قبل المضي قدماً في خططهم.
كما أن توثيق العلاقات مع الرياض والإعتماد المتزايد على الهبات السعودية قد جلبا وسحبا دول شرق إفريقيا بشكل غير مريح إلى وسط الصراعات الداخلية الخليجية. وعلى الرغم من أن الصومال ظلت محايدة في النزاع السعودي -الإماراتي – المصري مع قطر (وبالتالي فهي معرضة لخطر خسارة 80 مليون دولار من السعوديين)، فإن السودان وإريتريا وجيبوتي قد وقفت مع المملكة العربية السعودية وخفضت علاقاتها مع قطر . ونتيجة لقرارها، سحبت قطر مئات عدة من جنودها المشاركين في قوة حفظ السلام على الحدود الإريترية – الجيبوتية حيث تم نشرهم منذ العام 2010 للحفاظ على إتفاق الحدود الذي رعته الدوحة في العام 2008. وعقب الإنسحاب القطري مباشرة، إتهمت جيبوتي الجيش الإريتري بإحتلال أراضٍ في جبال دوميرا المتنازع عليها، مما أدى الى تفاقم التوترات وتدخّل الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي.

غرب إفريقيا

تاريخياً، كان التنافس السعودي – الإيراني في شرق إفريقيا لعبة محصلتها صفر للقوة الإستراتيجية. ولكن في غرب إفريقيا، تلعب الرياض وطهران تنافسهما في المقام الأول على أنه معركة طائفية بين الإسلام السني والشيعي. إن منطقة غرب إفريقيا، وهي منطقة كانت متسامحة بشكل ملحوظ من حيث الحريات الدينية، أصبحت الآن منطقة تشهد توتراً طائفياً متزايداً حيث تُصدّر السعودية وإيران وجهات نظرهما المختلفة حول الإسلام إلى المجتمع الإسلامي الأوسع.
هذا الإنقسام هو أكثر وضوحاً في الدولة الأكثر إكتظاظاً بالسكان، نيجيريا. إن النيجيريين هم في غالبيتهم من المسلمين السنّة. ويرأس البلد الرئيس السني محمد بوهاري، كما تعمل جماعة “بوكو حرام” السنية المتطرفة في البلد. لذلك، واقعةً بين سندان ومطرقة قطبي الطائفة الإسلامية السنية، فإن الأقلية الشيعية في نيجيريا تواجه تهديداً متزايداً. وقد حاولت إيران، في دورها المُعلَن كزعيمة للشيعة، تبرير التدخل في الشؤون الداخلية لنيجيريا على أساس أنها الضامن الشرعي لأمن أتباعها الشيعة. على وجه الخصوص، إستخدمت طهران مقتل أكثر من 300 شيعي من قبل الحكومة النيجيرية خلال مظاهرة في كانون الأول (ديسمبر) 2015 ذريعة لتبرير دعمها المستمر لمجموعة شيعية متطرفة مستوحاة من إيران، “الحركة الإسلامية في نيجيريا”، و زعيمها إبراهام زاكزكي مسجون حالياً. وقد وصفت الحكومة النيجيرية هذه المنظمة بالإرهابية، وقد إستهدفتها كل من “بوكو حرام” وجمعية “إيزالا”، وهي جماعة سنية تدعمها السعودية. وقد دعم الملك سلمان محاولات الحكومة النيجيرية لقمع الحركة، بينما دعا الرئيس حسن روحاني إلى التحقيق في سجن إبراهام زاكزكي والعنف الأخير ضد الطائفة الشيعية النيجيرية.
ويستثمر الطرفان في صراع الوكلاء ويدعمان الجماعات المتنافسة في جميع أنحاء المنطقة من أجل كسب موطئ قدم إيديولوجي وإستراتيجي في المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا. إن التدخل السعودي والإيراني في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية يتبع دورة تشمل: التمويل الأجنبي للمساجد والمدارس الإسلامية الذي يؤدي إلى إرتفاع حدة الطائفية السنية – الشيعية، والذي بدوره يسمح للجانبين بالتدخل، زاعِمَين دعم الطائفة الخاصة بكل منهما. وبينما تبقى نيجيريا البلد الذي يتجلّى فيه التعصّب الديني بشكل متزايد، فإن دولاً أخرى، بما فيها الكاميرون وموريتانيا والسنغال، تجتذب أيضاً صراع الوكلاء الإيديولوجي السعودي – الإيراني.
بالنسبة إلى إيران، فإن هذه المعركة الإيديولوجية في نيجيريا تستوفي وتحقق طموحاً آخر من طموحاتها الإقليمية: إنشاء وكلاء على غرار “حزب الله” في جميع أنحاء إفريقيا. وينظر كل من إيران و”حزب الله” إلى العديد من البلدان الإفريقية التي تعرف ضعفاً في مؤسسات الدولة وحدوداً يسهل إختراقها، كمنصات محتملة يُمكن للجمهورية الإسلامية أن تُهدِّد من خلالها المنطقة الأوسع نطاقاً في حال تزايدت الضغوط في الشرق الأوسط. ولدى “حزب الله” بالفعل موطئ قدم في غرب إفريقيا بسبب وجود كبير للمغتربين اللبنانيين، الذين يستخدمون تجارة الماس والمخدرات للمساعدة على تمويل وتوريد الأسلحة للمجموعة الشيعية في لبنان. كما أن وجود وكيلة أخرى متمثّلة ب”الحركة الإسلامية في نيجيريا” من شأنه أن يساعد على تحصين النفوذ الإيراني في غرب إفريقيا. إن محاولات المملكة العربية السعودية للحدّ من نمو هذه المنظمة الشيعية من خلال دعم الجماعات السنية المُنافِسة مثل جمعية “إيزالا”، فضلاً عن عدم إتخاذ موقف حازم يُدين أعمال “بوكو حرام” عندما تستهدف “الحركة الإسلامية في نيجيريا”، تُسلط الضوء على أهمية نيجيريا بالنسبة إلى المصالح السعودية والإيرانية في غرب إفريقيا.
وهكذا، على النقيض من الهيمنة الواضحة للمملكة العربية السعودية في شرق إفريقيا، تتنافس إيران بفعالية مع منافستها الإقليمية على الجبهة الإيديولوجية في غرب إفريقيا. إن أصول إيران المتمثلة بإبراهام زاكزاكي و”الحركة الإسلامية في نيجيريا” لا تُقدَّر بثمن إذ أنها تُزوّد طهران بالقدرة على تعطيل الدولة السنية الرئيسية في المنطقة، فضلاً عن ضمان إنشاء وتطوير مجموعات قيّمة من الوكلاء. وبما أن السعودية تسعى بطبيعة الحال إلى مكافحة هذا التوسع، فإن التنافس يُعمّق التعصّب الديني والتطرف الإسلامي في منطقة غرب إفريقيا.

شمال أفريقيا (الجزائر)

تُعتَبَر الجزائر هدفاً رئيسياً لإيران في إفريقيا. ومنذ إستئناف العلاقات الديبلوماسية فى العام 2000، أقامت الدولتان علاقات إقتصادية وديبلوماسية قوية. ولأنها كانت من بين الدول القليلة التي عبّرت عن دعمها لبرنامج إيران النووي، فإن الحكومة الإيرانية تنظر إلى الجزائر ك”نقطة انطلاق” حيوية ليس فقط في منطقة المغرب العربي، بل في القارة الأفريقية ككل.
من المتوقع أن تستمر العلاقات الديبلوماسية قوية بين الجزائر وإيران. وفى زيارة دولة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى الجزائر فى حزيران (يونيو) 2017، أكّد الجانبان مُجدَّداً رغبتهما فى زيادة التعاون الإقتصادي والثقافي ومكافحة الإرهاب. علماً أن إنشاء موقع إنتاج في الجزائر لصناعة السيارات الإيرانية “خودرو” في العام 2016 يؤكد على تعزيز هذه العلاقات.
من الناحية الإستراتيجية، إن عدم رغبة الجزائر في إتباع وتأييد قيادة السعودية في الأحداث الجارية في الشرق الأوسط يُعزّز الديبلوماسية الإيرانية. فالجزائر وقفت على الحياد في نزاع السعودية مع قطر، ودعَت إلى الحوار مُردِّدةً بذلك الموقف الإيراني؛ وقد وصف القطريون الموقف الجزائري بأنه “مُشرِّف”. وفي اليمن، على الرغم من محاولات الرياض العديدة لإقناع الجزائر بالإنضمام إلى تحالفها العسكري ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، فقد رفضت الجزائر التدخل. وأخيراً، فإن عدم إنضمام الجزائر إلى التحالف العسكري الإسلامي الذي تُشكّله السعودية (وهو تحالف مُتهّم بالطائفية بسبب عدم إنضمام الدول الشيعية البارزة إليه، بما فيها إيران)، يُسلط الضوء على تصميم الجزائر على الإبتعاد من الهيمنة السعودية المتزايدة على المواقف السياسية والنزاعات في الشرق الأوسط. كما يُحظّر الدستور الجزائري نشر قوات عسكرية جزائرية خارج البلاد.
وترى إيران أن الجزائر، التي تتمتع بقوة إقتصادية وعسكرية في إفريقيا، هي هدف أول لها لضمّها إلى صفّها في التنافس الإقليمي بينها وبين السعودية. وكلما ظلت الجزائر محايدة رسمياً في التنافس، كلما سعت الجمهورية الإسلامية إلى توسيع الروابط القائمة معها. مع ذلك، على عكس فُرَصِها في أماكن أخرى في إفريقيا، فإن لدى إيران خيارات قليلة للتأثير في السياسة الجزائرية. في الواقع، مع هدفها القوي لتوسيع نفوذها ووجودها في إفريقيا، فإن الجزائر من المرجح أن تجد نفسها تتنافس مع إيران في القارة السمراء أكثر من التحالف والمشاركة معها.

إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى

ينطلق التنافس السعودي – الإيراني في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في المقام الأول من خلال سياسات القوة الناعمة، فضلاً عن الوعد بالإستثمارات، لا سيما في حقول النفط والغاز. وتستخدم الدولتان مواردهما الطبيعية الوفيرة للحصول على الحلفاء وتعزيز أهدافهما الإستراتيجية.
وفي معرض إظهار جهودها، فقد رحّبت إيران بإفتتاح سفارة بنين في طهران في حزيران (يونيو) الفائت. كما رحّب روحاني بالسفير الذي وصل حديثاً، وأعلن عن حقبة من التعاون المتزايد بين الدولتين في مختلف الميادين الإقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية. وبالنسبة إلى إيران، فإن حجر الزاوية في وجودها في المنطقة هو علاقاتها التقليدية مع جنوب إفريقيا، والتي تقدمت وتطورت أساساً من خلال بيع النفط والغاز بأسعار رخيصة إلى القوة الإقليمية الإفريقية الرئيسية. (تعود العلاقات بين إيران وجنوب افريقيا الى عهد الشاه عندما كانت ايران واحدة من الدول القليلة من أعضاء أوبك الراغبة فى بيع النفط لدولة الفصل العنصري في إنتهاك لعقوبات الأمم المتحدة). ومن جانبها، وعدت السعودية بتقديم 20 مليون دولار من النفط الرخيص من خلال الصندوق السعودي للتنمية الوطنية لتعزيز العلاقات الثنائية مع زامبيا.
تتطلع إيران إلى إفريقيا جنوب الصحراء ليس فقط للدعم السياسي والديبلوماسي، وإنما أيضاً كمصدرٍ للمواد الخام لبرنامجها النووي. ومن خلال صادرات النفط والغاز بأسعار رخيصة، تضمن طهران المساعدة الديبلوماسية من الدول الافريقية فى الهيئات الدولية الحيوية بما فى ذلك مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتتطلع الجمهورية الإسلامية الى تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية لزيادة الدعم ضد العقوبات الدولية والتدابير المتّخذة ضد البلاد. وعلاوة على ذلك، واصلت إيران علاقاتها الثنائية مع العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى التي تمتلك رواسب اليورانيوم لضمان الإمدادات لبرنامجها النووي. وفي هذا الصدد، نظرت إيران أخيراً في تحسين العلاقات مع ملاوي (ثالث أكبر منتج لليورانيوم في إفريقيا) فضلاً عن ناميبيا، حيث تمتلك إيران حصة قدرها 15 في المئة في منجم يورسينغ لليورانيوم. وفي الوقت الذي عرقلت العقوبات الدولية الكثيفة وصول إيران السهل إلى أسواق اليورانيوم العالمية، فقد تمكنت الجمهورية الإسلامية من تجاوز العقوبات من طريق الإتجار غير المشروع باليورانيوم في إفريقيا جنوب الصحراء بسبب ضعف مستويات البنية التحتية والفساد الواسع الإنتشار.
يبدو أن المملكة العربية السعودية التي لديها أهداف إستراتيجية محدودة في المنطقة، تدفعها أساساً هناك الحاجة إلى مواجهة نفوذ إيران. في السنوات القليلة الماضية، إتخذ السعوديون مبادرات ديبلوماسية عدة للحدّ من وضع إيران في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومن أبرزها أن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما ألغى رحلة إلى طهران وسافر إلى المملكة العربية السعودية بدلاً من ذلك بعد زيارة غير مُعلنة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في العام 2016. وعلاوة على ذلك، بعدما أبرمت البحرية الإيرانية إتفاقاً مع السلطات التنزانية الذي يسمح لسفنها القيام بزيارات منتظمة إلى الموانئ التنزانية، لم يستغرق الأمر سوى أسابيع قبل أن يسافر وزير الخارجية السعودي إلى دودوما ويعلن أن تنزانيا هي الدولة ذات الأولوية للسعودية بالنسبة إلى التجارة والإستثمار في إفريقيا. وعلى هذا النحو، فإن الإستراتيجية الديبلوماسية السعودية في إفريقيا جنوب الصحراء تتطابق مع نهجها في شرق إفريقيا، أي الوعد بإستثمارات مالية كبيرة لجمع الدعم وتحدّي النفوذ الإيراني في المنطقة.

الآثار المترتبة على إفريقيا

بدأت المنافسة السعودية – الإيرانية على النفوذ في إفريقيا منذ سنوات عدة. لكنها شهدت حدة في الأشهر الأخيرة، عاكسةً موقفاً أكثر عدوانية من قبل واشنطن، على الأقل خطابياً، لمواجهة وتحدّي الطموحات الإقليمية الإيرانية، وإعتماد سياسة خارجية أكثر قوة بقيادة الأمير محمد بن سلمان.
على الرغم من أن إيران لا تزال تستخدم الصومال كنقطة شحنٍ لدعم وتهريب الأسلحة والأعتدة للمتمردين الحوثيين في اليمن، فإن النضال من أجل التأثير في شرق إفريقيا قد تقرَّر إلى حد كبير لصالح السعوديين وحلفائهم الخليجيين. وقد أثرت القوة المالية والضغط الديبلوماسي السعودييَن في قرارات دول القرن الأفريقي. وعلى نحو متزايد، حوّل الإيرانيون والسعوديون تركيزهم إلى غرب إفريقيا، حيث يتمتع كل جانب بمزايا. وعلى الرغم من أن السكان المسلمين في غرب إفريقيا هم في الغالب من السنة، وبالتالي يميلون إلى تفضيل السعوديين، يُمكن للجمهورية الإسلامية أن تعتمد على ولاء الجالية اللبنانية الكبيرة في المنطقة، التي هي شيعية بشكل كبير ومؤيدة تاريخياً ل”حزب الله”.
إن الإهتمام السعودي والإيراني بإفريقيا هو في أحسن الأحوال نعمة مختلطة لحكومات وشعوب المنطقة. ومما لا شك فيه أن المنافسة قد أدت إلى نتائج مالية وتنموية جيدة بالنسبة إلى المنطقة حيث يسعى الجانبان إلى شراء الولاء. ولكنها سحبت الدول أيضاً إلى صراعات إقليمية أكبر لا تستطيع تحملها، لا بين إيران ودول الخليج فحسب، بل أيضاً في النزاعات داخل الخليج العربي. وكما لوحظ في هذا البحث، فإن مواجهات قطر مع جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي قد أدى إلى إنسحاب قوات حفظ السلام القطرية من إريتريا وجيبوتي، مما أدى إلى تدهور علاقاتهما الثنائية وعودة ظهور نزاعاتهما الحدودية بعد توقف دام سبع سنوات. وفي مرحلة متدنية في العلاقات السعودية – المصرية في العام الماضي، تعرضت إثيوبيا وجيبوتي إلى خطر أن تصبحا أراض معركة في نزاع الرياض مع القاهرة نتيجة لعلاقاتهما مع السعوديين.
ولكن الأبعاد الداخلية للتدخل السعودي والإيراني في المنطقة هي التي تشكل أكبر تهديد للدول الأفريقية. إن تصدير أشكال مختلفة من الإسلام المحافظ إلى القارة الأفريقية سيؤدي إلى زيادة التطرف في المنطقة. ومع إستمرار المملكة العربية السعودية وإيران في تمويل وبناء المساجد ومراكز التعلم الإسلامي، فإن إنتشار الإسلام الشيعي الأصولي والوهابية، إلى جانب ضعف مؤسسات الدولة، تعمل على تطرف السكان. وتعتبر الصومال مثالاً رئيسياً على مخاطر تصدير أشكال الإسلام المحافظ إلى الدول الضعيفة أو الوليدة في القارة الأفريقية. وعلى هذا النحو، فيما تُوسّع المملكة العربية السعودية وإيران معركتهما الإيديولوجية، فإن هذا التصاعد الطائفي سيؤدي إلى زيادة التهديدات الأمنية لدول عدة في جميع أنحاء إفريقيا.

• جيرالد م فيرستين هو مدير شؤون الخليج والعلاقات الحكومية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتِب هذا البحث بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى