هل تأخذ كردستان إستقلالها؟

بقلم جوزف كيشيشيان*

تُعارِض إيران وتركيا، لأسباب واضحة، التحرّك الكردي الذي طال إنتظاره نحو الإستقلال. لقد إنتقد علي شمخاني، أمين مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران، القرار الأخير الذي إتخذه رئيس إقليم كردستان – العراق، مسعود بارزاني، بإجراء إستفتاء في 25 أيلول (سبتمبر) 2017 لتحديد ما إذا كان يجب على الأكراد البقاء ضمن الجمهورية العراقية أو الإنفصال عنها. ومن جانبه وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الخطوة بأنها خطأ، وقال أن انقرة تؤيد وحدة أراضي العراق. كما أثار الخوف من أن العرب والتركمان العراقيين سوف يشرعون بدورهم في الإنفصال أيضاً، حتى لو كان قلقه الحقيقي يكمن في مصير الأكراد البالغ عددهم 25 مليوناً في بلده، الذين وُصِفوا بشكل غير صحيح بأنهم “أتراك الجبل”.
هل سيوافق الأكراد العراقيون على إستقلالهم وتمكين بارزاني من بدء مفاوضات مع بغداد؟
هناك إحتمالات ممتازة ومرتفعة جداً في أن يسود التصويت “نعم” حتى لو كان الإقتراع ب”لا” سيُرضي طهران وأنقرة، وكلاهما ينظر إلى العراق غير المتماسك سياسياً كموقع مثالي لتعزيز مصالح كلٍّ منهما. في الواقع، وبغض النظر عن التحوّل العصري الذي ستُبشّر به الموافقة، فإن إستفتاء بارزاني لن يؤدي إلى إنفصال تلقائي. بدلاً من ذلك، فإن بارزاني المُنتصر سينخرط في مفاوضات جادة مع بغداد لتأمين الإستقلال سلمياً. وبطبيعة الحال، سوف تُثار بسرعة عقبات عدة، بما فيها إتهامات بإستخدام الكيان المُستقل حديثاً كنواة لكردستان أكبر وأوسع بكثير من شأنها أن تشمل، بالضرورة، أجزاء كبيرة من إيران وتركيا وسوريا.
الواقع أن هذه المخاوف مشروعة، لكنها تافهة بالمقارنة مع القمع والإحتلال اللذين يتعرض لهما الأكراد في البلدان الثلاثة. في حين لا يُمكن التقليل من القلق المُرتبط بتفكك العراق بالنسبة إلى أنقرة وطهران ودمشق، إلا أنها ليست الأطراف الوحيدة الغاضبة من هذا التطور، والتي يمكن أن تتدخل في إستفتاء أيلول (سبتمبر). إن القوى الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ليست مُحبِّذة للوصول إلى النتيجة الحتمية، على الرغم من تعاطفها الكبير مع التطلعات الكردية. ومن المفارقات أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور (يومها) جو بايدن، هو الذي دعا إلى تقسيم العراق في العام 2006 إلى ثلاث مناطق – كردية وشيعية وسنية – مع حكومة مركزية صغيرة. ويبدو أن هذا الموقف الذي كان إتخذه بايدن قبل أن يصبح نائباً للرئيس الأميركي باراك أوباما هو أفضل وسيلة لمنع العنف الطائفي “حيث يتيح لكل فريق عرقي ديني إدارة شؤونه الخاصة”.
في العام 2015 غيّر بايدن موقفه، مؤكداً على أهمية القومية العراقية فيما أبدى دعمه لحكومة إتحادية قوية في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، على الرغم من عدم قدرة بغداد على إنشاء دولة ديموقراطية مُحدَّدة بدستور لم يرَ أبداً النور، وأضاف فوضى حديثة في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة إلى واشنطن، كما إلى الآخرين، كانت الأولوية تتمثّل في هزيمة “داعش”، التي ساهم فيها مقاتلو بارزاني في الموصل والمناطق المجاورة لها. والحقيقة أن السلطات الكردية قرأت بشكل صحيح سياسات بغداد تجاه تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولهذا السبب إختارت إجراء إستفتاء يُمكن أن يضع أمّتها على طريق الإستقلال. في الواقع، ومنذ العام 2003، رأى الأكراد أن مستقبلهم لا يُمكن ضمانه إلا في نظام ديموقراطي، علماني، وإتحادي، الذي من شأنه أن يحمي مصالحهم الأساسية، ويضمن الإزدهار داخل إقليمهم المُستقل، ويسمح بمشاركة ملموسة لهم في السلطة، والحفاظ على مسافة آمنة من الهيمنة الإيرانية، وحمايتهم من ديكتاتور آخر. كان هذا الأمر طويلاً ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي قلّد نظام صدام حسين بطرق إستثنائية، عمل بشكل منهجي على تقويض المواقف والأوضاع الكردية والسنية على وجه التحديد لإعادة جميع السلطات إلى حكومة مركزية متحالفة بشكل وثيق مع طهران.
في الوقت المناسب، سيُقيِّم المؤرخون ما إذا كان المالكي قد إنتهك الدستور العراقي، وداسَ على مبادئ الحل التوفيقي الضروري والملح في مجتمع مزّقته الإنقسامات الطائفية، وما إذا كانت آلية تقاسم السلطة – مع إعطاء رئاسة الجمهورية الإحتفالية إلى الأكراد – كانت وسيلة للتحايل. إن رفضه تسليح البشمركة الكردية، التي كانت قدراتها القتالية أسطورية، والتي أحدثت فرقاً حقيقياً في معارك الموصل، وخفض موازنة حكومة إقليم كردستان، وتحدّي كل خطوة إتّخذها بارزاني لتأمين عقود النفط والغاز مع الشركات العالمية العاملة (وفقاً للدستور العراقي)، بَصَمَت مصيره.
وبطبيعة الحال، إستمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مسارات سلفه، التي تؤكد على أن الديموقراطية العراقية في العام 2017 ليست سوى ذريعة للهيمنة الفارسية من دون أي شراكة للأكراد والسنّة والمسيحيين وغيرهم من الأقليات. ما يريده العبادي والملالي في طهران هو الخضوع تحت زعم أن معارضتهما ل”داعش” تمنع الحروب الدينية وتقسيم الأمر الواقع للعراق وسوريا.
لقد عاد البعبع الطائفي، الذي كان منذ قرون، إلى الشرق الأوسط للإنتقام في أعقاب الثورة الشيعية الإيرانية في العام 1979، على الرغم من أن الأكراد عازمون على حماية مصالحهم، وعلى عدم الفشل والسقوط مرة أخرى في تعهدات ما بعد الحرب العالمية الأولى التي لم تتحقق أبداً. اليوم، يبدو العراق وسوريا ولبنان وغيرها من الدول العربية على عتبات تحوّلات جديدة يواجهها قادة غير فعّالين الذين لا يمكنهم أن يمنعوا الطائفية من الإنتصار لأنهم كلهم تبنّوا مبدأ تحقيق مكاسب قصيرة الأجل على الإستقرار في المدى الطويل. هذه هي حافة الهاوية حيث الأكراد، يجدون أنفسهم في موقع مستعدّون فيه للتميّز عن جيرانهم، وعلى وجه التحديد تجنّب قرن آخر من التبعية.

• الدكتور جوزيف أ. كيشيشيان كاتب، وباحث، ومؤلف كتاب “محاولة إقتلاع التأثير العربي السني: تحليل جغرافي إستراتيجي للسعي الغربي والإسرائيلي والإيراني من أجل الهيمنة” (بالإنكليزية)) (ساسِكس، 2017).
• كُتِب المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى