قطاع الإتصالات في سلطنة عُمان يستعدّ لإستقبال مُشغّل ثالث للهاتف المحمول

عندما نعود إلى تركيبة قطاع الاتصالات في سلطنة عُمان، نجد أنه يتألف من مجموعة من المُشغّلين من بينها “عُمانتل” و”أوريدو” اللتان تمتلكان تراخيص من الفئة الأولى لتقديم خدمات الاتصالات الثابتة والمتنقلة، كما دخلت إلى السوق شركة “أواصر للإتصالات” التي دشّنت أعمالها رسمياً في شهر آذار (مارس) 2016 لتكون المشغل الثالث لخدمات النطاق العريض في السلطنة، كما أن هيئة تنظيم الإتصالات منحت 6 تراخيص من الفئة الثانية لشركات إعادة البيع لكن ثلاثاً منها غادرت السوق، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة دخول مُشغّل جديد لخدمات الإتصالات المتنقلة بعد أن أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت عن بدء مراحل منح ترخيص لمشغّل ثالث “لإنشاء وتشغيل وصيانة وإستغلال نظام إتصالات لتقديم خدمات الاتصالات العامة المُتنقلة في السلطنة”.

عُمانتل: تحديات كبيرة أمامها

مسقط – سمير الحسيني

سلّمت أربع شركات إتصالات عربية عروضها لتصبح المشغّل الثالث للهاتف المحمول في السوق العُمانية الذي يمتلك رخصة من الفئة الأولى، بعد إطلاق هيئة تنظيم الإتصالات عملية تقديم العطاءات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.
وسيتم الإعلان عن قائمة العطاءات النهائية المقبولة في 14 آب (أغسطس) المقبل، مع توقّع الكشف عن الفائز في المناقصة في الشهر التالي، وبالتحديد في 4 أيلول (سبتمبر). وتدرس الهيئة حالياً الطلبات المُقدَّمة من شركة “إتصالات” الإماراتية، وشركة الإتصالات السعودية، وشركة “زين” الكويتية، وأخيراً، شركة “سوداتل” السودانية.
إن دخول لاعب جديد سوف يستفيد منه العملاء من خلال تعزيز المنافسة وتوفير مجموعة جيدة أكبر من خيارات الخدمة. ومع ذلك، فإن تقريراً صادراً في نيسان (إبريل) 2017 من شركة أبحاث السوق “بي أم آي” (BMI) يفيد بأن هناك بيئة تجارية صعبة تواجه المُشغّلين الجدد، ذاكراً بأن السبب هو السوق التي صارت مشبَعة والمنافسة السعرية التي يقودها مشغّلو الشبكات الإفتراضية النقّالة، الذين تبلغ حصتهم في السوق 17% .
وتأثّرت ربحية شركات الإتصالات بقرار الحكومة بزيادة رسوم الملكية أو الأتاوة من 7٪ إلى 12٪ من الإيرادات الإجمالية السنوية إعتباراً من الأول من كانون الثاني (يناير) 2017 حيث يتزامن هذا الإجراء مع زيادة الضرائب على الشركات من 12% إلى 15% . وقد أعلنت كلٌّ من شركتي “عُمانتل” و”أوريدو” بأن الزيادة الجديدة، لو قُدّمت قبل عام، لكانت قلّلت إيراداتهما في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016 ب 16 مليون ريال عُماني (41.6 مليون دولار) و8.7 مليون ريال عُماني (22.6 مليون دولار) على التوالي.
وعلاوة على ذلك، “عُمانتل”، التي أعلنت عن نسبة 2.1٪ في نمو إيراداتها في العام 2016، شهدت إنخفاضاً في دخلها بنسبة 1٪ في العام على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2017 إلى 132.6 مليون ريال عُماني (344.4 مليون دولار)، ذاكرةً بأن زيادة رسوم الملكية كانت أحد العوامل وراء التراجع.

تخفيض تكاليف التجوال في دول مجلس التعاون الخليجي

مع ذلك، وردت أخبار جيدة لزبائن خدمة الهاتف النقّال في نيسان (إبريل)، عندما خُفّضت أسعار التجوال (roaming) للهواتف المحمولة في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تمّ الإتفاق على الأنظمة الجديدة من قبل مجموعة عمل التجوال، وهي كيان يضم مُنَظّمي الإتصالات من كل دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعني بأن المسافرين سيستفيدون من تخفيض 35٪ في معدلات البيانات الرقمية، وتخفيض 20٪ في تكلفة المكالمات الواردة، وتخفيض 13٪ في تكلفة أسعار الرسائل القصيرة.
إن تغطية شبكة الهاتف النقّال في سلطنة عُمان أصبحت شاملة على نحو متزايد، مع إعلان هيئة تنظيم الإتصالات في نهاية 2016 بأنها ستقوم بتغطية 410 قرية في المناطق المحرومة بنهاية العام 2017 من خلال إنشاء 312 محطة إرسال وإستقبال للهواتف المحمولة.

قطاع تكنولوجيا المعلومات يتلقى زيادة في رأس المال

من جهة أخرى، تلقت آفاق قطاع تقنية المعلومات في السلطنة، في الوقت نفسه، دفعةً ودعماً في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت مع إطلاق الصندوق العُماني للتكنولوجيا، وهو صندوق لرأس المال الإستثماري مع دعم أولي بلغ 200 مليون دولار.
وتعتمد هيكلة الصندوق على ثلاثة صناديق “أصغر حجماً” بالشراكة مع ثلاث شركات عالمية رائدة في مجال الإستثمار في الحقل التكنولوجي، وتُعرَف بنشاطها القائم على رعاية المشاريع التقنية الناشئة وتسريع عملية نموها، ويترأس هذه الصناديق الفرعية الثلاثة فريق تنفيذي عُماني على درجة عالية من الكفاءة، حيث تتولى شريفة بنت مسلم البرعمي الإدارة التنفيذية لصندوق تسريع الأعمال، بينما يتولى إسماعيل الحارثي الإدارة التنفيذية لصندوق تنميتها، ويجري حالياً توظيف مدير عام للصندوق الثالث المُسمّى “صندوق الحضانة الأولى” الذي سيستقبل الأفكار الناشئة عند أول تعامل مع الصندوق العُماني للتكنولوجيا.
الواقع أن الصناديق الثلاثة، التي دخلت في شراكة إستثمارية مع رواد الإستثمار التقني على مستوى العالم من أبرزها شركات “أتلانتيك بريدج كابيتال” في إيرلندا، و”500 ستارتاب” التي تتخذ من “وادي السيليكون” في كاليفورنيا مقراً لها، و”تيكستارت فينتشرز” في الولايات المتحدة أيضاً، سوف تستفيد من الخبرة العالمية لهذه الشركات للحصول على “التوجيهات الإحترافية والإرشاد الفعال”، إلى جانب الشراكة في تمويل المشاريع الجديدة.
إن الصندوق، الذي يملك الغالبية فيه صندوق الاستثمار العُماني، يهدف ليكون بمثابة جسر بين المستثمرين ورجال الأعمال. ويقول رئيسه التنفيذي يوسف الحارثي، أنه يتصوره ك”منصة وثب وإنطلاق أو مسرّع يمكنه أن يأخذ الأفكار إلى المستوى التالي”. علماً أن التطبيقات هي حالياً مفتوحة لمسرّع الصندوق، الذي سينطلق في تموز (يوليو) المقبل.
وقد إتّخذ الصندوق بالفعل خطواته الأولى نحو تعزيز الإبتكار في القطاع من خلال توقيع مذكرة تفاهم في أيار (مايو) مع الشركة الباكستانية – العُمانية للإستثمار. ويهدف الإتفاق الى تشجيع التعاون بين البلدين فى تطوير التكنولوجيات الجديدة.
ويُمكن أيضاً أن يُنظَر إلى إنشاء الصندوق كجزء من إتجاه إقليمي نحو إستثمار رأس المال في تكنولوجيا المعلومات، مع إعتبار شراء شركة “أمازون” متاجر التجزئة الإلكترونية “سوق” ب800 مليون دولار وإستثمار صندوق الإستثمار العام السعودي 3.5 مليارات دولار في “أوبر”، بمثابة مؤشرات إلى إمكانات القطاع القوية.
وفي الوقت الذي رحب فيه أصحاب المصلحة بإنشاء الصندوق، لا يزال هناك من يعتقد أن على الحكومة أن تبذل المزيد من الجهود لتشجيع نمو القطاع.
“يُمكن للحكومة أن تدعم تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع تحسين الرسوم عُمانياً في الوقت نفسه من طريق تحديث نوع الوظائف التي تعترف بها. من الصعب إيجاد وتوظيف مُنَشّطين لقطاع الثلاثة أبعاد (3D)، على سبيل المثال، إذا لم تعترف الحكومة بهذا المسمى الوظيفي في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات”، قال الياس تانغ عبد الله، العضو المنتدب لشركة “إي أس أم تكنولوجيز”، وهي شركة إستشارات وتكنولوجيا المعلومات الرقمية في عُمان.

التحديات والآفاق

في ظل هذه الأوضاع يمكننا النظر إلى حجم التحديات التي تواجه القطاع والتي قد تدفع الشركات إلى تقليص إنفاقها الجاري والاستثماري للمحافظة على إيراداتها وأرباحها عند مستوياتها الحالية. ورغم المخاوف السابقة لا يزال قطاع الاتصالات في غُمان يمتلك القدرة على تحقيق نمو كبير نظراً إلى أن معدلات نفاذ خدمات الإتصالات الثابتة والإنترنت في السلطنة لا تزال دون المعدلات العالمية، ووفقاً للبيانات الصادرة عن هيئة تنظيم الاتصالات فإن نسبة النفاذ في خدمات الإتصالات الثابتة حتى تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بلغت 10.3% وفقاً لعدد السكان و81% وفقاً لعدد المنازل، وبلغ معدل النفاذ في خدمات الإنترنت من طريق الهاتف الثابت 6.1% على أساس عدد السكان و48.1% على أساس عدد المنازل، في حين بلغ معدل نفاذ خدمات الإتصالات المتنقلة 151%. كما أن توجه السلطنة إلى تشجيع قطاع السياحة وإستقطاب السياح، والعمل على تنويع مصادر الدخل من شأنه تنشيط عدد من القطاعات الإقتصادية وبالتالي زيادة الطلب على خدمات الإتصالات.
وعندما ننظر إلى النمو الذي حققه قطاع الاتصالات في العام الفائت نجد أن عدد المنتفعين النشطين للإنترنت ذي النطاق العريض بالهاتف المتنقل سجل زيادة كبيرة وحقق نمواً بنسبة 21% مع بلوغ أعداد المشتركين بنهاية أيلول (ديسمبر) الماضي 3.9 ملايين مشترك، في حين أن نسبة النمو المُحَقّقة في عدد المشتركين في الهاتف المتنقل كانت أقل من ذلك بكثير وبلغت 3.3% (بلغ عددهم بنهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي 6.8 ملايين مشترك)، وسجل عدد المشتركين في الهاتف الثابت نمواً بنسبة 7.1% (بلغ عددهم 465 ألف مشترك). وتشير هذه الأرقام إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيداً من المنافسة بين شركات الاتصالات في مجال الإنترنت خصوصاً مع توسّع المجتمع في إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي وتنزيل الملفات ذات الأحجام الكبيرة التي تتطلب سرعات عالية من الإنترنت، وتوجّه القطاعين العام والخاص والأفراد إلى إستخدام الإنترنت على نطاق واسع. وإذا كان العام الجاري يحمل العديد من التحديات التي ستواجه قطاع الاتصالات في عُمان وتضغط على أسهم الشركات المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية، فإن هذه التحديات نفسها تشجع الشركات على تطوير قدراتها وإمكاناتها لمواكبة تطلعات المستهلكين، وكلما كانت أقرب إليهم وإلى طموحاتهم فإنها سوف تحقق النجاح الذي ينعكس على إيراداتها وأرباحها وعلى أسهمها بكل تأكيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى