هل سيُغيّر إيمانويل ماكرون سياسة فرنسا في الشرق الأوسط؟

على الرغم من أنه لم يصدر بشكل واضح عن قصر الإيليزيه في باريس إشارات واضحة عن سياسة فرنسا الخارجية بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وقضاياها، فإن قراءة في ماضي وتصريحات الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون خلال حملته الإنتخابية وما بعدها تُعطي الصورة للسياسة المُتَوَقَّعة.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب: قد يجد صعوبة في التعامل مع نظيره الفرنسي الجديد.

باريس – باسم رحال

إن إنتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية الفرنسية هو بالتأكيد من الأخبارالسيئة للمنظمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، من غير المُحتمَل أن تعدّل فرنسا موقفها في ما يتعلق بالتحديات الإقليمية الأكبر في تلك المنطقة، مثل الحرب الأهلية السورية المستمرة، والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أو الحرب الباردة بين إيران والمملكة العربية السعودية.
مع ذلك، فإن ماكرون، بوصفه مؤيداً مُخلِصاً للتكامل الأوروبي، سيحاول بالتأكيد تعزيز المنظور الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وخصوصاً لدى إلمانيا وإيطاليا، وفي الوقت عينه تعزيز نفوذ فرنسا والإتحاد الأوروبي في المنطقة.
وإذا إستمرت إدارة دونالد ترامب في تقليص دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن إيمانويل ماكرون سوف يكون حريصاً على ملء هذا الفراغ بشروطه. وعلى الرغم من أنه ينتقد الماضي الاستعماري الفرنسي، فإنه يريد من فرنسا أن تكون حاضرة وتلعب دوراً بنّاءً في الشؤون الإقليمية.
ماكرون هو أيضاً ليس ذلك العدو الذي تفضّله أو تحبّذه الجماعات الإرهابية. ومما لا شك فيه أن إنتخاب مارين لوبان كان سُيغذّي السرد والروايات المتطرفة للمتشددين الإسلاميين، وتمكّنهم من تجنيد وتوظيف المزيد من الأتباع في أوروبا. وكانت آراؤها العنصرية القاسية تتماشى مع وجهة نظر المتطرفين، التي تقول بأن الإضطراب الحالي في الشرق الأوسط هو نتيجة واضحة لماضٍ إستعماري، وعداء ثقافي، وتعصّب ديني تُغذّيه القوى الغربية، بما فيها فرنسا.
وعلى الرغم من أن تصريحات ماكرون تشير حتى الآن إلى أن موقفه من عمليات مكافحة الإرهاب سيكون ثابتاً، ومتماشياً مع سلفه، فرنسوا هولاند، فإن خطاب ماكرون سيكون أقل إستفزازاً مقارنةً بالموقف الراديكالي لمارين لوبان. وعلى هذا الأساس، سوف يكون قادراً على تعزيز صورته كرئيس للأمة الفرنسية بأكملها والتقليل من الإستقطاب الإجتماعي المرتفع. في الواقع، قد تبدو سياسات ماكرون الشاملة أفضل وصفة للنجاح المحلي، وتقلّل إلى حد كبير من التأثير الإجتماعي لكل من الجماعات اليمينية المتطرفة والإسلامية الراديكالية.
من المؤكد تقريباً أن ماكرون سوف يبذل قصارى جهده لتعزيز أفكاره السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط على المستوى الأوروبي. في الوقت الحاضر، يُمكنه أن يعتمد على دعم المستشارة الإلمانية أنجيلا ميركل وكذلك على مسؤولين أساسيين في الإتحاد الأوروبي، بمن فيهم دونالد تاسك وجان كلود جونكر، الذين دعموا علناً ترشيحه خلال الحملة الإنتخابية. في المقابل، سوف يحاول تعزيز ديبلوماسية الإتحاد الأوروبي، وضمان أن الصوت الأوروبي يُسمَع ويُصغى إليه على المسرح العالمي.
وهذا الموقف قد لا يلقى ترحيباً حاراً من الإدارة الأميركية الحالية. الرئيس دونالد ترامب يفضل أن يرى الشركاء الأوروبيين كمجموعة من الدول القومية بدلاً من كونهم كتلة من البلدان منظمة تنظيماً جيداً التي يمكن أن تتحدّى الديبلوماسية والمصالح الأميركية في المنطقة.
من ناحية أخرى، إن نتائج الإنتخابات الرئاسية الفرنسية لن تؤثر على موقف فرنسا من الصراع السوري. سوف يدعم ماكرون ديبلوماسية الإتحاد الأوروبي، وأحياناً يتّخذ إجراءات أحادية الجانب إذا كانت الأراضي السورية مصدراً لأي تهديد مباشر للأمن القومي الفرنسي (كما حدث في العام 2015). وفي الوقت عينه، ستدعم باريس جهود واشنطن الرامية إلى إستعادة السلام وضمان حماية حقوق الإنسان في سوريا. وقد رحّب ماكرون بالضربات الجوية الأميركية بعد الهجوم الكيماوي على المدنيين في خان شيخون.
وعلى النقيض من ذلك، لن تكون فرنسا – ماكرون شريكاً سهلاً لروسيا وقد تستمر في معارضة مبادرات موسكو المتعلّقة بالنزاع السوري، بما في ذلك عملية أستانا. وتعود الفوارق بين النهجين الروسي والفرنسي إلى بداية الحرب السورية. ومن غير المرجح أن يدعم الفرنسيون روسيا وتركيا وإيران في السيطرة الكاملة على العملية السياسية في بلاد الشام. وبدلاً من ذلك، سيسعون إلى إقامة تعاون أوثق مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين بشأن هذه المسألة. وسوف يبذل ماكرون قصارى جهده للتأكد من أن لا تَحلّ “عملية أستانا” محل “عملية جنيف”، وأن إتفاق سلام في المستقبل سوف يستند إلى مبادىء أورو – أطلسية بدلاً من مبادئ أورو-آسيوية.
في حين أن فرنسا ربما ستتعاون مع أميركا بالنسبة إلى الأزمة السورية، فإن ماكرون لن يكون مؤيداً لإسرائيل مثل إدارة ترامب. وحتى لو لم تؤيد أو تدعم باريس جانباً أو فريقاً في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل رسمي، ليس سراً أن تصرفاتها وسياساتها السابقة كانت لصالح الفلسطينيين. في العام 2012، صوّتت فرنسا لصالح طلب فلسطيني لترقية وضعها ورفعه إلى مرتبة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبعد بضع سنوات حذّر البرلمان الفرنسي إسرائيل من أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين في حالة فشل مفاوضات السلام. ومع ذلك، يقول ماكرون علناً أن أولويته هي خلق جوّ من شأنه أن يتيح عملية السلام. وهو أيضاً ضد أي إعتراف سابق لأوانه بفلسطين. وعلاوة على ذلك، كما هو الحال في سوريا، ربما يختار ماكرون موقفاً أكثر إتساقاً كموقف الإتحاد الأوروبي البنّاء بشأن الصراع.
وأخيراً وليس آخراً، ليس هناك شك في أن ماكرون لن يشارك ترامب في تقييمه المتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي) مع إيران ، ومن المحتمل أن يُعارض أي عقوبات غير نووية. والدافع لمثل هذا الموقف إقتصادي بحت. وخلافاً للولايات المتحدة، تُعتَبر فرنسا من بين أكبر المستفيدين من الإتفاق مع طهران. فقد وقّعت بعض الشركات العملاقة الفرنسية عقوداً مربحة مع نظيراتها الإيرانية في أوائل العام 2015. من بينها كانت “توتال”، شركة السكك الحديدية الحكومية الفرنسية “S.N.C.F”.، “بيجو-سيتروين”، “فينسي”، و”إيرباص”. وخلال زيارة الرئيس حسن روحاني لفرنسا في كانون الثاني (يناير) 2016، وقّع البلدان عقوداً تزيد قيمتها على 33 مليار دولار. لهذا السبب الواضح، لن يكون ماكرون على إستعداد لإعادة التفاوض على الصفقة النووية، ناهيك عن إلغائها، إلا إذا كانت أعمال طهران تنتهك بشكل واضح الإتفاق النووي الموقّع أو تشكّل تهديداً للأمن الوطني الفرنسي.
بشكل عام، قد يكون هناك تباينٌ أكثر من تقاربٍ في المصالح بين فرنسا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذا قد يجد ترامب صعوبة في التوصل الى “صفقات جيدة جداً” مع نظيره الفرنسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى