بوتين يسعى إلى مضاعفة دور روسيا وتحديد مستقبل سوريا على حساب أميركا

فيما يُخيّم عدم الوضوح على سياسة إدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط، وبخاصة في سوريا، يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجهد لزيادة نفوذ بلاده ودورها الرئيسي في حل الصراعات في العالم العربي وتحديد مستقبل سوريا.

الرئيس فلاديمير بوتين: هدف طموح في سوريا

دمشق – محمد الحلبي

أحد التفسيرات للهجوم الكيميائي الذي وقع في 4 نيسان (إبريل) الفائت على خان شيخون في سوريا هو أن روسيا كانت تَعلَم أنه آتٍ. لقد سمحت للهجوم أن يحدث، أساساً لأنها كانت تسعى إلى إختبار إدارة دونالد ترامب وتجديد الترتيب غير المكتوب مع الأميركيين على سوريا الذي ساد مع إدارة باراك أوباما.
لا شك أن الكثير لا يزال غير واضح بالنسبة إلى هذا الرأي. هل عرف الروس حقاً بالهجوم؟ مسؤول أميركي كبير، لم يُكشَف عن هويته، أكّد في الأسبوع الثاني من نيسان (إبريل)، بأن طائرة من دون طيار روسية قد حلّقت فوق المستشفى حيث كان يُعَالَج ضحايا الهجوم الكيميائي، وبعد ذلك تم قصفه، وذلك لإزالة أي دليل على ما حدث.
لكن أبعد من ذلك، فإن التعاون الوثيق بين الضباط الروس والسوريين في قاعدة شيرات الجوية، التي أقلعت منها الطائرة التي قصفت خان شيخون، من غير المُحتَمَل أن لا تكون موسكو على عِلمٍ بها. من جهتها نفت روسيا بشدة أي مسؤولية، ولكن السياق السياسي للهجوم كان بنفسه مُوحياً وكاشفاً.
ويذكر الروس أن الولايات المتحدة قد منحتهم حرية كبيرة في سوريا بعد هجوم الغوطة الكيماوي في آب (أغسطس) 2013. في ذلك الوقت إستطاعت موسكو وقف ردٍّ عسكري أميركي مقابل إزالة مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية. لكن هذه الخطوة جعلت روسيا أيضا شريكاً لا غنى عنه لأي تقدّم في سوريا. لقد أُعطِيَت موسكو قوة كبيرة للتأثير في النتائج هناك.
وعندما تولّى الرئيس ترامب منصبه، لم تكن لدى روسيا أية ضمانات بأن هذا الترتيب غير المكتوب سيُعاد إحياءه. من الممكن جداً أن يكون الهجوم الكيميائي على خان شيخون وسيلة تهدف إلى إلزام الأميركيين بإعادة فتح حوار مع موسكو حول سوريا لإحياء التفاهم السابق.
ربما كان الإفتراض بأن رغبة ترامب في تجنّب أي تورط في سوريا سوف يدفعه إلى التخلي عن التقدم السياسي في سوريا لمصلحة روسيا. وعلى الرغم من أن الأميركيين قاموا بقصف قاعدة شيرات الجوية، إلا أن هذه العملية تبدو شكلاً تجميلياً من أشكال الإنتقام أكثر منه تغيير جوهري في دور الولايات المتحدة في سوريا. منذ ذلك الحين لم يقترح ترامب نهجاً مُختلفاً في سوريا عن نهج أوباما.
لذلك، ربما، يجب أن نسعى إلى الحصول على تفسير لبيان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 29 نيسان (إبريل) بأن روسيا تريد التعاون مع واشنطن حول سوريا، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية تنظيمي “داعش” و”القاعدة”. والبيان الذي صدر في حضور وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي، كان تحوّلاً خفيفاً عن التصريحات السابقة للمسؤولين الروس الذين أصرّوا على أن الامر يعود الى التحالف لإعتماد المواقف الروسية في سوريا.
من خلال تأكيده رغبة روسيا في المشاركة في التحالف ضد تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، كان لافروف يشير إلى العودة إلى التفاهم الروسي الأميركي السابق حول سوريا، حيث سمحت إدارة أوباما لموسكو بأن تأخذ زمام المبادرة في تحديد ومعالجة نهاية سياسية هناك، مقابل التعاون مع واشنطن ضد “داعش”. وكان تأييد الصفدي لتصريحات لافروف علامة على أن المزاج في المنطقة يتغير بطريقة تناسب موسكو
المحادثة التي جرت يوم الثلاثاء في 2 أيار (مايو) الجاري بين الرئيسين ترامب وفلاديمير بوتين، الأولى منذ القصف الاميركي للقاعدة الجوية السورية، تقترح بأن الروس يحققون تقدماً. لقد إتفق الرجلان على تكثيف تعاونهما في سوريا. كما وافقت الولايات المتحدة على ارسال ممثلٍ الى محادثات أستانا التى تقودها روسيا حول سوريا، وهو منتدى رئيسي يسمح لموسكو تشكيل وتحقيق نتائج ديبلوماسية هناك.
ولم تتراجع روسيا عن ذلك. لقد أطلقت عملية أستانا لوضع رِجلها في الباب، من دون أن تتحدّى إطار الأمم المتحدة للتفاوض. وتُدرك موسكو جيداً بأن المنظمة الدولية هي الطريق الوحيد نحو حلٍّ معترفٍ به دولياً في سوريا. وبدلاً من إستبدال دورها، فقد سعت موسكو إلى خلق زخمٍ موازٍ في أماكن أخرى – في أستانا ومن خلال تحسين علاقاتها مع تركيا والدول العربية – لإعطاء نفسها ثقلاً ديبلوماسياً أكبر في عملية الأمم المتحدة.
الواقع أن الوضع السوري أصبح مُعقّداً أكثر من أي وقت مضى لإدارة ترامب، التي ليست لديها سياسة واضحة في سوريا. ويجد الأميركيون أنفسهم ضائعين وسط تصاعد المواجهات التركية – الكردية في شمال سوريا.
بعرضها العمل مع التحالف الدولي، فإن روسيا تُقدم نفسها على أنها الجانب الأكثر قدرة على الوساطة بين جميع الأطراف. وبالنظر إلى هذا الوضع، فإن كلمتها في إيجاد حل للأزمة السورية قد زادت قوة وتأثيراً.
لا يتطلب الأمر كثيراً لبوتين لكي يرى أن هناك فوضى وضياع في واشنطن، خصوصاً حول سوريا. لذا، أنه أفضل وقت لدفع الولايات المتحدة إلى الزاوية وإجبارها على إتخاذ خيار يفيد روسيا. بعد كل شيء، بوتين فعل ذلك بسهولة مع إدارة أوباما التي كانت أكثر وضوحاً وذكاء بكثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى