إيران: الثورة الخضراء الأخرى

لدى إيران، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 80 مليون نسمة، رابع أكبر إحتياطات نفطية وثاني أكبر إحتياطي من الغاز الطبيعي في العالم. ولكن على الرغم من مواردها الهيدروكربونية الغنية، فإن البلاد تسعى إلى تحقيق مشاريع عدة تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة نظراً إلى إحتوائها على مناخ وتضاريس ملائمين لهذا النوع من الطاقة من جهة ولزيادة صادراتها النفطية والغازية من جهة أخرى.

الطاقة الشمسية: ستدخل في مزيج الطاقة الإيرانية

طهران – هشام الجعفري

بعد سنوات من الإقصاء من النظام المالي العالمي، تسعى إيران جاهدة حالياً لجذب الشركات الأجنبية للإستثمار في حيازاتها النفطية والغازية الضخمة. ولكن يبدو أن هناك جانباً آخراً من إقتصاد الطاقة الإيراني بدأ يفتح أبوابه: قطاع الطاقة المتجددة.
لدى إيران أسباب وجيهة لتطوير مواردها الكهرومائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تتمثّل بشكل رئيسي بالمخاوف الشعبية من تلوث الهواء وتقلب أسعار النفط، وقد أحرزت البلاد بعض التقدم في هذا المجال منذ إبرام الإتفاق النووي في العام 2015. ولكن هناك مشكلة أيضاً تتلخّص بعدد من الحواجز الجدّية التي تحول دون تحقيق مزيد من النمو. فالشركات الأجنبية، التي تشعر بالقلق إزاء التهديد بفرض عقوبات عليها، لا تزال متردّدة من القيام بأعمال تجارية مع إيران، كما أن المشاكل في سوق الكهرباء الإيرانية نفسها تُعيق تحقيق مشاريع جديدة. وبالتالي لا يمكن للجمهورية الإسلامية أن تُنمّي إقتصادها الأخضر إلا بمعالجة تلك المشاكل.

وضع ضبابي

لا يبدو أن إيران مُرشَّحة واضحة لإستثمار الطاقة الخضراء: فالبلاد لديها ثاني أكبر إحتياط من الغاز الطبيعي في العالم، وهي منتج رئيسي للنفط، وأكثرية توليد الطاقة المحلية تأتي من الوقود الأحفوري وليس من موارد الطاقة المتجددة. وفي العام 2014، وهو آخر عام تتوافر فيه بيانات من وكالة الطاقة الدولية، شكّل الغاز الطبيعي أكثر من 195,000 جيغاواط ساعة من توليد الطاقة في إيران، في حين أن محطات توليد الطاقة الكهرومائية والنووية والرياح أنتجت أقل من 19,000 جيغاواط ساعة. (على الرغم من أن قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في إيران جذب أخيراً بعض الإستثمارات الأجنبية، إلا أنه كان غير موجود تقريباً في العام 2014).
مع ذلك، هناك بعض الأسباب التي تجعل تطوير قطاع الطاقة المتجددة في بلاد فارس أمراً منطقياً. من خلال إعتمادٍ أكثر على الطاقة المتجددة محلياً، فمن الممكن أن تبيع طهران المزيد من النفط والغاز إلى الخارج. ويمكن أن يساعد نمو قطاع الطاقة المتجددة أيضاً الجمهورية الإسلامية على الوفاء بالإلتزامات التي قطعتها على نفسها بموجب إتفاق باريس بشأن تغير المناخ، الذي يدعو البلد إلى خفض إنبعاثات غازات الدفيئة مقارنة بالعام 2010 بنسبة 12 في المئة بحلول العام 2030، في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً. وتبلغ طاقة إيران في مجال الطاقة المتجددة حالياً حوالي 200 ميغاواط. وبحلول العام المقبل، تأمل البلاد في إضافة 5000 أخرى.
من ناحية أخرى، يُعتبَر الضغط الشعبي للحد من التلوث سبباً آخر لتوسيع قطاع الطاقة المتجددة. في الفترة ما بين آذار (مارس) 2014 وآذار (مارس) 2015، توفي نحو 5,160 شخصاً نتيجة للتلوث في طهران وحدها. وقال مدير مركز ايران للطقس وتغير المناخ في كانون الثاني (يناير) الماضي ان أدخنة السيارات تمثل معظم مشاكل البلاد بالنسبة إلى نوعية الهواء، ولكن في بعض المحافظات الغنية بالنفط، فإن إشتعال الغاز أو حرق الغاز الطبيعي في آبار النفط والغاز، هو أكبر مصدر لتلوث الهواء.
وقد أثارت مشكلة نوعية الهواء غضباً في طهران وغيرها من المدن. في فيديو إنتشر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، إحتجّت مجموعة من الشابات ضد التلوث في شارع شارياتي المزدحم في طهران. وفي كانون الثاني (يناير) 2017، ظهر رامبود جوان، الممثل والمخرج الشعبي، في برنامجه التلفزيوني مع رئيس لجنة الحدائق العامة في طهران لحث الإيرانيين على فعل ما في وسعهم للمساعدة على الحد من التلوث.
ويبدو أن الإحباطات العامة قد سُجِّلت لدى المسؤولين المحليين، على الأقل في طهران. في تشرين الثاني (نوفمبر)، على سبيل المثال، إنتقد إقبال شاكيري، رئيس لجنة التنمية الحضرية في مجلس بلدية طهران، مسؤولي المدينة بسبب غض الطرف عن أضرار التلوث. ولكن السلطات، مع ذلك، لم تفعل حتى الآن سوى القليل لحلّ المشكلة.

الطاقة الشمسية

على الصعيد الوطني، أدخلت إيران في الوقت نفسه عدداً من الإصلاحات لتطوير قطاع الطاقة المتجددة لديها. وقد وضعت الخطة الخمسية الخامسة للحكومة، التي تغطي الفترة من 2010 إلى 2015، ما يُسمى بتعريفات التغذية، والتي سمحت لشركة الكهرباء الإيرانية الرائدة والشركات التابعة لوزارة الطاقة في البلاد التوقيع على عقود طويلة الأجل مضمونة مع منتجي الطاقة المتجددة مما يساعد على زيادة القدرة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة في قطاع الكهرباء. وفي العام 2015، مدّدت إيران هذه العقود من خمس سنوات إلى عشرين عاماً لزيادة الإستثمار. وفي أيار (مايو) 2016، قالت منظمة الطاقة المتجددة في إيران (سونا) إنها ستزيد من الأسعار المضمونة للكهرباء المُوَلَّدة في المصانع المبنية بالمهارات والمعدات المحلية بنسبة تصل إلى 30 في المئة – وهي محاولة لتعزيز التصنيع المحلي والعمالة في هذا القطاع.
وقد نجحت جهود الحكومة لجذب المستثمرين بالفعل إلى حد ما. في حزيران (يونيو) 2016، وقّعت شركة “بلانيت إن غرين” (Planet in Green)، وهي شركة إستشارية ألمانية، عقداً مع شركة “سونا” لتطوير محطة شمسية بقدرة 100 ميغاواط بالقرب من طهران. في الشهر التالي، وافقت “بريتيش فوتوفولتيك أسوسيايشن” (British Photovoltaic Association) البريطانية على التعاون مع وزارة الطاقة الإيرانية على مشاريع للطاقة الشمسية تصل قدرتها إلى جيغاواط واحد. ووقعت الشركة الكورية الجنوبية “كاي.تي.كاي” صفقة بقيمة 820 مليون دولار في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت لبناء محطة للطاقة الشمسية ومزرعة رياح في إيران. وفي الفترة بين تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر) من العام المنصرم، إستضافت طهران مؤتمرين دوليين لتعزيز صناعة التكنولوجيا النظيفة، وفي شباط (فبراير) 2017، كشفت وزارة الطاقة النقاب عن خطط لبناء محطتي طاقة شمسية بسبعة ميغاواط في محافظة همدان.

دائرة صغيرة

وعلى الرغم من التقدم الذي أحرز أخيراً، يبدو أن النمو في قطاع الطاقة المتجددة في إيران قد جُمّد إلى حد ما. فالقيود المتبقية لوصول إيران إلى التمويل الأجنبي تبقى المشكلة الأولى. لقد أدّى إنتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إلى جعل مستقبل الإتفاق النووي غير مؤكد، مما أدى إلى تثبيط إهتمام البنوك الدولية في دعم مشاريع الطاقة الجديدة في إيران. ويخشى العديد من هذه المؤسسات أيضاً من الوقوع في مشكلة مع القيود الأميركية التي ما زالت قائمة. وهناك الكثير من الشركات الإيرانية، وبخاصة في قطاع الطاقة، يسيطر عليها الحرس الثوري الإسلامي – وهو واقع يمنع العديد من البنوك الغربية من التعامل معه.
ثم هناك مشاكل ديون وزارة الطاقة: فهي تدين لمنتجي الكهرباء في القطاع الخاص بنحو 6.8 مليارات دولار. ويرجع هذا الدين جزئياً إلى الفجوة بين تكلفة إنتاج وتوزيع الكهرباء والسعر الذي يدفعه الإيرانيون لإستخدامها. ففي حين تتكلّف المرافق الإيرانية حوالي ثلاثة سنتات لإنتاج وتوزيع كل كيلوواط / ساعة من الكهرباء بفضل إعانات المستهلكين، فإن الأسر الإيرانية تدفع في المتوسط 0.02 دولار (سنتان) فقط لإستخدام الكمية نفسها، على الرغم من أن الحكومة قد رفعت أسعار الكهرباء المُستهلَكة ثلاث مرات منذ العام 2013. ومع الأخذ بعين الإعتبار كلفة بناء وصيانة محطات الطاقة الشمسية والرياح، فإن تكلفة الكهرباء من تلك المصادر المتجددة ربما تكون أكثر من تلك الأسعار المدعومة التي يدفعها المستهلكون. ومن دون زيادة أسعار الكهرباء من طريق خفض الدعم، سيكون من الصعب على الجمهورية الإسلامية توسيع قدرتها بشكل مستدام في مجال الطاقة المتجددة. والواقع أن عجز وزارة الطاقة عن تسديد ديونها لمحطات الطاقة التقليدية لا يرسم صورة واعدة للشركات التي تنظر في الإستثمار في محطات الطاقة المتجددة في إيران.
يعارض بعض أعضاء البرلمان الإيراني بشدة وقف إعانات الدعم، بحجة أن ذلك سيضرّ الإيرانيين ذوي الدخل المنخفض بشكل غير متناسب. ودعا آخرون إلى تقليص حجم وزارة الطاقة، مُدَّعين بأن إدارة أكثر كفاءة وتكنولوجيا متقدمة يمكنهما أن يسدّان الفجوة بين أسعار المستهلكين وتكاليف التوليد والنقل والتوزيع. وحتى الآن، فشلت المناقشة في وضع سياسات يمكن أن تحمي الأسر ذات الدخل المنخفض من دون أن تضع ضغطاً على الموارد المالية الإيرانية، مثل التسعير القائم على الاستهلاك، والذي من شأنه أن يشجّع الأسر ذات الإستهلاك المرتفع على إستخدام كميات أقل من الكهرباء.
والخبر السار في هذا المجال هو أن أسعار الطاقة المتجددة آخذة في الانخفاض، وهذا من شأنه أن يجعل الطاقة النظيفة مقبولة وأسعارها معقولة وأكثر شعبية في إيران أيضاً. وعلى الرغم من أن البنوك الغربية لا تزال مترددة في دعم الصفقات في إيران، فإن الدول التي لديها روابط أقل مع النظام المصرفي الأميركي، مثل الصين – التي تُعد أيضا أكبر سوق في العالم للألواح الشمسية ومنتجة رائدة لطاقة الرياح – من المرجح أن تحاول الإستفادة من أهداف الطاقة المتجددة في الجمهورية الإسلامية. وقد أعربت مجموعة شانشي الدولية للطاقة، وهي شركة صينية، عن إهتمامها الفعلي ببناء محطات للطاقة الشمسية تبلغ قدرتها 600 ميغاواط فى جميع أنحاء ايران. وبشكل عام، أظهرت الشركات الصينية في الأشهر الأخيرة أنها على إستعداد للتحايل على القيود الأميركية للقيام بأعمال تجارية في البلاد الفارسية.
حتى العام 2015، أي قبل رفع العقوبات النووية عن البلاد، كانت خطة الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة في إيران بعيدة من الواقع وصعبة التحقيق. ولكن مع إزالة القيود الرئيسية على الاستثمار الأجنبي في البلاد، يرى العديد من الخبراء أن الأهداف الاستثمارية التي تضعها طهران والتي تقضي بتحقيق 10 مليارات دولار بحلول العام 2018 و60 مليار دولار بحلول العام 2025 هي أهداف ممكنة جداً.
ويقول خبراء إن تنمية الصناعة تشمل تحديات مختلفة، بما في ذلك البنية التحتية البالية أو المتخلفة أو عدم وجود خبرة في بعض تكنولوجيات الطاقة المتجددة المتخصصة. ولكن كثيرين هم الذين يعتقدون أن التزام الحكومة القوي بتنويع مزيج الطاقة وتحديث البنية التحتية في ظل اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لا يدع مجالاً للشك بأن الجمهورية الإسلامية تسير في الإتجاه الصحيح.
مع ذلك، فإن إيران تحتاج إلى الإصلاح من أجل تحقيق أقصى إستفادة مُمكنة من إمكاناتها. يجب على طهران أن تجعل نظامها المصرفي أكثر شفافية، وينبغي أن تقلل من بعض الدعم للكهرباء للإظهار بأن الحكومة سوف تفي بوعودها لتعزيز دور منتجي الكهرباء في القطاع الخاص – في مجال الطاقة المتجددة وغيرها. يمكن للشركات المحلية أن تساعد على خلق فرص عمل في قطاع الطاقة المتجددة، ولكن من خلال العمل مع شركات أجنبية التي تعرف كيفية خفض التكاليف، يمكن لإيران أن تفعل أكثر لمساعدة إقتصادها الأخضر على الإزدهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى