برافو ريما خلف!

بقلم كابي طبراني

طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، رسمياً من لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) إزالة التقرير، الذي نشرته في 15 آذار (مارس) الجاري، وتتهم فيه إسرائيل بأنها “نظام فصل عنصري”، من موقعها الإلكتروني. رداً على غوتيريس، قدّمت مساعدة الأمين العام والأمينة التنفيذية لل”أسكوا” ريما خلف إستقالتها من المنظمة، مؤكّدةً على أنها لا تستطيع أن تخالف مبادئها الإنسانية وضميرها. وأشارت إلى أن “الدول الأعضاء القوية” قد ضغطت على غوتيريس من خلال “هجمات وتهديدات شريرة” الأمر الذي دفعه بدوره للضغط من أجل سحب التقرير.
الواقع أن هناك خيوطاً ونقاطاً عدة للنقاش حول إسرائيل والفصل العنصري (أبارتايد). والنتائج التي توصّل إليها التقرير هي ليست بأي حالٍ من الأحوال رائدة وتُقال للمرة الأولى، لكنها تشكّل وثيقة دولية لن تزول من ذاكرة العالم وإن أُزيلت عنوة من الموقع الإلكتروني للمنظمة الدولية. يؤكد التقرير أن إسرائيل أسست نظام فصل عنصرياً هيمنت بواسطته على الشعب الفلسطيني بأجمعه، وأن الوقائع والأدلّة تُثبتان بما لا يدعو مجالاً للشكّ أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مُذنِبة بإرتكاب جريمة الفصل العنصري (أبارتايد) كما تُعرّفها مواد القانون الدولي.
ويؤكد التقرير أن “قصد” الهيمنة العرقية يبدو ظاهراً في عدد من القوانين والممارسات الإسرائيلية، بل يبدو النظام الإسرائيلي مُصَمَّماً لهذا الغرض بشكل جليّ في مجموعة القوانين الإسرائيلية، وبخاصة مبدأ الدولة اليهودية، وهو ما يُثبت بما لا يدعو مجالاً للشك وجود الغرض والمقصد.
ويضيف التقرير أن الهندسة الديموغرافية تمثّل أحد المجالات التي تخدم سياسات إسرائيل في الحفاظ عليها دولة يهودية. وأشهر قانون في هذا الصدد هو قانون العودة الذي يمنح اليهودي أيّاً كان بلده الأصلي حق دخول إسرائيل والحصول على جنسيتها، في حين يُحجَب عن الفلسطينيين أي حق مماثل بصرف النظر عما يحملونه من وثائق وإثباتات.
ويستنتج التقرير بأن إستراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني تُشكّل أسلوباً رئيسياً تفرضه تل أبيب من خلال نظام ال”أبارتايد”، ويبحث في الكيفية التي أدّى بها تاريخ الحروب والتقسيم والضم الرسمي وحكم الواقع والإحتلال المديد في فلسطين -ولا يزال يؤدي – إلى تقسيم وبعثرة الشعب الفلسطيني على مناطق جغرافية مختلفة تُدار بمجموعات مختلفة من القوانين، حيث تعمل هذه التجزئة على تثبيت نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي وإضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وقدرته على مقاومة موحّدة وفعّالة.
من جهتهم يؤكّد المراقبون المتابعون للصراع الإسرائيلي الفلسطيني صحّة هذه المزاعم وحقيقتها. حتى أن المستوطنين اليهود وكبار السياسيين الإسرائيليين يوافقون على أن إسرائيل تُدير نظامَ فصلٍ وغير مساوٍ في الحكم على الاراضي التي تسيطر عليها. لذا، لماذا إذن كل هذه الضجة حول تسمية الفصل العنصري؟
الجواب بسيط. إن تل أبيب تشعر بالقلق بأن تضع تلك التسمية وصمة عار على البلاد حيث لن تكون قادرة على تغييرها أو إزالتها في ما بعد. إن إسرائيل تفضّل تسويق نفسها على أنها دولة ليبيرالية ومستنيرة وحضارية وجدت نفسها فجأة في وضع صعب ومعقّد ومستحيل، تماماً كما كان الحال مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي حاول أن يرسم لنفسه صورة على أنه يواجه مجموعة غير عادية من الظروف.
تُدرك إسرائيل جيداً أنه بمجرد أن تُلصَق بها تسمية الفصل العنصري، فإن العَزل سيتبعها. وستتكثّف دعوات المقاطعة، وسيواجه الإسرائيليون قيوداً على السفر، وستفقد شركاتهم العقود ويصبح مجتمعهم منبوذاً. إنها قوة اللغة والكلمة. لهذا السبب، تحاول إسرائيل مع حلفائها سحق أي محاولة لوصم البلاد بمثل هذه التسميات التي تضعها في مثل هذه المواقف المُحرجة وغير المواتية. ولكن هذه المحاولات قد تكون جاءت متأخرة وبعد فوات الأوان، إذ أن إجراءات تل أبيب الهستيرية المستمرة لن تؤدي إلّا إلى تكثيف النقاش حول الفصل العنصري.
إن التقرير قد أزيل عن موقع المنظمة الدولية ولكن لعنته باقية… برافو ريما خلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى