لماذا تستثمر قطر بشكل كبير في روسيا؟

بعدما خفت ضجيج ديبلوماسيتها في سوريا وليبيا ومصر واليمن، تحاول الدوحة إستعادة دورها الإقليمي المفقود بالتقرب من موسكو مُستخدمةً من أجل ذلك جهازها الإستثماري الضخم والذي تحتاجه روسيا كثيراً في هذه الأيام.

جهاز قطر للإستثمار: أداة سياسية للديبلوماسية القطرية.

بقلم ثيودور كاراسيك*

بدأت قطر أخيراً إبراز عضلاتها المالية لجذب روسيا في محاولة لإستعادة نفوذها السياسي المفقود في النزاع السوري، والشرق الأوسط الكبير. زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني روسيا في كانون الثاني (يناير) لمناقشة الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وقضايا الطاقة. وصرح تميم في حينه بأن “روسيا تلعب دوراً قيادياً في إستقرار العالم”، في حين قال بوتين أن “قطر هي عنصر مهم في الوضع في الشرق الأوسط والخليج”. وهدفت زيارة تميم إلى تحقيق التوازن بين الأحداث في بلاد الشام ومستقبل تأثير الطاقة في إمارته.
وإدراكاً منهم للأهمية المتزايدة لروسيا في الشرق الأوسط، فإن القطريين يحاولون توسيع نفوذهم إلى موسكو من طريق عرض ثروة بلادهم الهائلة. الواقع أن قطر تشكّل شريكاً مفيداً لروسيا بالنسبة إلى المصادر البديلة للتمويل والإستثمار، وقد إستخدمت الدوحة صندوق ثروتها السيادي الكبير للحصول على النفوذ السياسي لدى موسكو من خلال الإستثمار. ويجلس “جهاز قطر للإستثمار” على 335 مليار دولار من الأصول العالمية، مما يجعله في المرتبة 14 الأكبر في العالم. ومن خلال ثلاثة إستثمارات رئيسية، فإن هذا الجهاز يملك أكثر من 2.5 ملياري دولار من الأصول في روسيا.
في العام 2013، إشترى “جهاز قطر للإستثمار” حصة بقيمة 500 مليون دولار في “في تي بي” (V.T.B)، أحد البنوك الروسية الرائدة المُعاقَب حالياً من قبل الغرب. في تلك السنة، أصبح الرئيس التنفيذي للجهاز، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، عضواً في مجلس إدارة “صندوق الإستثمار المباشر الروسي”، وهو صندوق الثروة السيادي الروسي. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أقدم الجهاز القطري على إستثماره الثاني في روسيا حيث أصبح شريكاً بنسبة 25 في المئة في مطار بولكوفو في مدينة سانت بطرسبرغ.
وفي كانون الثاني (يناير) أقدم الجهاز السيادي القطري على أكبر إستثمار له حتى الآن في روسيا. بالتزامن مع الشركة البريطانية “غلينكور” (Glencore)، وضع الصندوق السيادي القطري اللمسات الأخيرة على إستثماره البالغ 11.3 مليار دولار في شركة “روسنفت” الروسية لمشاريع المنبع والخدمات اللوجستية والتجارة العالمية في قطاع الطاقة. وتمثّل هذه الصفقة خُمس ملف خصخصة شركة النفط العملاقة الروسية.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الصفقة كانت أكبر عملية بيع وشراء في قطاع النفط والغاز العالمي في العام 2016. وكان تحرك “جهاز قطر للإستثمار” أكبر صفقة إستثمار مباشر أجنبي في فضاء الطاقة عالمياً. وكون روسيا الدولة المستفيدة فهي تؤكد حاجة البلاد إلى تنمية إقتصادها.
من جهتها تملك شركة “بي بي” (B.P) أيضاً حصة 19٪، كما أن شركات بريطانية ترتبط بعلاقات قطرية لديها حالياً ما يقرب من 40 في المئة من “روسنفت”.
ومع ذلك، فإن العوامل التي تقود الإستثمار القطري في روسيا مُعقَّدة بسبب مجموعة من التطورات الجيوسياسية الجارية. كانت قطر معارضاً صريحاً لحليف روسيا الرئيسي بشار الأسد. الآن يجب على الدوحة إعادة تقييم موقفها من الحرب الأهلية السورية لتسترجع دورها وتظل وثيقة الصلة من خلال الموازنة بين المصالح السعودية والروسية حيث تريد الرياض السيطرة على سلوك جارتها وموسكو تسعى إلى تحقيق العديد من الأرباح الجيوسياسية قدر الإمكان. بعد سنوات من التوتر المتصاعد بين الدوحة والرياض، فقد خفف تميم الإحتكاك والخلاف من طريق مواءمة سياسة قطر إلى حد كبير بشكل وثيق مع السياسة الإقليمية للمملكة العربية السعودية، في كل من سوريا واليمن. مما لا شك فيه بأن إستمرار دعم الدوحة للمتمردين السوريين يحدّ من المدى الذي يمكن فيه لقطر أن تحسّن علاقتها السياسية مع الكرملين. وفي الوقت عينه، إذا تخلّى القطريون عن جهودهم لإطاحة النظام في دمشق، والذي، يمكن القول، قامت به تركيا أخيراً، فإن المملكة العربية السعودية سوف تبقى معزولة إلى حد ما والدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تزال تعزّز وتدعم القوات المناهضة للأسد في سوريا.
يسعى “جهاز قطر للإستثمار” إلى تأمين موقف ديبلوماسي في روسيا فيما موسكو وطهران ودمشق تواصل العمل جنباً إلى جنب لتعزيز مصالحها المتبادلة في ساحة المعركة السورية. ويعترف القطريون بأن شبكة الثوار السوريين التي تدعمها الدوحة قد فشلت في تحقيق هدفها. لذا، فإن “اللعبة اللطيفة” التي تمارسها قطر مع موسكو من خلال الإستثمار في روسنفت يمنح الدوحة موقفاً تفاوضياً أفضل في جميع أنحاء العالم العربي فيما إستثمارات الإمارة السياسية في مصر وليبيا قد أنتجت أيضاً نقصاً في الغلة والعائد.
في الصورة الجيوسياسية الأعظم، تسعى قطر إلى التحوّط لرهاناتها في وقت يبدو المسؤولون في الدوحة قلقين على نحو متزايد بشأن علاقتهم مع شاغلي البيت الأبيض الجدد. وعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب لتوقّع أن ينتهي التحالف بين الولايات المتحدة وقطر، فإن حديث الرئيس الأميركي الجديد عن سياسة “أميركا أولاً” الخارجية يثير المخاوف في دول الخليج العربية. وهناك قلق خاص إزاء إحتمال أن تسعى إدارة دونالد ترامب إلى طلب المزيد من المال من الدوحة لتمويل مقر القيادة المركزية الأميركية في قطر. كما لم تختفِ من المعادلة المخاوف من أن دعم قطر ل”إخوان المسلمين” يمكن ان يثير إحتكاكاً وخلافاً في علاقات الدوحة وواشنطن، مع السياسة الخارجية لترامب ودائرته التي تناهض بشدة الاسلاميين. والجدير بالذكر، أن قطر كانت الدولة الخليجية العربية الوحيدة التي أدانت بشكل خفيف قرار ترامب بحظر سفر المسلمين إلى أميركا.
بالطبع، تنظر روسيا أيضاً سلباً إلى سياسة قطر الخارجية الموالية للإسلاميين، وهذه النظرة مُتجذّرة في شكوك موسكو في أن الدوحة كانت ترعى الشيشان الإرهابيين الجهاديين في تسعينات القرن الفائت. ولذلك، فمن غير المحتمل أن يجد القطريون الكرملين أكثر تعاطفاً مع الدعم الذي قدموه ل”الإخوان المسلمين” من إدارة ترامب. ومع ذلك، فإن قطر لا تحاول أن تحلّ موسكو محل واشنطن كضامن للدفاع عنها. بدلاً من ذلك، تسعى الدوحة إلى إكتساب قدرة أكبر على المناورة والنفوذ وجهاً لوجه مع واشنطن من خلال تعميق شبكتها من الشركاء، التي تضم روسيا، جنباً إلى جنب مع الصين والهند وتركيا. على الأرجح تريد قطر من موسكو أن تتصرف كوسيط لإستئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدوحة ودمشق لكي تستطيع المشاركة في جهود إعادة الإعمار، على غرار جهودها السابقة في قطاع غزة ولبنان.
يمكن القول، أن قطر ليست لديها خيارات جيدة في سوريا. إن إستمرارها في دعم المتمرّدين سوف يوضّح فشل الدوحة في التأثير في نتيجة الحرب الأهلية في البلاد بشروطها. ومع ذلك، فإن قطع الدعم للقوات المناهضة للأسد سيكون قبولاً مُهيناً بالهزيمة في صراع حيث إستثمر فيه القطريون كثيراً منذ العام 2011. ولكن، من خلال الوصول إلى، والتواصل مع، روسيا، بغض النظر عن مواقفهما المتعارضة في سوريا، فإن قطر تعمل شيئاً فعلته دائماً بشكل جيد: الحفاظ على علاقات وثيقة واقعية مع القوى الكبرى لجميع الاطراف المعنية بخطوط الصدع الجيوسياسية. لقد كانت قطر بالمثل قادرة على الحفاظ على علاقة خاصة مع إيران، رغم دعم الجارتين الصريح لوكلاء متنافسين في سوريا والعراق. الآن، تتحوّل قطر إلى أداة سياسية فريدة – صندوقها السيادي – للتأثير في نهاية اللعبة السياسية في سوريا. وتأمل الدوحة بأن يحقق نشاط صندوقها السيادي نتائج إيجابية على أرض الواقع في بلاد الشام، التي فشلت حتى الآن في تحقيقها خلال الحرب الأهلية الدائرة.
عموماً، تستخدم قطر صندوقها السيادي لأغراض سياسية، ولكن أيضاً لعائدات مستقبلية من سوق الطاقة في روسيا. وتعترف الدول العربية بأن موسكو هي الآن لاعبة أساسية في أزمات الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن الدوحة تستخدم “جهاز قطر للإستثمار” للحصول على مزيد من النفوذ لديها.

• دكتور كاراسيك هو حالياً كبير المستشارين في “تحليلات دول الخليج”، وهي شركة إستشارية جيو-إستراتيجية مقرها في واشنطن. وكان سابقاً محاضراً مساعداً في كلية دبي للإدارة الحكومية التي تُدرّس العلاقات الدولية على مستوى الدراسات العليا.
• كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في أسواق العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى