عيد ميلاد سعيد إفريقيا

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

إفريقيا بقعة سوداء فوق خريطة تبيت شمسها وتبيض في البيت الأبيض، أما خراجها من فوم وعدس وبصل ومنٍّ وسلوى، فيصب دائماً في حجر الرجل الأبيض ولو كره المتنطّعون محروقو الجباه. والإستقلال في إفريقيا ليس سوى قشرة برونزية فوق وجه ينزّ بياضاً وقبحاً. أما تحية العَلَم، فهي ليست سوى طقس من طقوس الولاء البائسة لحكام لا تأخذهم في الحمق لومة لائم ولو إشتعلت رؤوسهم شيباً وسقطت مقدمات أسنانهم. وعلى شعوب إفريقيا أن تمضغ قات الإنتظار المُمضّ حتى يبلغ الكتاب أجله، فيموت المعمرون، أو يرث الله الأرض ومن عليها.
يحق لروبرت موغابي أن يقف أمام الكاميرات فاغراً فاه عن إبتسامة لم تعد تُظهِر بياض أسنانه، ليطالب الشعب الزيمبابوي منحه فرصة أخرى للبقاء، فإما موغابي أو الفوضى أو كما يقول الشرق-أوسطيون. من حق موغابي أن يوزّع كعك الوطن – الفقير جداً – على ثلة المُنتفعين حوله والذين أنفقوا بسخاء (من خزينة الوطن طبعاً) على حفل ميلاد رئيسهم المُفدّى. ماذا تعني العروق النافرة في رقبته، والتجاعيد المُتهدِّلة في محياه؟ وماذا تعني السنوات التي مرت كئيبة على شعب لا يجد قوت يومه، وينتظر غروب شمسه كلما أقبل الصباح؟ ماذا يعني الجهل والمرض والفقر لشعب لا يعرف من الحياة غير ذلك؟ ألا يستحق رئيسهم المُفدّى، والذي خلّصهم من ذلّ الإستعمار ليُسلّمهم إلى ذل الحاجة إحتفالاً يليق بربيعه الثالث والتسعين؟
عيد ميلاد سعيد أيها الثائر المُفدّى، ولو كره الزيمبابويون. يمكنك الآن أن تمدّ قدميك النخرتين في وجه الخرائط بعد أن أشرقت شمس الحريات من مغربها، ولوى دونالد ترامب ذراع تمثال الحرية ودقّ عنقه. يمكنك أن تُجاهِر بقبحك، وتُنفق على حفل تأبين الحريات في بلادك مليون دولار، من جيب وطن يربط مواطنوه حجارة الصبر فوق بطونهم الخاوية منذ سبعة وثلاثين عاماً، في إنتظار رغد العيش الذي منّيتهم به ذات تنصيب. ويمكن للمُنتفعين حولك أن يسبحوا بحمدك ويُقدِّسوا لك، لتُصوِّر الكاميرات المتعطشة للفساد وجوههم اليابسة والنياشين فوق صدورهم وهم يضحكون ملء أشداقهم لتنقل الصورة رائعة الدمامة محطات العالم الذي لم يعد حراً أبداً.
من حق زعيم زيمبابوي المُفَدَّى أن يقف قريباً من جماجم المُعتَرِضين على تنصيبه الميمون ليُلقي خطبة التشفّي، ولا عزاء لآباء المتمردين الذين تحوّلوا بضغطة زر فاجرة من مصابيح تَحرُّرٍ إلى ثلة من المتآمرين على الوطن ومستقبل المواطن. أما جيشك الذي أحسنت تدريبه كوريا الشمالية، فمن حقه أن يدق بكعوب بنادقه الصدئة رفات من ماتوا دفاعاً عن أحلامهم.
عيد ميلاد سعيد سيدة غريس. دام وجودك الميمون وطلتك المدهشة، وحفظك الله لرجل حفظ الوطن قدر ما يستطيع، طيلة فترة حكم لا يعلم إلا الله متى تنتهي، وبقيت سيدة زيمبابوي الأولى مئة عام قاحلة أخرى، وكان الله في عون شعب زيمبابوي الذي أدمن الإصطبار والإنتظار والقهر والبلادة. وكان الله في عون إفريقيا التي ما خُيِّرت بين فساد وفوضى إلا إختارت الفساد.

• أديب وكاتب وإعلامي مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى