الفضائح التي قد تطيح نتنياهو

أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في 17/02/2017 انه سيتخلى عن منصبه كوزير للإتصالات بعدما إستجوبته الشرطة بسبب مزاعم عن تفاوضه على صفقة لضمان تغطية إعلامية جيدة له مع مالك صحيفة.
وقد إستجوبت الشرطة نتنياهو ثلاث مرات في قضيتين جنائيتين بسبب إساءة إستخدام السلطة. وإذا ثبتت التهم الموجهة ضده، فمن المرجح إن يؤدي الإضطراب السياسي المترتب عن ذلك إلى الضغط على نتنياهو لكي يتنحّى.

مع زوجته ساره: علب سيجار له ومجوهرات وشمبانيا لها.
مع زوجته ساره: علب سيجار له ومجوهرات وشمبانيا لها.

رام الله – سمير حنضل

في أثناء قيادة السيارة على الطرق الإسرائيلية، كثيراً ما يرى السائق لافتات بدائية تُوجِّه الضيوف نحو مراسم الأعراس. وقبل أسابيع قليلة، نُشِرَت لافتة من هذا النوع على الطريق المؤدي من القدس الى مدينة اللد، حيث يقع المقر الرئيسي لوحدة الشرطة “أهاف 433″، المتخصصة في التحقيق في الفساد، حيث كُتِب عليها: “إلى التحقيق مع بيبي وساره”.
التحقيقات مع بنيامين نتنياهو ألقت فعلياً ظلاً طويلاً على الساحة السياسية في إسرائيل. في حين أن الشرطة الإسرائيلية لم تستدعِ رئيس الوزراء إلى اللدّ الشهر الفائت، فقد جرى إستجوابه للمرة الثالثة في كانون الثاني (يناير) في مقر إقامته في القدس حول شبكة معقّدة من فضائح الفساد التي يجد نفسه متورّطاً فيها بشكل متزايد.
التفاصيل المُسرَّبة من التحقيقات – خصوصاً سلوك نتنياهو الشاذ وغير المألوف – يُنظر إليها على نطاق واسع كدليل بأن رئيس الوزراء، هذه المرة، هو في ورطة كبيرة. إنتخاباتٌ جديدة – ربما أيضاً نهاية الحياة السياسية لنتنياهو – تُعتبر فجأة إحتمالاً وارداً.
بإختصار، إن نتنياهو هو حالياً قيد التحقيق في ما لا يقل عن ثلاث فضائح. الأولى (المسماة “حالة 1000” من قبل الشرطة) تتعلّق بهدايا باهظة الثمن إعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية وزوجته بقبولها من أصدقاء أثرياء. واحدٌ من هؤلاء الأصدقاء يُدعى أرنون ميلتشن، وهو قطب إسرائيلي يعيش في الولايات المتحدة جمع ثروته من صناعة الترفيه. وتشتبه الشرطة بأنه، على مر السنين، أعطى ميلتشن الزوجين هدايا تصل قيمتها إلى حوالي 180,000 دولار – بما فيها علب سيجار باهظة الثمن (له) وشمبانيا ومجوهرات (لها).
خلال معظم ذلك الوقت، كان ميلتشن مالكاً جزئياً لمحطة التلفزيون الإسرائيلي القناة 10، التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية للحكومة من أجل البقاء. ومن المرجح أن تقوم الشرطة بالتحقيق في ما إذا كانت ملكية ميلتشن للقناة لها علاقة بكرمه من الهدايا.
في التحقيق الثاني المركزي (“حالة 2000”) هناك رجل أعمال آخر يُدعى أرنون موزيس، وهو ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ثاني أكبر الصحف اليومية الإسرائيلية.
من المعروف أن نتنياهو وموزس هما خصمان سياسيان لكنهما عقدا سلسلة من الاجتماعات السرية في الأشهر التي سبقت إنتخابات العام 2015. وتشتبه الشرطة أنهما قد ناقشا صفقة سرية: موزس يحدّ من إنتقادات الحكومة في صحيفته (وموقعها المؤثر “Ynet”)، وفي المقابل يقوم رئيس الوزراء بإقناع “إسرائيل توداي” (Israel Today)، اليومية المجانية التي تشكل أكبر منافس ل”يديعوت أحرونوت”، بأن تطبع نسخاً أقل. وكانت “إسرائيل توداي” تأسست في العام 2007 من قبل شيلدون أديلسون، الملياردير الأميركي اليهودي المحافظ، من أجل دعم عودة نتنياهو السياسية.
وقد أحرجت الفضيحة نتنياهو على مستويات مختلفة. إذ تبيّن أنه في الوقت الذي كان يحشد أنصاره ضد موزس، فقد كان في الواقع يتفاوض معه. كما ناقش أيضاً فرض قيود على الأعمال التجارية ل”إسرائيل توداي” من وراء ظهر ولي نعمته، أديلسون، بعدما ذكر علناً انه لم يشارك في مثل هذه القضايا.
كيف عرفت الشرطة كل هذا؟ حسناً، إتضح أن نتنياهو، من الأتباع المتعطّشين للسياسة الأميركية، تعلم شيئاً من ووترغيت. رئيس أركانه السابق سجّل الإجتماعين بالصوت والصورة على هاتفه المحمول، والذي تمت مصادرته من قبل الشرطة في أثناء تحقيق آخر، لا علاقة له بموضوع نتنياهو.
الفضيحة الثالثة ( “حالة 3000”) لم يتم بعد ربطها مباشرة بنتنياهو. إنها تنطوي على شبهات بإرتكاب مخالفات تتعلق بالتفاوض بشأن صفقات أسلحة ضخمة بين إسرائيل وألمانيا، حيث ناقشت تل أبيب خلالها لشراء غواصات وسفن من الصانع الألماني “تيسن كروب” (ThyssenKrupp). وذكرت القناة العاشرة أن محامي نتنياهو الشخصي، وأحد أقربائه، ومستشاره المقرّب ديفيد شمرون يمثل أيضاً رجل الأعمال الإسرائيلي الذي تفاوض على الإتفاق بين الحكومة وشركة بناء السفن الألمانية.
ينفي كلٌّ من شمرون ونتنياهو بشكل قاطع أن رئيس الوزراء يعرف أي شيء حول هذا الموضوع. ولكن الأمر يرقى إلى تضارب محتمل في المصالح إذا كان المحامي الذي يمثل نتنياهو في المفاوضات السياسية والمسائل الخاصة – كما أجرى مقابلات كممثل له في وسائل الإعلام الإسرائيلية – يحصل على الكثير من المال من تمثيله لرجل الأعمال الذي بدوره يحصل على المزيد من المال لأن إسرائيل تشتري سفناً باهظة الثمن من حوض مُعيَّن لبناء السفن.

دوامة من الجدل والتآمر

معظم الجدل بين نتنياهو والشرطة لا يركّز على وقائع هذه القضايا. لقد إعترف نتنياهو بتلقيه الهدايا ولقائه مع موزس؛ إدّعى فقط بأنه سمح بقبول هذه الهدايا وبأن لقاءاته مع موزس لم تكن تختلف عن المفاوضات السابقة بين الناشر النافذ وبعض من سبقوه. وبقي محافظاً على تكرار القول: “إنهم لن يجدوا أي شيء، لأنه لا يوجد شيء”. ورداً على إنتقادات وسائل الإعلام المتزايد، إتهم رئيس الوزراء أخيراً “وسائل الاعلام اليسارية” بالتآمر ضده في “مطاردة بولشيفية”، ودعا الشرطة والنائب العام إلى عدم الإذعان للضغوط الخارجية.
الواقع أن نتنياهو ليس أول رئيس وزراء إسرائيلي يخضع إلى تحقيق قضائي في قضية فساد – أرييل شارون وإيهود باراك خضعا للتحقيق سابقاً، وإيهود اولمرت لا يزال في السجن. ولكن سلوك نتنياهو في الآونة الأخيرة يوحي بتزايد البُعد بينه وبين الحياة اليومية لمواطنيه. إن حقيقة أن مكتبه كان مشغولاً بدفع مبادرة لبناء “البيت الأبيض الإسرائيلي” في القدس وشراء طائرة “إير فورس 1” (كما الرئيس الأميركي)، اللذين يكلفان معاً مئات الملايين من الدولارات، لا تساعده كثيراً.
إن القانون الإسرائيلي لا يجبر رئيس الوزراء على الإستقالة، حتى بعد توجيه التهمة إليه. وإذا بدأ إئتلافه التفكك، يمكن لنتنياهو الإعلان عن إجراء إنتخابات جديدة، حيث من الممكن أن يفوز. الأهم من ذلك، إن حلفاءه السياسيين ليسوا مستعدين لحلّ أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل بسبب مزاعم فساد. “لا تُطيح رئيس وزراء بسبب بضع علب سيجار”، قال نفتالي بينيت، زعيم الحزب اليميني “البيت اليهودي”.
لكن هناك دلائل تشير بشكل متزايد إلى أن الطبقة السياسية في اسرائيل تدرس إنتخابات جديدة كسيناريو مرجح. في الشهر الفائت، تحوَّل المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي إلى نادٍ للقتال بين الساسة الإسرائيليين، من داخل وخارج الإئتلاف على حد سواء. هاجم بينيت بقوة نتنياهو، من دون أن يذكر إسمه، لإظهاره عدم اليقين خلال الحرب مع “حماس” في غزة في صيف العام 2014. إن تقرير مراقب الدولة، الذي سيصدر الشهر المقبل، من المتوقع أن ينتقد بشدة سلوك نتنياهو خلال الحرب في حين سيشيد ببينيت لغرائزه ومبادرته. ويدفع بينيت أيضاً نتنياهو للإستفادة من الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم مستوطنة “معالي أدوميم” في الضفة الغربية وإعلان نهاية حل الدولتين.
من جهته كان نتنياهو حذراً منتظراً أول لقاء له مع ترامب الذي عقده في وقت سابق من هذا الشهر قبل إتخاذ مثل هذه الخطوات. لقد أجلَت حكومته أخيراً مستوطنة “عمونا”، التي كانت تُعتبر غير قانونية من قبل المحكمة العليا. ولكنه وافق فعلياً على بناء الآلاف من الوحدات السكنية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وإنشاء أول مستوطنة جديدة منذ ربع قرن، أملاً في تخفيف بعض الضغط من بينيت وقادة حركة المستوطنين. وأصدر البرلمان الإسرائيلي أيضاً في أوائل الشهر الجاري قانون إضفاء الشرعية بأثر رجعي على البؤر الإستيطانية التي بُنيت بصورة غير قانونية في الضفة الغربية.

البحث عن أعداء جدد

لكن النتيجة الأكثر إثارة للقلق في الأزمة السياسية الحالية قد تتصل بسلوك إسرائيل الدولي. نتيجة للإضطرابات في العالم العربي وإضعاف جيوش الدول المجاورة، يعتقد مجتمع المخابرات الإسرائيلية حالياً بأن الفرص لحرب تقليدية واسعة النطاق مع جيران تل أبيب ضئيلة للغاية. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتهديدات غير التقليدية – “حماس” في غزة، والإضطرابات الفلسطينية في الضفة الغربية، و”حزب الله” في لبنان، وفروع “الدولة الإسلامية” في شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان – فإن الوضع يبدو أكثر خطورة من أي وقت مضى. في بعضٍ من هذه الجبهات، يبدو أخيراً كما لو أن إسرائيل هي على بعد خطوتين فقط من حسابات خاطئة من تصعيد كبير.
السبب الرئيسي للنجاح السياسي المستمر لنتنياهو هو حقيقة أن معظم الناخبين الإسرائيليين يثقون به في المسائل المتعلقة بالأمن. إنه يحافظ على سمعة مزدوجة من الصلابة والحذر، والتي هي في غاية الأهمية بالنسبة إلى سكان شهدوا عقوداً من الهجمات الإرهابية.
كان نتنياهو فعلياً حريصاً على عدم توريط إسرائيل في حروب لا داعي لها. وعلى النقيض من سلفه، إيهود أولمرت، الذي جر إسرائيل إلى الحرب في لبنان وغزة في غضون ثلاث سنوات. حتى حرب غزة في العام 2014، أكبر صراع خلال فترة نتنياهو، فكانت أساساً نتيجة لإستفزاز “حماس” لرئيس الوزراء للرد. أما بالنسبة إلى تركيز نتنياهو الإيراني، فمن الجدير ذكره أنه في نهاية المطاف لم يأمر أي هجوم على المواقع النووية الايرانية. ونجح أيضاً بإبقاء إسرائيل خارج سفك الدماء في سوريا منذ نحو ست سنوات.
ولكن الآن قد تكون الأمور مختلفة. يبدو أن نتنياهو مصمم على القتال بضراوة من أجل البقاء السياسي. وفي ظل هذه الظروف، هناك إغراء لتصعيد الرقابة التي قد تُقنع الجمهور الإسرائيلي بأنه هو الزعيم الوحيد الذي يمكنه أن يرعى أمنهم في منطقة معادية للغاية. الرئيس الأميركي الجديد، وهو زعيم أكثر تقلباً بكثير من نتنياهو، قد يجعل الأمور أكثر تعقيداً. هذه المرة، يكاد لا يوجد أي شخص يستطيع نتنياهو التشاور معه حول الجبهة الداخلية. وزيرا الدفاع السابقان إيهود باراك وموشي يعلون، وكذلك دان مريدور وبيني بيغن، كلهم طُرِدوا من حكومته.
لذلك يعتمد اليسار والوسط الإسرائيليين أكثر فأكثر على رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي إيزنكوت. كان أسلافه فعّالين في إقناع نتنياهو بعدم مهاجمة إيران بين عامي 2009 و2013 – والآن صارت وظيفة إيزنكوت بمثابة المسؤول الإسرائيلي الذي عليه إقناع ولجم نتنياهو من التهور العسكري..
مع ترامب في المكتب البيضاوي وهو على رأس حكومة يمينية، فإن نتنياهو يجب أن يكون فرحاً في هذه اللحظة من الإنتصار. بدلاً من ذلك، فإن التهديدات لتنحيته عن السلطة تتراكم بسرعة كبيرة. قبل أسابيع عدة، أجبرت مشكلة الصرف الصحي الضباط في “اهاف 433″، التي تحقق في فضائح بيبي، على إخلاء مؤقت لمكاتبهم.
في إقامتهم في القدس، مع علب السيجار وزجاجات الشمبانيا الوردية التي يصل سعر الواحدة منها إلى 200 دولار، قد يكون آل نتنياهو غابت عنهم ولم يستطعوا الملاحظة. إن كثيراً من الإسرائيليين بدأوا يشمّون الرائحة الكريهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى