كيف نجح “الإخوان المسلمون” في الكويت وعادوا إلى دائرة الضوء

على الرغم من الحرب المُعلَنة على جماعة “الإخوان المسلمين” وإعتبارها منظمة إرهابية في مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يبدو أن جناحها السياسي في الكويت، “الحركة الدستورية الإسلامية” أو “حدس”، عرف نجاحاً أخيراً وفاز بأربعة مقاعد نيابية في مجلس الأمة في الإنتخابات المُبكِرة التي جرت في العام الفائت. كيف كان ذلك؟ وهل ل”حدس” مستقبل مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ وما هو رد فعل الدول الخليجية على ذلك؟

الحركة الدستورية الإسلامية الكويتية (حدس): هل تتسلل إلى باقي دول الخليج؟
الحركة الدستورية الإسلامية الكويتية (حدس): هل تتسلل إلى باقي دول الخليج؟

بقلم جورجيو كافييرو *

بعد مقاطعته الإنتخابات البرلمانية في العامين 2012 و2013، شارك جناح “الإخوان المسلمين” السياسي في الكويت، “الحركة الدستورية الإسلامية” أو “حدس”، في الإنتخابات المبكرة في العام الماضي. فاز أربعة من أصل خمسة من مرشحي الحركة، الأمر الذي أعاد “حدس” مرة أخرى إلى مجلس الأمة الكويتي المؤلف من 50 عضواً. لقد أكدت الإنتصارات الإنتخابية نظام الكويت الفريد وشبه الديموقراطي للحكم في مجلس التعاون الخليجي، حيث يُحظّر قادة الدول الأعضاء الأخرى جماعة “الإخوان المسلمين” ويعتبرونها منظمة إرهابية.
عودة “حدس” إلى الحياة البرلمانية في البلاد توضّح تماماً تسامح حكام آل الصباح” مع كلٍّ من الإنتقاد الإسلامي والليبرالي، ولو ضمن حدود، للحكومة الكويتية. إن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، ليست لديها مثل هذا التسامح مع قوى الإسلام السياسي. فبسبب رؤيتهم لجماعة “الإخوان المسلمين” على أنها تهديد أمني لبلادهم، فإن المسؤولين في أبو ظبي يحظرون فرع الجماعة الإماراتي، “جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعي”، ولا يسمحون له المشاركة في الساحة السياسية الإماراتية. ولأنهم قلقون بسبب حركات الإصلاح ونشطاء المعارضة التي إجتاحت المنطقة منذ العام 2011، فإن المسؤولين في دولة الإمارات ينظرون إلى “جماعة الإخوان المسلمين” كتحدٍّ للإمارات والقيادات الأخرى في دول الخليج العربي.
الواقع أنه منذ “الربيع العربي”، سعت الإمارات إلى إنشاء منطقة خالية من جماعة “الإخوان المسلمين” في دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي الأوسع. في الماضي، ضغطت الإمارات، جنباً إلى جنب مع دول الخليج العربي الأخرى، ومصر، على قطر للتخلي عن علاقاتها مع الإسلاميين كأفراد وحركات. ومع ذلك، من غير المرجح أن تغيّر أبو ظبي جوهرياً في علاقاتها مع الكويت رغم المكاسب الإنتخابية التي حققتها “حدس” في العام الفائت. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإماراتيين قد حثّوا نظراءهم الكويتيين للإنضمام إلى أبو ظبي وإعتبار جماعة “الإخوان المسلمين” منظمة إرهابية، فإن معظم القادة في الخليج يتقبلون ويقبلون الفكرة بأن الحياة السياسية في الكويت هي ديموقراطية فريدة وشفافة، ويثقون بأن السلطات الكويتية قادرة على وضع الإسلاميين في بلادها “تحت السيطرة”. بالنسبة إلى الجزء الأكبر، يبدو أن هناك تفاهماً مشتركاً في دول مجلس التعاون الخليجي بأنه طالما حدً الإسلاميون الكويتيون أهدافهم بمعالجة القضايا المحلية – مثل الفساد، وتنفيذ الإصلاحات الإقتصادية، ورفع القيود المفروضة على حرية التعبير، وتعزيز برامج المحافظة الإجتماعية مثل الحفاظ على فرض الحظر على المشروبات الكحولية والملاهي الليلية – فإن وجود نواب “حدس” “في مجلس الأمة مقبول ولا يشكّل تهديداً للأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي.
مع ذلك، في الماضي تناول أعضاء “حدس” قضايا دولية، الأمر الذي ضغط على العائلة المالكة الكويتية لإقامة توازن دقيق بين تلبية مطالب الدائرة الإنتخابية الإسلامية المُحافِظة والحفاظ على التحالفات القوية الإقليمية. على سبيل المثال، بعدما أطاحت المؤسسة العسكرية المصرية المدعومة من دول مجلس التعاون الخليجي محمد مرسي في العام 2013، فإن إدانة أعضاء “حدس” للجيش المصري، والدعم الذي تلقاه من حكام آل الصباح، خلقت توترات مع معارضي “حدس” الذين إتهموا الحركة بعدم الولاء، والتخريب، و إقامة علاقات مع منظمات إرهابية عالمية. في العام 2015، أقدم مبارك الدويلة — العضو الكويتي البارز في جماعة “الإخوان المسلمين” الذي خدم في البرلمان من 1985 إلى 2003 – على “إهانة” ولي عهد أبو ظبي على قناة “المجلس” التلفزيونية، مدّعياً بأن الشيخ محمد بن زايد قد إعتنق موقفاً شخصياً وعدوانياً ضد الإخوان”. وأسفرت هذه الكلمات إلى إستدعاء النائب الكويتي السابق إلى المحاكمة في المحكمة الإتحادية العليا في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي لم يحضرها، بتهمة إهانة القيادة الإماراتية. وقد حُكم على الدويلة غيابياً بالسجن لمدة خمس سنوات.
على الرغم من هذه الحلقات وسلسلة الأحداث الماضية، يبدو أن “حدس” حالياً هي في وضع جيد للحفاظ على دورها في الحياة البرلمانية الحيوية والملوّنة في الكويت، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى البراغماتية في المناورات السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين” الكويتية. مُدرِكةً بأنها تفتقر إلى الوسائل اللازمة لضمان غالبية المقاعد في المجلس التشريعي الوطني في الكويت، فإن “حدس” تعمل مع غير الإسلاميين من النواب لتحقيق مصالح مشتركة مثل تحرير النظام السياسي. ولتجنب مصير “الإخوان المسلمين” في دول عربية أخرى، حيث شهدت الحركة عقوداً من القمع، فإن قدرة “حدس” على البقاء قوة فاعلة ومشروعة في الساحة السياسية الكويتية تتطلب إحترام شرعية حكام آل الصباح. وبسبب تجذّرهم في تجربة “الإخوان المسلمين” الكويتية، فإن أعضاء “حدس” يفهمون ويُدركون مخاطر النظر إليهم وإعتبارهم على أنهم أكثر ولاء للحركة الإسلامية العابرة للحدود من الأمير. منذ حرب الخليج الأولى (1990-1991)، التي تلقّى خلالها صدام حسين دعماً من فروع “الإخوان المسلمين” في العديد من دول الشرق الأوسط، فإن “حدس”، التي تشكلت رسمياً في أعقاب التحرير، بذلت جهداً كبيراً لإثبات إلتزامها بالمصالح الوطنية الكويتية فوق أي قضية دولية.
مع إعتبار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إيران على أنها التهديد الأمني الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي، فمن المرجح أن ترحّب القيادتين في الرياض والمنامة بدعم “حدس” للجهود العربية السنّية لمواجهة جدول أعمال طهران الإقليمي. وفقاً لمحاورين في الخليج العربي، فإن تسمية السعوديين لجماعة “الإخوان المسلمين” منظمة إرهابية ليست حقيقيةً تماماً وأن المسؤولين في الرياض يسمحون لأعضاء “حدس” بالسفر والتنقل بحرية في جميع أنحاء المملكة. ونظراً إلى مواقف “حدس” المُعادية لطهران، فإن أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” في الكويت يقولون بأن قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على توحيد المسلمين السنة في الخليج ضد نفوذ طهران الواسع والموحد سيعتمد على السماح للحركة بالعمل بشكل علني في دول الخليج العربي. ويبدو أن القيادة السعودية الحالية توافق على ذلك، كما يتضح من تحسن العلاقات بين المملكة ومختلف فروع جماعة “الإخوان المسلمين” في جميع أنحاء المنطقة مثل “حماس” في فلسطين، وحزب “جبهة العمل الإسلامي” في الأردن، وحركة “النهضة” في تونس.
إن الذي ما زال علينا رؤيته هو كيف ستنظر الإدارة الأميركية الجديدة إلى تسامح الكويت مع الفرع المحلي لجماعة “الإخوان المسلمين” بإعتبار أن الدائرة الداخلية لدونالد ترامب تشمل أولئك الذين يعتبرون الحركة منظمة إرهابية متطرفة. لا يتوقع الكويتيون من واشنطن أن تُقدِم على تغيير جذري في طبيعة العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والكويت مع ترامب في المكتب البيضاوي، على الرغم من المخاوف حول إصرار الرئيس الأميركي الخامس والأربعين على أن الدول المسلمة الحليفة بما في ذلك الكويت ينبغي عليها أن “تدفع حصتها العادلة” للدرع الأمن الذي يوفره الجيش الأميركي، وهو موقف إتخذه ترامب منذ ثمانينات القرن الفائت. وعلى الرغم من أن مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة ترامب، مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين، ومدير ال”سي آي إي” مايك بومبيو، هم ضد “الإخوان المسلمين” بشكل قوي، فإنه يبدو من غير المحتمل أن حرية “حدس” في الكويت ستخضع إلى تغييرات بسبب أي ضغوط من البيت الأبيض. بعد التحالف التى قادته الولايات المتحدة قبل ستة وعشرين عاماً لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي، فإن الكويتيين من جميع الألوان السياسية، بمن فيهم أعضاء “حدس”، ما زالوا ممتنّين بأن أميركا جاءت للدفاع عنهم خلال أخطر أزمة تمر بها بلادهم في فترة ما بعد الإستقلال. علماً أنه منذ طرد القوات العراقية في العام 1991، لم تُحرّك “حدس”ساكناً مطلقاً ضد الوجود العسكري الأميركي على الأراضي الكويتية.
مع تركيز إدارة ترامب على مواجهة إيران والعمل بشكل وثيق مع السعوديين أكثر من الإدارة السابقة لتحقيق هذا الهدف، فإن الكويت من المرجح أن تلعب دوراً مهماً في السياسة الخارجية لواشنطن في الشرق الأوسط. وعلى غرار الفرع المحلي لجماعة “الإخوان المسلمين” في البحرين، “المنبر الإسلامي”، الذي يتلقى الدعم من حكام آل خليفة في المنامة في سياق حشد السنة في المملكة الصغيرة ضد المعارضة الشيعية المحلية والأجندة الإيرانية في المنطقة، فمن المرجح أن تستفيد “حدس” من التطورات الجارية في المنطقة فضلاً عن الساحة السياسية الديموقراطية نسبياً في الكويت. وطالما بقي “الإخوان المسلمون” في الكويت براغماتيين وعمليين سياسياً، فإن “حدس” سوف تحافظ على حريتها في المشاركة في الحياة البرلمانية وإنتقاد الحكومة من دون عبور أيٍّ من الخطوط الحمراء.


• جورجيو كافييرو هو الرئيس التنفيذي والمؤسس ل”تحليلات دول الخليج”، وهي شركة إستشارات للمخاطر الجيوسياسية مقرها في واشنطن.
• هذا التقرير كُتِب بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى