ليتها صمتت!

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

لم تعد شعوب عالمنا البائس تنتظر خيراً من قادم ولا إحساناً من مقيم، ولم تعد تكترث لإراقة دم، أو تنتفض لإنتهاك حرمة، فقد دجّنتها الأحداث وأهّلتها لإنتظار الأسوأ عند كل المنعطفات. فإذا ما ذهب زيد أو جاء عمرو، قلب الأعرابي البائس وجهه في السماء في إنتظار صفعة من هنا أو ركلة من هناك. فإذا تأخّرت اللطمة أو تأجّلت، ظلّ مطأطئ الرأس حاسر القفا، ممنياً النفس أن لا تكون الضربة أوجع من سابقتها .. ثم يؤمن ويحوقل ويغمض عينيه.
لكن القفا العربي يبدو أنه سيرتاح مؤقتاً بعد أن صرف صاحب الكف الغليظة وجهه عنه ويمّم وجهه شطر إيران ليهش على غنم أخرى. حتماً سيضحك الأعرابي في نفسه، ويغري من تحت الطاولة أصحاب الهراوات بالرشى ليقنعهم بالنزول عند السواحل الأخرى حتى يعدل هندامه ويرفع سرواله ويرتاح قليلاً، وهو يُمنّي نفسه الأمارة بالحمق بمهلة قد تطول في بلاد فارس. سيصفق الأعرابي التعس حتى تحمرّ كفّاه تشجيعاً للقادم السفيه، وإن سفّه دينه وسبّ عشيرته ومنع ذوي القربي والمساكين من دخول أميركا بسبب أو من دون سبب.
فإن لم يجد العدو مبرِّراً لإنتهاكه القانون الإلهي والدساتير البشرية، برّر له صاحبنا طيشه، وإختلق له المعاذير. فليرفض الأميركيون زعيمهم، ولينتقدوا ممارساته العنصرية ضد العرب والمسلمين كما يشاؤون، أما العربي الفطن، فهو يرى أن في المنع رحمة قد لا تتبدّى للعيان، وأن صاحب القرار البغيض بمنع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أراضيه حر في بواباته الحدودية، يغلقها متى يشاء في وجه من يشاء.
ولو علمت مستشارة البيت الأبيض “كيليان كونوي” أن العرب أفصح منها بياناً وحجة، لما أوقعت نفسها وإدارتها في ورطة كهذه. فقد بررت المسكينة التي لم تقرأ تاريخ العنف ومساره جيداً منعها الهاربين من جحيم العراق من القدوم إلى جنة واشنطن بأنهم خططوا ونفذوا مذبحة “بولينغ غرين” في ولاية كنتاكي في العام 2011 ضد الأميركيين العُزَّل. وليت شقراء البيت الأبيض لم تبرّر لولي نعمتها قراره الذي إتخذه عن سابق حمق قبل قدومه إلى البيت الأبيض، فما كان أغناها عن ذلك!
يبدو أن بيضاء البيت الأبيض لم تقرأ من خبر “بولينغ غرين” إلا عنوانه، الذي إتُّهم فيه العراقيان محمد شريف حمادي ووعد رمضان علوان بتزويد عناصر القاعدة في العراق بالمتفجرات، رغم أنهما قد إعترفا بجرمهما، فنال أحدهما حكماً بالسجن مدى الحياة، أما الآخر فسجن أربعين عاماً. أي أن “بولينغ غرين” لم تشهد مذبحة ولا تحرشاً. يومها، كان القتل في العراق على الهوية يجري على قدم وساق، وكانت شركة “بلاك ووتر” الأميركية تمارس القتل والسحل والإرهاب في حق العراقيين العزل. ويومها، لم يطالب أحد من أحرار العالم الحر بإدراج جيش المرتزفة القادم من كل فج كريه ضمن المنظمات الإرهابية.
أخطأت “كيليان كونوي” حين برّرت قرار سيد البيت الأبيض الجديد بحرمان العراقيين ومن يسوسهم من الحصول على تأشيرة أمان في عالم لم يعد فيه أمان لعربي. وكان الأحرى بها أن تستشير الساسة العرب، البارعين جداً في إختلاق المعاذير وإنتحال المبررات. كان يكفيها أن تصمت، لأننا لم نعد ننتظر مبرراً لكراهية أو تبريراً لعنف أو تفسيراً لضربة من هنا أو ركلة من هناك.

• أديب وكاتب وإعلامي مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى