عون يسير على خيط مشدود بين السعودية وإيران

بقلم كابي طبراني

قام الرئيس ميشال عون بأول زيارة خارجية له يوم الإثنين الفائت (9/1/2017). ولم يكن من قبيل المصادفة أن وُجهَتها كانت المملكة العربية السعودية.
قد يبدو الأمر بالنسبة إلى كثيرين غير بديهي، لأن عون، أساساً بسبب تحالفه الوثيق مع “حزب الله” الموالي لإيران، كان بُعتَبر معادياً للمملكة. كما لم يكن السعوديون من جهتهم متحمسين لفكرة رئاسة عون، لأنهم كانوا ينظرون إليه كمرشح لطهران وحلفائها.
ومع ذلك، مثل هذه الآراء لم يعد لها مكان بمجرد تحقيق عون طموحه في الوصول إلى قصر بعبدا، ذلك أنه يحتاج إلى إعادة تركيز رئاسته بطريقة تعكس الإجماع اللبناني وإرضاء السنّة في لبنان كما فعل مع الشيعة. وكانت هناك أيضاً أسباب أكثر واقعية لإقدام الرئيس على تلبية دعوة السعوديين، ليس أقلها أن لبنان لا يستطيع أن يُنفّر دول الخليج.
لقد تدهورت العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل حاد خلال العامين الماضيين. في أوائل العام الفائت، أعلنت السعودية أنها ستوقف مساعداتها للجيش وقوات الأمن اللبنانية البالغة 4 مليارات دولار. جاء ذلك في أعقاب رفض وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، صهر العماد عون، إدانة الهجمات التي تعرّضت لها البعثة الديبلوماسية السعودية في إيران إثر إعدام المملكة لرجل دين شيعي.
أكثر من ذلك، لقد نقل مُقرَّبون من الرياض بأن السعوديين كانوا مستائين من حقيقة أن المعارضة ل”حزب الله” في لبنان ليست قوية بما فيه الكفاية. وطُرِد بعض اللبنانيين من الخليج بسبب علاقات مزعومة مع الحزب الشيعي اللبناني، وواصلت دول الخليج على ثني مواطنيها من السفر إلى لبنان – الأمر الذي سبب ضربة كبيرة نظراً إلى الصعوبات الإقتصادية التي تواجهها البلاد، وحقيقة أن السياح الخليجيين هم المحرّك الرئيسي لقطاع السياحة اللبناني.
من ناحية أخرى، إستعرض السعوديون أيضاً عضلاتهم وذكّروا اللبنانيين بأن بلدهم لا يستطيع البقاء كما هو طويلاً بسبب وقوعه تماماً في مجال المصالح الإيرانية. وكان القلق بشكل خاص في بيروت من أن يُقدِم السعوديون على سحب وديعة المليار دولار التي وضعوها في مصرف لبنان المركزي. في حين أن التأثير الإقتصادي من ذلك كان يمكن أن يكون صغيراً، إلّا أنه آتٍ بعد ذيول قرار البنك الأهلي التجاري السعودي بإغلاق فروعه في لبنان، فكان يمكنه أن يشكّل ضربة قوية بالنسبة إلى الثقة في الإقتصاد.
الواقع أن الثقة هي ما يُبقي لبنان واقفاً على قدميه إقتصادياً. العمود الفقري المالي للبلاد هو القطاع المصرفي، وزيارة عون الى المملكة العربية السعودية هي في جزء منها إعتراف بأهمية دول الخليج في ضمان إستمرار الإستقرار المالي. مع ذلك، قبل أن يغادر الرئيس عون إلى الرياض، كان هناك قليلٌ من الوضوح حول ما كان يأمل تحقيقه أكثر من إعادة بناء العلاقات.
والسبب في هذا الغموض هو أن الشكوك ما زالت مستمرة لدى السعوديين أنفسهم بالنسبة إلى العماد عون. والدليل على ذلك أن القليل قيل في الرياض حول نقض قرار عدم تمويل الجيش. إن العلاقة السياسية التي تربط منذ عشر سنين الرئيس اللبناني مع “حزب الله”، هي في كثير من الأحيان موجَّهة ضد الحليف السعودي الرئيسي في لبنان، سعد الحريري، وهو أمرٌ لا يٌنسى بسرعة. إلّا أن الدعوة السعودية لعون إلى زيارة المملكة كانت وسيلة لإظهار أنها منفتحة ومستعدة لنقاش جديد.
السعوديون أنفسهم أيضاً قد أخذوا مساراً مختلفاً بالنسبة إلى الحريري، الذي عاد إلى رئاسة الحكومة اللبنانية. لقد تم ضمان وتأمين إنتخاب العماد عون رئيساً عندما طلب الحريري من كتلته النيابية التصويت له. ويعتقد كثيرون بأن الحريري قد فرض قراره على مملكة قلقة، وهي خطوة سهّلها ترك السعوديين الحريري في وضع مالي حرج في العام الماضي، وسط إدعاءات بأنهم غير راضين عن أدائه.
كان القرار السعودي بإستقبال عون إعترافاً بإستعدادها لتأييد دعم الحريري للرئيس الجديد، حتى لو كان على الرياض بعد إيجاد حل والتغلب على الصعوبات الخطيرة التي تواجهها شركة المقاولات “سعودي أوجيه” التي يملكها الحريري في المملكة. ولكن من المحتمل أيضاً أن قرار التعامل بشكل مختلف مع الحريري، وعدم جعله نقطة محورية في السياسة السعودية في لبنان، قد سهّل النهج الجديد لعون.
في حين أن المملكة كانت تنظر بشكل مختلف إلى لبنان قبل عام، فإنه لا يوجد يقين بأن الوضع يمكن أن ينعكس سريعاً. إن السعوديين سيراقبون عن كثب كيفية تعامل عون مع سوريا، على سبيل المثال، وعما إذا كان سيلتقي الرئيس بشار الأسد. كما سيراقبون بدقة إتصالات لبنان مع إيران، ومع المسؤولين الإيرانيين الذين يزورون بيروت بشكل منتظم. سيستمر لبنان في محاولة المشي على حبل مشدود في المنطقة، مع عين حذرة على دول الخليج.
ولكن ما يمكن أن يراه السعوديون، كما اللبنانيون، هو أنه من الصعب وضع “فيتو” والإعتراض على أحد في الديبلوماسية الإقليمية. إن عزل إيران لم يعد ممكناً كما هو الأمر مع عزل المملكة العربية السعودية ودول الخليج. بالنسبة إلى معظم البلدان، إن التعامل مع كلٍّ من جانبي الإنقسام الإقليمي السعودي-الإيراني هو ضرورة.
إن نتائج زيارة الرئيس عون إلى السعودية سوف تكشف إذا كان التوازن الدقيق في لبنان لا يزال قابلاً للتطبيق. ولكن من طريق سفره أولاً إلى المملكة، فقد أظهر الرئيس اللبناني أنه يعتقد بأن ذلك التوازن ما زال موجوداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى