إيران تزيد إيراداتها … والتوترات الإقليمية

مع بدء العد العكسي لنهاية العام 2016، ماذا حققت إيران خلال هذا العام؟ وهل إستفادت من توقيع الإتفاق النووي مع الدول الست؟ وما هو بالتالي حال وضعها الإقتصادي؟ مراسل “أسواق العرب” في طهران يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في التقرير التالي:

المرشد الأعلى آية الله علي حامنئي: يوازن بين المعتدلين والمتشددين
المرشد الأعلى آية الله علي حامنئي: يوازن بين المعتدلين والمتشددين

طهران – هشام الجعفري

بالنسبة إلى إيران، فإن 2016 يمكن تلخيصه على أنه عامُ إعادة تركيز الإهتمام على المصالح الإقتصادية، وكذلك التشبّث بمبادئ سياستها الخارجية الأساسية.
في 16 كانون الثاني (يناير) 2016 – يوم تنفيذ الإتفاق النووي المعروف ب”الخطة الشاملة المشتركة للعمل” – رُفعت العقوبات أخيراً وعادت إيران إلى ملعب النظام المالي العالمي.
وكانت لقطاع النفط والغاز الإيراني أيضاً بداية جديدة. فقد زاادت طهران صادراتها النفطية من 1 مليون برميل يومياً الى حوالي 4 ملايين. وقفزت الواردات الآسيوية من إيران إلى ما يقرب من 92 في المئة، وفقاً لوسائل الأنباء الإيرانية. وإرتفعت المبيعات إلى تركيا ودول أوروبية أخرى بسرعة وأصبحت إيران ثالث أكبر منتج في “أوبك”.
من ناحية ثانية حاولت إيران أيضاً جذب إستثمارات أجنبية. لقد نجح رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني في توقيع إتفاقات كبرى مع بعضٍ من أكبر شركات الطيران والنفط والغاز في العالم.
على سبيل المثال، وقّعت طهران إتفاقاً تاريخياً مع شركة “بوينغ” الأميركية. وهذه هي أول صفقة تجارية تُبرمها الجمهورية الإسلامية مع شركة طيران أميركية منذ سبعينات القرن الفائت. كما وضعت إيران أيضاً اللمسات النهائية على مشترياتها من الطائرات من شركة “إيرباص” الأوروبية.
ومن جهتها وقّعت شركة “توتال”الفرنسية إتفاقاً مع شركة النفط الوطنية الإيرانية “لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي (حقل القبة الشمالي)، أكبر حقل غاز في العالم”.
وقد تمت صفقة أخرى مع شركة “رويال داتش شل” التي وقعت إتفاقاً مؤقتاً مع شركة النفط الوطنية الايرانية “لمواصلة إستكشاف مجالات التعاون المُحتمَلة”.
ولم تتضاعف فقط إيرادات إيران، ولكن الأهم من ذلك، أن طهران قد عززت علاقاتها مع الغرب من خلال هذه الإتفاقات الإقتصادية والتجارية.
الواقع أن هذه الإتفاقات تُعطي ضمانة ومرونة لإيران في مواجهة الضغوط المُحتمَلة في المستقبل من الغرب أو ضد إمكانية محاولة الولايات المتحدة نقض الإتفاق النووي.
بعبارة أخرى، فإن الدول الأوروبية والآسيوية ستكون أقل ميلاً لتعريض إستثماراتها للخطر في إيران من خلال العودة إلى عصر التوترات السياسية والإنتقادات والعقوبات ضد إيران.
والتحدث جيوسياسياً، فإن إعادة تركيز الإهتمام على المصالح الإقتصادية قد أعطى إيران الإغاثة المالية اللازمة لتحقيق طموحاتها وأهدافها الإستراتيجية والإقليمية.
وعزّز هذا العام أيضاً وضع فيلق الحرس الثوري الإيراني. لقد عرض هذا الحرس عضلاته في بلدان عدة في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى تصاعد التوترات بين إيران ومنافسيها الإقليميين، مما تسبب في مزيد من إنعدام الأمن الإقليمي والصراعات والمآسي الإنسانية.
وبعبارة أخرى، على الرغم من الفكرة أن إيران قد عادت الى المجتمع الدولي، وعلى الرغم من الإعتقاد الخاطئ بأن المعتدلين في إيران يبدو أنهم يتغلبون على المتشددين، فإن طهران لم تغير أبداً الركائز الأساسية لسياستها الإقليمية والأجنبية.
المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وَازَن بدهاء بين المعتدلين، الذين جلبوا إيرادات للحكومة، والمتشدّدين الذين قمعوا المعارضة، في حين لا يزال يدير عملية توسيع النفوذ والطموحات الإقليمية الإيرانية. وللحفاظ على مصالحه السياسية والضيقة وتعزيزها، فقد أصرّ خامنئي على الحفاظ على القيم الثورية الإيرانية.
والتحدث محلياً، فإن زيادة تركيز إيران على الإقتصاد، وإرتفاع إيراداتها لا تصل خيراتهما إلى السكان أو تسهّل حياة الشعب الإيراني العادي. لقد ظلت معدلات البطالة والتضخم في مستويات عالية قياسية.
ويعود سبب هذا جزئياً إلى الصفقات المالية الايرانية التي تُجرى كلها على مستوى الدولة. إن المستفيدين من تلك الصفقات بشكل رئيسي هما الحرس الثوري ومكتب خامنئي.
إن الفساد وسوء الإدارة الإقتصادية قد فاقما المشاكل الإقتصادية للناس العاديين. وبالإضافة إلى ذلك، فيما كسب المتشددون قوة مالية، فإن القيود المفروضة على الحرية والعدالة الإجتماعية قد زادت.
في الختام، على الرغم من أن إيران ليَّنت سياساتها الإقتصادية هذا العام، وإزدهرت مالياً، فإن طهران بقيت أكثر صرامة وتزمتاً بالنسبة إلى أهداف سياستها الخارجية التقليدية وتنفيذها بالقوة الصلبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى