لماذا قد يُطبِّق ترامب طريقة أوباما في سوريا

بقلم كابي طبراني

لقد قيل الكثير عن أن الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب سوف يتبع سياسات تتناقض بشكل صارخ مع سياسات سلفه باراك أوباما. قد يكون ذلك صحيحاً في معظم المجالات، ولكن ربما ليس عندما يتعلق الأمر بالصراع السوري.
في الحقيقة، إن الفرق بين ترامب وهيلاري كلينتون لتغيير نهج واشنطن بالنسبة إلى سوريا لم يكن أبداً كبيراً جداً. لقد وضع أوباما حدوداً صارمة على العمليات الأميركية في الصراع. وهذا الأمر سمح لحليفتي الرئيس بشار الأسد، روسيا وإيران، بفرض وقائع جديدة على الأرض أدّت إلى تحييد فعال لما يمكن لأميركا أن تفعله.
ومع ذلك، في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في الأسبوع الماضي، كان ترامب حريصاً على التأكيد على إختلافه مع أوباما. وذكر أنه قد يقطع المساعدات الأميركية عن المتمردين السوريين، مدّعياً بأنه “ليست لدينا فكرة من هم هؤلاء الناس”.
وتابع ترامب كلامه ليقدم هذا المنطق لتغيير سلوك أميركا: “موقفي كان، أنتَ تقاتل سوريا، وسوريا تقاتل “داعش”، وعليك التخلّص من “داعش”. روسيا قد إنحازت الآن تماماً إلى سوريا، ولديك أيضاً إيران التي أصبحت قوية، بسببنا، ومتحالفة مع سوريا”. وبهذه الطريقة، واصل ترامب، إذا خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد نظام الأسد، فسينتهي الأمر بنا إلى “محاربة روسيا”.
إذا كان هناك فارق بسيط في منطق الرئيس المنتخب، فقد كان قريباً جداً من المنطق الذي إعتمدته إدارة أوباما: تجنّب التدخل العسكري المباشر إلى جانب المعارضة لتجنّب أي مواجهة مع موسكو، والتركيز على مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” وليس نظام الأسد، وقطع، أو على الأقل حدّ، المساعدة العسكرية الأميركية للمتمردين.
في الواقع، إن المساعدات العسكرية للمتمردين السوريين التي كانت تمر عبر الحدود الأردنية قد توقفت وذلك لأن الحدود قد أغلقتها عمّان. ويعتقد الجميع بأن واشنطن قد لعبت دوراً في ذلك الإغلاق.
أما بالنسبة إلى التعاون مع روسيا ضد جماعات مثل “داعش” أو “جبهة فتح الشام (سابقا جبهة النصرة)، فقد كان ترامب بالكاد مبتدعاً على هذه الجبهة أيضاً. في الأسبوع الفائت، أمر أوباما وزارة الدفاع الأميركية بإستهداف قيادة “جبهة فتح الشام”، التي ربما كانت القوة العسكرية الأكثر فعالية في معارضة الرئيس الأسد. لقد كان هذا هدف الولايات المتحدة منذ أشهر عدة، وفي إقدامه على ذلك، فإن قرار أوباما يمكن أن تكون له تداعيات على المعارضة السورية وبالتالي تأثير في نتيجة الصراع السوري.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغيّر حقاً هو أن نفاق أوباما – جهوده للإيحاء بأنه كان يدعم الثوار السوريين فيما كان ينفذ ويتخذ إجراءات تمنعهم من الحصول على أي ميزة حاسمة ضد نظام الأسد – سيتم التخلي عنه لشكل من إنحياز أكثر إنفتاحاً وعلنية.
صحيح أن النفاق يمكن أن يفي بالغرض. لقد قضى أوباما خمس سنوات في تنفيذ سياسة جعلت الناس يعتقدون انه يسعى إلى تنحية الرئيس الأسد. ولكن من دون الإنجراف إلى نظريات المؤامرة، فإن الواقع كان دائماً مختلفاً جداً. تحت ستار عدم الرغبة في إشراك الولايات المتحدة في حرب إقليمية جديدة، فقد رفض الرئيس الأميركي إجبار الأسد على الإستقالة من منصبه خوفاً من يؤدي الأمر إلى الفوضى العارمة.
ولعل ترامب سوف يلتقط ذلك عندما يتسلم مقاليد الأمور. وفيما حذّره مستشاروه بأن وقوفه علناً مع النظام الروسي الذي يشارك في قصف السكان المدنيين بشكل واسع النطاق لا يُعطي صورة جيدة عن إدارته، فإن الرئيس الجديد قد يدور ويحوم ليعود إلى تطبيق طريقة أوباما. أي أنه سيترك المجزرة تتواصل، ولكن يدّعي أنه يقف إلى جانب العدالة.
لهذا السبب، في حين أن العديد من السوريين قلقون من إدارة ترامب وعدم رغبته في التعرف على الفروق بين الجماعات المناهضة للأسد، فإن القليل قد يتغيّر. سوف تستمر واشنطن بإعطاء مساحة واسعة لروسيا وايران لفعل ما تشاءان في سوريا، والسماح للقتال بتحديد نهاية اللعبة.
ولزيادة الطين بلة، قد ينفذ ترامب وعده الإنتخابي ونيته المعلنة بوقف ومنع دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة. وإذا أدت سياساته في سوريا إلى زيادة تدفق اللاجئين نحو أوروبا، فإن هذا سيمثل مفارقة مريرة بأن حلفاء أميركا هناك سوف يشعرون بقسوة أكثر.
يصل ترامب إلى البيت الأبيض بشكل غريب لأنه راهن على مواقف قوية بشأن صراع يبدو تقريباً أنه كان يجهله تماماً. ولكن لتحديد ووضع اللوم عليه فقط لن يكون عادلاً. أوباما، وهو المطلع البارز على أوضاع سوريا، قد وضع نفسه، ربما عن قصد، في زاوية. لقد ناورت روسيا عليه وفازت، مما أتاح رسم تشكيل للوضع الذي برّر تراخي أميركا في سوريا، بحجة أن أي فعل ستقوم به واشنطن اليوم يمكن أن يجعل الأمور أسوأ.
ويبقى … أن إستمرار ملايين السوريين بالمعاناة جوعاً وتشريداً وقتلاً هي مأساة. لئلا ننسى، إن الأنانية الأميركية تدوّخ العالم وتؤرقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى