العلاقات الأميركية – الخليجية: توصيات للإدارة المُقبلة

عرفت العلاقات الأميركية – الخليجية برودة منذ 8 سنوات، الأمر الذي أدّى إلى فقدان الثقة بين واشنطن وعواصم مجلس التعاون الست. ومع إنتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة هل هناك نية لإعادة الحرارة السابقة بين الشركاء القدامى؟ وكيف يكون ذلك؟
الخبير في شؤون الخليج العربي جيرالد فايرستاين يحاول في المقال الآتي إعطاء بعض الوصايا للإدارة الأميركية المقبلة.

الرئيس المنتخب دونالد ترامب: هل يعيد الحرارة مع دول الخليج العربي؟
الرئيس المنتخب دونالد ترامب: هل يعيد الحرارة مع دول الخليج العربي؟

بقلم جيرالد فايرستاين*

سوف تواجه الولايات المتحدة مجموعة جديدة ومختلفة جداً من التحديات في علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الأربع المقبلة. للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تأتي إدارة جديدة إلى السلطة في واشنطن في كانون الثاني (يناير) المقبل وهي تواجه “عجزاً في الثقة” أو عدم ثقة بالنسبة إلى إدارة علاقاتها مع شركائها في الخليج العربي. إن التصويت الساحق في الكونغرس لتجاوز “فيتو” الرئيس باراك أوباما على تشريع “جاستا” (JASTA) قد فُسِّر في المنطقة على أنه تخفيض للتأييد الشعبي للعلاقات بين واشنطن والدول الخليجية العربية. وبالتالي فإن هذا التصويت قد عزّز الشكوك المتنامية في منطقة الخليج حول ما إذا كانت أميركا ستبقى ضامنة موثوقة ومتّسقة للأمن والإستقرار في المنطقة، وهو أمرٌ كان مُتوَقَّعاً بعد سلسلة من الإجراءات والخيارات السياسية الأميركية من سوريا إلى “الربيع العربي” إلى الإتفاق النووي مع إيران. وهذا بالطبع لا يعني أن قرارات الإدارة في كلٍّ من هذه الحالات كانت خاطئة أو سيئة، لكنها ولّدت شكوكاً بين شركاء أميركا.

التحدّيات التي تواجه العلاقات الأميركية – الخليجية

كانت النتيجة المباشرة لعدم اليقين في المنطقة حول مدى موثوقية الولايات المتحدة تسريع الإستقلال المتنامي في سياسات الدول الخليجية والإستعداد للقيام وحدها بأي عمل حيث تتباين المصالح الأميركية والخليجية. في الآونة الأخيرة، قاومت دول مجلس التعاون مبادرات أميركية سياسية مهمة، وأصبحت أكثر إستعداداً بكثير ل”القول لا”. وبرز هذا الإستقلال بشكل أكثر وضوحاً في المسائل المتعلّقة بإيران، ولا سيما القرار السعودي بالإستمرار بالحملة العسكرية في اليمن على الرغم من ضغوط واشنطن لقبول وقف إطلاق النار، وكذلك رفض طلبات الإدارة الأميركية لتعزيز العلاقات وزيادة الدعم المالي للعراق المُتصدِّع.
لكن مبادرات دول مجلس التعاون السياسية المستقلة تتجاوز المنافسة مع إيران وتشمل أيضاً قرار الرياض وأبو ظبي بتوفير الدعم المالي الكامل لحكومة عبد الفتاح السيسي، على الرغم من تفضيل الولايات المتحدة ربط المساعدات الإقتصادية للقاهرة بإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية. وتُقدّم دولة الإمارات أيضاً الدعم العسكري للواء خليفة حفتر في ليبيا، على الرغم من أن أميركا تدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة. كما تجاهلت الدول الخليجية تشجيع واشنطن ومطالبتها بزيادة الدعم للحكومة الجديدة في تونس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إستمرار الضعف المُحتمَل في أسعار النفط سيجلب مجموعة منفصلة من التحديات التي تواجه واشنطن وتقوّض الإعتماد الأميركي الطويل المدى على دول الخليج العربي كمصدر موثوق لتمويل أهدافهما المشتركة في المنطقة وخارجها. إن التغيّرات في ديناميكية الإقتصادات النفطية في هذه المجتمعات ليست كلها سلبية تماماً. فالضغط على تنويع الإقتصادات والبحث عن مزايا تنافسية لا تعتمد على النفط، يمكنهما مساعدة المجتمعات في المنطقة لكي تصبح أكثر شمولاً، ومساعدة سكانها على الإنخراط بشكل أوسع في الشؤون الوطنية، وتشجيع الإبتكار والمخاطرة. ومع ذلك، مع إستمرار إرتفاع التكاليف المتوقَّعة للإنعاش وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في العراق وسوريا واليمن، فإن الولايات المتحدة ستجد دول مجلس التعاون شركاء أكثر تردداً في إتخاذ إلتزامات مالية ضخمة بالنسبة إلى المشاريع التي سوف تستتبع.
على الرغم من أن دول مجلس التعاون كانت بمنأى عن إضطرابات “الربيع العربي” (بإستثناء البحرين)، فإنها تواجه العديد من الضغوط عينها من إرتفاع عدد السكان الذين يطالبون بالتغيير الذي أدّى إلى إضطرابات سياسية في مصر وتونس وليبيا واليمن. إن معالجة هذه المطالب إستباقياً بخلق أنظمة سياسية وإقتصادية أكثر إنفتاحاً يمكن أن تخفّف الضغط، ولكنها من المرجح أن تؤدي إلى تركيز منعزل أكثر على المخاوف المحلية.

إعادة بناء الثقة

في ضوء هذه التحديات التي ستواجه العلاقات الأميركية – الخليجية على مدى سنوات عدة مقبلة، فإنه أمر أساسي بأن تجعل الإدارة الجديدة في واشنطن إستعادة الثقة المتبادلة مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي بين أعلى أولوياتها في الأشهر الأولى من تسلمها السلطة. إن مبادرة الرئيس باراك أوباما بجدولة إجتماعين قمة سنويين مع نظرائه الخليجيين- واحدٌ في المنطقة والثاني في الولايات المتحدة – لقيت إستقبالاً حسناً من قبل قادة مجلس التعاون وينبغي أن تستمر. ومن شأن رحلة يقوم بها الرئيس الجديد إلى الخليج، يُفضَّل أن تكون قبل رمضان 2017 (أواخر أيار (مايو) – أواخر حزيران (يونيو))، أن تُرسل إشارة إيجابية إلى أن أميركا ملتزمة بالمنطقة.
لن يكون أي جانب من سياسة الولايات المتحدة أكثر أهمية لدول مجلس التعاون الخليجي من تحديد كيف تنوي الإدارة الجديدة التعامل مع المسألة الإيرانية في مرحلة ما بعد الإتفاق النووي الأممي مع طهران. في حين تتفق غالبية المراقبين على أنه ينبغي على واشنطن “طمأنة” دول الخليج بأن إلتزامها مستمر بالنسبة إلى أمنها في مواجهة التحركات الإيرانية العدوانية، فإن إنخفاض مصداقية التأكيدات الأميركية في السنوات الأخيرة يعني بأن التعهدات الشفوية لن تكون كافية. بدلاً من ذلك، كخطوة أولى، ينبغي على واشنطن تعزيز العملية التشاورية مع نظرائها في العواصم الخليجية لتطوير عناصر رئيسية لنهج مشترك حيال إيران، ويُفضَّل أن يكون ذلك مصحوباً بتوصيات مُحددّة تُلزِم كلا الجانبين على تنفيذها. من دون منازع، فإن السياسة التي تؤدي إلى إنخراط بنّاء لإيران ومتكامل عن كثب مع المجتمع الدولي الأوسع سيكون مفيداً للجميع، بما في ذلك لدول مجلس التعاون الخليجي. ولكن السياسة لتحقيق هذه الغاية لا يمكن أن تنجح إذا ما نظرت إليها دول المنطقة على أنها ستأتي على حسابها أو على أنها لعبة محصلتها صفر حيث أن نجاح هذه السياسة سوف يعني فقدان أمنها.
إن الحرب الأهلية في اليمن هي بؤرة المواجهة بين السعودية الإيرانية اليوم، حيث من جهة جذبت الدعم العسكري السعودي والحليف للحكومة الشرعية، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2216، ومن ناحية أخرى جذبت في المقابل أيضاً الدعم العسكري الإيراني للمتمردين الحوثيين وحلفائهم . إن سياسة الولايات المتحدة ذات المسارين التي تدعم بهدوء قوات التحالف التي تقودها السعودية في الوقت نفسه الذي تدعم الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع زاد الضغط فيما يواصل الصراع مسيرته، وتصاعدت الخسائر في صفوف المدنيين، وإبتليت الحملة العسكرية السعودية بفشل مأسوي وإنعدام الكفاءة. وعلى الرغم من هذه الضغوط، مع ذلك، فإن حساسية المخاوف الأمنية المشروعة للمملكة العربية السعودية هي أمر أساسي. يجب على أميركا أن تعترف بأن موطئ قدم إيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية على حدود المملكة العربية السعودية هو “خط أحمر” لا يمكن أن نتوقع قبوله من السعوديين. إن إحترام المصالح السعودية وتأكيد واشنطن على دعمها لجهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية أمران لا يتعارضان. والواقع أن موقفاً أميركياً مُحدَّداً بوضوح في دعم السعوديين قد يُسهم في مواقف أكثر واقعية من قبل الطرفين على طاولة المفاوضات ويعزز من وضع مبعوث الامم المتحدة الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وقد عزز التأخير المُفرِط في إتخاذ القرارات من قبل الإدارة الأميركية بالنسبة إلى المبيعات المقترحة من المعدات العسكرية إلى المنطقة أيضاً أسئلة حول إلتزامات الولايات المتحدة للأمن الإقليمي. لذا على الإدارة الجديدة أن تتخذ خطوات لإعادة الإتساق والشفافية إلى التعاون الأمني الأميركي – الخليجي ومبيعات الأسلحة إلى دول المنطقة. لا تحتاج واشنطن إلى الموافقة على كل طلب للحصول على معدات عسكرية متطورة تطلبه دول الخليج العربية. ولكن مجموعات العمل الأمني التي أتفق عليها في إجتماعات القمة يمكن أن تكون بمثابة إطار لوضع معايير وأولويات للمبيعات. وينبغي إتخاذ القرارات في وقت ملائم وإبلاغها إلى الحكومات والكونغرس.
كما ذُكِر أعلاه، فإن التقشف في موازنات كل دول مجلس التعاون سوف يجبرها على أخذ حذر أكثر في مجال تخصيص الموارد، مع إعطاء الأولوية لمعالجة الإحتياجات المحلية. وفعلياً، فقد إتخذت الحكومة السعودية خطوات لخفض الدعم والإنخراط في تدابير تقشف أخرى والحكومات الأخرى في المنطقة تحذو حذوها. إن هذه الحقبة الجديدة من التقشف تؤثر في الإنفاق على المساعدات الخارجية، كذلك. في الماضي، كان صناع السياسة الأميركية عشوائيين في طلباتهم من الشركاء الخليجيين للمساعدة على دفع الفاتورة لمختلف المبادرات، وأحياناً قليلة الأهمية أو لا أهمية لها لدول الخليج أنفسها. في ضوء الظروف المتغيرة في المنطقة، يتعيّن على الإدارة الجديدة ممارسة قدر أكبر من السيطرة والإشراف على طلبات التمويل من دول مجلس التعاون، وتحديداً وضع الأولويات على الطلبات التي تدعم مشاريع البناء والتنمية أو البرامج الإنسانية في المنطقة.

فرص جديدة

وأخيراً، إن علاقات الولايات المتحدة مع شركائها في المنطقة تقليدياً تركّزت بشكل كبير على قطاعين: الطاقة والأمن. في حين أن الشراكة بين أميركا ودول الخليج قد خدمت كلا الجانبين بشكل جيد لسنوات عديدة، فمن الواضح أن تغييرات مهمة في هذين القطاعين أصبحت تشكل عبئاً أكبر على علاقاتهما. ينبغي على الإدارة الجديدة أن تحدّد مجالات إضافية للتعاون المحتمل الذي يمكن أن يوسّع ويعمّق العلاقات السياسية والاقتصادية بين واشنطن ودول الخليج، ووضع هذه العلاقات الحيوية على أسس أكثر إستدامة على المدى الطويل. والتنويع الاقتصادي في المنطقة سيفتح فرصاً جديدة لعلاقات مثمرة بين القطاعين الخاص في الولايات المتحدة ومنطقة الخليج، وهذا ينبغي تشجيعه. كما أن تغير المناخ هو مجال آخر من مجالات التعاون المحتملة في الجهود العالمية للحد من غازات الإحتباس الحراري، بما في ذلك إتفاق القضاء على المركبات الكربونية من تكييف الهواء والتبريد، التي سوف يكون لها تأثير مفرط على دول الخليج. إن العلماء والباحثين الأميركيين يمكنهم أن يلعبوا دوراً رئيسياً في المساعدة على تطوير عمليات جديدة للمساعدة على التخفيف من التأثير.
إن العلاقات الأميركية القوية مع دول الخليج كانت دعامة رئيسية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لعقود وقد ساهمت بشكل رئيسي في الإستقرار الإقليمي. ومع إستمرار الإضطرابات في المنطقة، فإن علاقات مستقرة بين هؤلاء الشركاء منذ أمد طويل هي أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولكن إختلافات في الرأي وسوء الفهم قد ساهما في إضعاف العلاقات في السنوات الأخيرة. إن الجهود المُبكِرة والمُتقدِّمة من جانب الإدارة الجديدة لوضع العلاقات مع دول الخليج مرة أخرى على أساس ثابت ستشكّل عنصراً حاسماً في سياسة شرق أوسطية ناجحة للمستقبل.

• مدير مركز شؤون الخليج – معهد الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى