غلطة الكونغرس بألف: كيف سيضرّ قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” بالعلاقات الخارجية الأميركية

أقدم مجلسا الكونغرس الأميركي بشكل نادر وبغالبية كبيرة في أواخر أيلول (سبتمبر) الفائت على إلغاء “الفيتو” الرئاسي ضد مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بـ”جاستا” الذي صدر للسماح لأسر ضحايا هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 برفع دعاوى ضد المملكة العربية السعودية للحصول على تعويضات مالية. ولكن يبدو أن أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب صوّتوا بمشاعرهم أكثر من مصالح بلادهم كما يُظهر التقرير التالي:

الملك سلمان بن عبد العزيز: هل سيتفذ التهديد؟
الملك سلمان بن عبد العزيز: هل سيتفذ التهديد؟

واشنطن – باسم رحال

في إستعراض نادر للغاية لموقف موحّد للحزبين، أصدر الكونغرس الأميركي في 28 أيلول (سبتمبر) “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” “جاستا” (JASTA). ويشار إلى هذا القانون شعبياً بإسم “مشروع قانون ضحايا 9/11” لأنه يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، مقاضاة المملكة العربية السعودية في محكمة محلية أميركية لإسترداد تعويضات مالية. مع ذلك، في الممارسة العملية، فإن “جاستا” لا يقتصر على ضحايا هجمات 9/11. كما إنه لا يقتصر على أي دولة أجنبية معينة. إنه يسمح لأي مواطن أميركي مقاضاة أي دولة أجنبية يعتقد بأنها تسببت بأضرار من طريق عمل إرهابي دولي في الولايات المتحدة.
أقر الكونغرس “جاستا” على رغم الإحتجاج القوي من البيت الأبيض، والحكومات الأجنبية، وكبار رجال الأعمال، ومؤسسة الأمن القومي الأميركي. لقد حذّر الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن “جاستا” سيعرّض أفراد الجيش والمخابرات الأميركية لدعاوى قضائية في المحاكم الأجنبية؛ ويؤدي إلى إضعاف العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين؛ ويقلل من فعالية إستجابات الإدارة الأميركية ضد الإرهاب. وبعدما وصفه بأنه “الشيء الوحيد الأكثر حرجاً الذي قام به الكونغرس منذ عقود”، فقد إعترض أوباما بسرعة على مشروع القانون بإصدار “فيتو رئاسي”. مع ذلك، ولأول مرة خلال إدارته، تجاهل الكونغرس حق النقض الذي أصدره أوباما، حيث صوّت مجلس الشيوخ لصالح إقرار المشروع بأكثرية 97-1 ومجلس النواب بغالبية 348-77.
وقد أعرب بعض أعضاء الكونغرس فعلياً ندمهم على تمريرهم “جاستا” بعد ساعات على عملية الإقتراع، خصوصاً بعدما أثار تجاوز وإلغاء “فيتو” أوباما قدراً كبيراً من التحليل حول إمكانات إِضرار مشروع القانون بالأمن القومي. مباشرة بعد تجاوز “حق النقض” الذي أصدره الرئيس الأميركي، نشر 28 من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين رسالة وجهوها إلى رعاة مشروع القانون تنص على رغبتهم في “التخفيف من العواقب غير المقصودة” للأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية. وقال إثنان من كبار الجمهوريين في الكونغرس، زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل ورئيس مجلس النواب النائب بول ريان، بشكل منفصل أنهما كانا مُنفَتحَين لتغيير وتعديل التشريع. وقال ريان انه يود “حماية جنودنا في الخارج” من أي إنتقام محتمل. وقال ماكونيل أن الساسة كانوا “مُركِّزين جداً” على إحتياجات أسر ضحايا 9/11 و “لم يأخذوا الوقت للتفكير بالجانب السلبي المُحتمل للمشروع على علاقاتنا الدولية”. مع الإحباط الذي أصاب الكونغرس والبيت الأبيض فإن كلاً منهما يضع اللوم على الآخر لفشله في وقف القانون وعدم تمريره بدلاً من البحث عن مخرج للورطة. مع وجود الكونغرس في عطلة الآن، فإن الأمل يكمن في تعديل “جاستا” في الدورة العرجاء الأخيرة لهذا الكونغرس بعد إنتخابات تشرين الثاني (نوفمبر).
بطبيعة الحال، لم يكن القرار تحليلاً بسيطاً مبنياً على التكلفة والعائد. هناك عوامل سياسية كانت في اللعب. بالإضافة إلى تقاسم أقصى التعاطف مع أسر الضحايا، فإن الأمر سيكون مُحرِجاً جداً سياسياً لو تم التصويت ضد القرار حيث كان سيُنظَر إليه على أنه تصويت ضد عائلات ضحايا 9/11، وهذا هو السبب بأن أوباما، الذي لا يواجه إعادة إنتخابه، تمكّن من إستخدام حق النقض ضد مشروع القانون. وخلال الحملة، مثل هذا التصويت كان يمكن أن يميل إلى ، أو حتى يتعاطف مع، الإرهاب. وهناك أهمية رمزية ل”جاستا” أيضاً: إن الكونغرس يريد أن يمنح عائلات الضحايا “يومها في المحكمة”، وهو مجاز شعبي في الثقافة الأميركية الذي ينتشر مع قيم راسخة للنزاهة والعدالة. وهذا هو السبب في أن مشروع القانون هذا من المرجح أن يستمر، حتى لو سعى الكونغرس إلى تعديله.
ومع ذلك، قبل أن يتم أي تعديل، يحتاج الكونغرس والشعب الأميركي إلى الإعتراف بالقضايا الخطيرة التي يشملها “جاستا” في شكله الحالي. واقعياً، يوفّر مشروع القانون فرصة كئيبة ضئيلة للتوصل إلى أحكام قابلة للتنفيذ لأسر الضحايا. وعلاوة على ذلك، يجب على الكونغرس أيضاً فهم العواقب السلبية الواسعة والشاملة للسياسة الخارجية الأميركية نظراً إلى دور الولايات المتحدة باعتبارها زعيمة العالم ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب. ومن المفارقات، أن قانوناً هدف إلى توفير العدالة لضحايا الإرهاب يمكن أن يقوّض بشكل خطير ويهدد جهود أميركا لمكافحة الإرهاب في الخارج لأنه يفتح الباب للمواطنين من دول أخرى لإستهداف الأفراد الأميركيين بتهم مماثلة في المحاكم الأجنبية.
فيما أشار أوباما وغيره من خبراء السياسة الخارجية، إلى أن “جاستا” يقوّض المبدأ القانوني لحصانة الدولة ذات السيادة، وهو مبدأ من مبادئ القانون الدولي العرفي. ترى الحصانة السيادية أن الدول القومية هي متساوية، وهو ما يعني أنها لا يمكن أن تخضع لدعاوى قضائية في دول أجنبية. وهذا النوع من الإحترام المُتبادَل يسمح بوجود نظام دولي منظّم وسلمي. وقد إعترفت الولايات المتحدة نفسها بالحصانة السيادية منذ 1812، بتأكيد من رئيس المحكمة العليا جون مارشال في قضية “ذا سكونر إيكستشانج” ضد “ماكفادون” في العام 1809، عندما إستولى الفرنسيون على سفينة تابعة لمواطنَين أميركيين، جون ماكفادون وويليام غريزام، وحوّلوها إلى سفينة حربية. وفي وقت لاحق، عندما أرست البحرية الفرنسية هذه السفينة في فيلادلفيا، حاول الأميركيان إستعادتها من طريق دعوى قضائية ضد الفرنسيين في محكمة أميركية. في نهاية المطاف، وجدت المحكمة العليا أن محاكم الولايات المتحدة ليس لديها إختصاص أو سلطة لمعالجة مثل هذه الدعوى. في رأي مارشال، كانت حصانة الدولة ضرورية للعلاقات الدولية.
حتى القرن العشرين، كانت الحصانة السيادية تُعتبَر مُطلَقة تقريباً. لكن، فيما الحكومات والشركات المملوكة للدولة نمت أكثر بشكل متشابك من خلال الأنشطة التجارية، فقد إشتكت الكيانات الخاصة بأن الحصانة السيادية الكاملة منحت الشركات المملوكة للدولة ميزة غير عادلة. تدريجاً، إعتمدت واشنطن على نهج “مقيّد”: ظلت الدول الأجنبية تتمتع بالحصانة من الدعاوى القضائية المتعلقة بأفعال “العامة”، ولكن ليس من تلك المتعلقة بالنشاط التجاري الخاص. في العام 1976، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تقونن الحصانة السيادية الأجنبية من خلال نظام أساسي بدلاً من العرف. كما تعترف الاتفاقية الأوروبية حول الحصانة السيادية وإتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الولاية القضائية للدول بحدود للحصانة السيادية، على الرغم من أن هذه الأخيرة قد ضعفت ووهنت من دون مصادقة منذ العام 2004.
ومع ذلك، على مدى العقود القليلة الماضية، إكتسبت فكرة بسيطة مخادعة مكاناً في الكونغرس: يجب أن يكون ضحايا الإرهاب قادرين على الحصول على تعويضات مدنية في المحاكم الأميركية عن الضرر الناجم عن الدول الأجنبية المسؤولة. وبعبارة أخرى، ينبغي على الدول الأجنبية التي ترعى الإرهاب الدولي عمداً ضد مواطني الولايات المتحدة بألّا تتمتع بحماية الحصانة السيادية في أميركا. في العام 1996، وإستجابة لنداءات من قبل أفراد أسر ضحايا إنفجار ثكنة المارينز وسفارة أميركا في بيروت في العام 1983، عدّل الكونغرس قانون حصانات السيادة الأجنبية لإنشاء “إستثناء الإرهاب الذي ترعاه الدولة” لحصانة الدولة. وقد أُقرّ التعديل بدعم واسع من الحزبين رغم إحتجاجات السلطة التنفيذية. بشكل حاسم، ينطبق إستثناء العام 1996 فقط على البلدان التي هي على لائحة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وهذا يعني أن البيت الأبيض لا يزال يحدّد مضمون تلك القائمة – تضم اليوم إيران والسودان وسوريا، وهي تمنح الولايات المتحدة بعض النفوذ الديبلوماسي على تلك البلدان.
إن إستثناء الإرهاب من الحصانة السيادية هو أمر مثير للجدل. حالياً، إن الولايات المتحدة وكندا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تستخدمان وتستفيدان منه، وقد خلق توترات مع الدول المعنية. إيران وأميركا في الوقت الراهن هما في خلاف حول هذه المسألة بالذات أمام محكمة العدل الدولية. لقد بدأت طهران الإجراءات، زاعمةً، في جزء منها، بأن واشنطن إنتهكت القانون الدولي المتعلّق بالحصانة السيادية عندما إعتبرت المحكمة العليا في أميركا، في دعوى حديثة “البنك المركزي ضد بيترسون”، أن أصول الكيانات المملوكة للدولة الايرانية الموجودة في البنوك الأميركية يمكن حجزها وإغتنامها لدفع تكاليف أضرار مدنية. في الدفاع، فإن الولايات المتحدة على الأرجح ستدفع بحجة إستثناء الإرهاب.
لكن “جاستا” هو على حد سواء مختلف وأسوأ من ذلك. على الجبهة الداخلية، فهو يشكّل إشكالية لأنه يزيل صلاحيات السلطة التنفيذية لتحديد أيّ من الدول تخضع للإستثناء. بموجب قانون حصانات السيادة الأجنبية، فقد إعتمدت المحاكم على قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تصدرها وزارة الخارجية. بموجب “جاستا”، قد يتقدم مُدَّعٍ بدعوى ضد بلاد – في هذه الحالة المملكة العربية السعودية — التي لم تكن أبداً على القائمة وتاريخياً حليفة وثيقة للولايات المتحدة. إذا مُنح الفرصة وقبلت المحكمة الدعوى، فإن على المدّعي أن يقدم إثباتاً لا يقبل الجدل: يجب أن يُظهِر أن الدولة الأجنبية التي يريد مقاضاتها هي مسؤولة مباشرة عن عمل إرهابي جرى على أراض أميركية، وهو أمر صعب للغاية، وأساساً يتطلب مساعدة من المخابرات الأميركية. ولكن هذا يعطي المدّعي القدرة على تسمية أي بلد راعٍ للإرهاب، ويُحتمل أن يسمح له بالإنخراط في متاهات معقدة، مثل الحصول على أوامر قضائية لإجبار الحكومات الأجنبية على تسليم وثائق داخلية. ولأن “جاستا” يوسّع مفهوم “الدول الراعية للإرهاب” ليشمل أي بلد أجنبي مرتبط بعمل إرهابي على الأراضي الأميركية، فإنه يحوّل بشكل فعّال إلى المحاكم المحلية مسؤولية إختيار أي دولة أجنبية تقع تحت “إستثناء الإرهاب”. الواقع، إن السماح لأفراد بجرّ دول أجنبية إلى المحكمة يقوّض بشكل خطير شرعية إستثناء الإرهاب بموجب الحماية الدولية للحصانة السيادية.
ويضع “جاستا” المحاكم الأميركية في موقف دقيق وحرج لتحديد مسؤولية دولة أجنبية عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي. في مسائل السياسة الخارجية، فإن المحاكم تاريخياً كانت تحوّلها إلى الفروع التنفيذية والتشريعية، لأن الدستور قد كلف هذه الفروع الأخيرة بإنشاء وإدارة السياسة الخارجية وأعطيت حرية واسعة للقيام بذلك. إن “جاستا” يسمح للمحاكم برفض الدعوى إذا قرر المدعي العام الأميركي أن وزارة الخارجية تبذل جهود حسن نية لحل هذه القضايا مع الدولة الأجنبية المعنية. وهذا يعطي السلطة التنفيذية فرصة كبيرة لتأجيل الدعوى إلى أجل غير مُسمّى، ولكنه يثير إحتمال صراع على السلطة بين الفروع المختلفة في الدولة. وعلاوة على ذلك، لا يفعل “جاستا” شيئاً من أجل حل المشكلة الرئيسية المستوطنة في حالات التعويض عن الإرهاب: الحجز والإستيلاء على الأصول السيادية الموجودة في الولايات المتحدة. حتى لو ربح المُدَّعي، لا يوجد نص في “جاستا” يمكّن المحكمة الإتحادية من إجبار سيادة أجنبية على تسليم الأصول. الضمانة الوحيدة للمدعي الذي يسعى إلى اللجوء إلى هذا الخيار هي معركة قانونية طويلة. في الواقع، هناك فرصة ضئيلة للوصول إلى حل ناجح أو دفع تعويضات.
أقل وضوحاً، لكن أكثر خطورة، هي التداعيات الدولية ل”جاستا” بالنسبة إلى الولايات المتحدة. على الرغم من أن عدداً من إرهابيي هجمات 9/11 كان من المواطنين السعوديين، فإن “جاستا” لا يسمي المملكة العربية السعودية مباشرة. بدلاً من ذلك، فإنه يزيل الحصانة السيادية لدولة أجنبية يُزعم بأنها إرتكبت عملاً إرهابياً دولياً في الولايات المتحدة. ولأن حماية الحصانة السيادية تعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل، فإن “جاستا” يعني أن بلداناً أخرى يُمكِن أن تلغي الحصانة السيادية لأميركا.
كان السعوديون إحتجوا بالفعل بقوة ضد “جاستا” وهددوا ببيع 750 مليون دولار من سندات الخزانة الأميركية التي يملكونها إن تم تمرير مشروع القانون. وعلى الرغم من أنهم لم ينفّذوا حتى الآن هذا التهديد، فإنه يمكن للسعوديين القيام بعدد كبير من الأشياء الأخرى لتعقيد أو إضعاف السياسة الأميركية الخارجية. على سبيل المثال، فإنه يمكنهم رفض أذونات التحليق للطائرات الأميركية المسافرة من أوروبا وآسيا إلى القاعدة الجوية الأميركية في قطر، والتي تُستخدَم للإشراف على العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وسوريا. ويمكنهم خفض التعاون ضد الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويمكنهم أيضاً خفض الحماية للأميركيين الذين يعملون في المملكة نفسها.
ولعل الأمر الذي يثير قلقاً أكثر، مع ذلك، هو حقيقة أن العديد من أقرب حلفاء واشنطن قد أدانوا أيضاً القانون. لقد أشارت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة إلى أن “أي إنتقاص من مبدأ الحصانة السيادية” يمكن أن يشجّع الدول الأخرى على العمل بالمثل وفرض عبء “على النظام الدولي ككل”. وفي الوقت نفسه، وعد عضو في البرلمان الفرنسي بالفعل على سن تشريعات تسمح للمواطنين الفرنسيين برفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، في المدى الطويل، قد تحدّ بلدان معينة من إستثماراتها في أميركا للحد من مخاطر وجود أصولها التي تخضع للمصادرة القانونية من قبل المحاكم الأميركية. وهذا يمكن أن يضر بقوة الولايات المتحدة لفرض عقوبات إقتصادية، والتي تعتمد على وضع الدولار الأميركي كعملة إحتياط عالمية مفضلة. من جهتها ينبغي على البنوك الدولية أن تلتزم حالياً بالعقوبات التي تفرضها واشنطن لكي تستطيع الوصول إلى النظام المالي العالمي. كما أن جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تتطلب أيضاً التعاون من الحلفاء الذي يشمل الوصول إلى قواعد أجنبية وتوافق الآراء بشأن فرض عقوبات إقتصادية على الدول الخارجة على القانون. إن أي شيء يجعل الأمر أكثر صعوبة للحصول على تعاون الدول يقوّض أداة رئيسية في السياسة الخارجية الأميركية.
وقد كشف التاريخ أن التهديدات بإلغاء الحصانة السيادية ليست فارغة. إن إيران وكوبا، وكلاهما إعتُبِرَتا دولتين راعيتين للإرهاب وتخضعان لإستثناء الإرهاب بموجب قانون حصانات السيادة الخارجية، تسمحان لمواطنيهما بمقاضاة الولايات المتحدة عن إنتهاكات حقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية. وقد أفادت التقارير أن المحاكم في البلدين أصدرت أحكاماً تطالب أميركا بدفع مليارات الدولارات. ولأن واشنطن تشارك في تدابير مثيرة للجدل لمكافحة الإرهاب في عدد من ولايات قضائية أجنبية، فإن “جاستا” يمكنه أن يترك الولايات المتحدة والمسؤولين فيها عرضة للخطر على نحو فريد للتقاضي في محاكم أجنبية غير صديقة وغير ودية. في الواقع، بعد تجاوز وإلغاء الفيتو الرئاسي على “جاستا”، ظهر العديد من “الهاشتاغ” على تويتر مع صور لسجناء عراقيين عراة في سجن أبو غريب مع تعليق يشير إلى أن “شعبي العراق وأفغانستان ينتظران بفارغ الصبر وضع “جاستا” موضع التنفيذ حتى يمكنهما، بدورهما، محاكمة الولايات المتحدة”.
بإختصار، لقد أصدر الكونغرس قانوناً قصير النظر بشكل ملحوظ مع عواقب دولية عميقة. إن المهمة المقبلة — لتخفيف خطر “جاستا” على السياسة الخارجية الأميركية — سوف تكون غير شعبية. قد يقرر الكونغرس تعديل مشروع القانون والحد من التنازل عن الحصانة السيادية وتحديده بوجه خاص إلى المملكة العربية السعودية. ولكن يجب على الكونغرس أن يتذكر كيف إنتهت بشكل سيىء محاولة سابقة لتشريع خاص ضد دولة خليجية. في العام 2006، حاولت موانئ دبي العالمية، وهي شركة مملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة، شراء إدارة أعمال ستة موانئ أميركية رئيسية. وقد أثارت الصفقة ضجة في الكونغرس بين الجمهوريين والديموقراطيين، الذين مرّروا مشروع قانون لتأخير عملية البيع. في نهاية المطاف، إنسحبت موانئ دبي العالمية ونقلت إدارة الموانئ إلى شركة أميركية. ولكن عمل الكونغرس أثار إستياء المسؤولين الإماراتيين وعزّز الشعور بأن هناك تزايداً في المشاعر المعادية للعرب والمعادية للمسلمين داخل الولايات المتحدة.
بدلاً من ذلك، يمكن للكونغرس منح الرئيس سلطة التنازل عن إستثناء “جاستا” الجديد لبلدان محددة في قضايا تتعلق بالأمن القومي. وعلى الرغم من أن هذا التعديل من شأنه أن يمنع المُدَّعين فعلياً من رفع دعاوى بموجب “جاستا”، فإنه لا يمنع الدول الأخرى من سن تشريعات متبادلة من دون ضمانات مماثلة.
يبقى حل بديهي واحد فقط: إلغاء القانون. قد يعترف الكونغرس بالخطأ الذي إرتكبه ويُقدِم على إلغائه بهدوء في الفترة العرجاء التي تقع بين إنتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) وتسلّم الرئيس الجديد مهماته في 20 كاون الثاني (يناير) 2017، بحيث لن يستمر في الإضرار بالمصالح الأميركية في الخارج لسنوات مقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى