الحكومة الجديدة في تونس: بدايةٌ جديدة أم أملٌ كاذب؟

من المتوقع أن يُعلن رئيس الوزراء التونسي المُكلّف، يوسف الشاهد، حكومته خلال أيام، وقبل الموعد النهائي المُحدّد له في 3 أيلول (سبتمبر) المقبل. الشاهد، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي في 2 آب (أغسطس) بعدما فشل رئيس الوزراء السابق حبيب الصيد في كسب تصويت حجب الثقة في البرلمان، يحمل عبئاً هائلاً وثقيلاً على كتفيه. يجب أن ينجح في تشكيل الحكومة والحصول على موافقة البرلمان، ومن المتوقع أن يرعى جدول أعمال تشريعياً يتضمن معالجة الوضع الإقتصادي المتدهور بسرعة في تونس، وتطوير إجراءات وقائية ضد الهجمات الإرهابية في المستقبل. وقال الشاهد علناً ان من أولوياته مكافحة الفساد و”كسب الحرب على الإرهاب”. ولكن المهمة الأصعب له قد تكون في إستعادة الثقة في الحكومة الوحيدة في العالم العربي المُنتخبة ديموقراطياً.

يوسف الشاهد: بداية جدية أم أمل كاذب؟
يوسف الشاهد: بداية جدية أم أمل كاذب؟

تونس – خالد الديب

بعد أقل من عامين على أول إنتخابات برلمانية ديموقراطية فيها، صار لتونس رئيس وزراء جديد. في 2 آب (أغسطس) الجاري، عيّن الرئيس الباجي قائد السبسي يوسف الشاهد، لهذا المنصب، بعدما صوّت البرلمان التونسي على حجب الثقة عن رئيس الوزراء حبيب الصيد في 30 تموز (يوليو) الفائت.
في تعبير ساحق من عدم الرضا، صوّت ثلاثة فقط من أعضاء البرلمان لصالح بقاء رئيس الوزراء. إن الأعضاء ال118 الذين صوّتوا ضده أشاروا في معظمهم إلى فشل الصيد منذ شباط (فبراير) 2015 في إحياء الإقتصاد التونسي أو جعل البلاد أكثر أمناً ضد الهجمات الإرهابية. على وجه الخصوص، لم يتمكن الصيد من تمرير حزمة الإصلاحات الإقتصادية الضرورية والمُلحّة في البرلمان التي تهدف إلى تحسين مناخ الإستثمار في البلاد، ومعالجة إرتفاع معدلات البطالة، والتصدّي للفساد. ووفقاً لأعضاء البرلمان، فإن الصيد قد فشل في التصدي و معالجة الصراع السياسي، الذي عثّر عملية الإصلاح وجمّدها. ومع تزايد الإحتجاجات الإجتماعية في البلاد، فقد نظر البعض في الحكومة إلى الصيد بأنه حذر جداً، وفشل في إتخاذ خطوات جريئة ضرورية لدفع حزمة الإصلاح إلى الأمام. وعلاوة على ذلك، كتكنوقراطي، فقد أُتِي بالصيد إلى السلطة لإنجاز وتصحيح الأمور التالية: معالجة إرتفاع معدلات البطالة، جذب الإستثمار الأجنبي، وتحقيق الإستقرار في الإقتصاد. ولكن في ظل حكمه، تراجع النمو الإقتصادي إلى 0.8 في المئة في العام الفائت وإرتفع معدل البطالة إلى أكثر من 15 في المئة، مع إرتفاع بطالة الشباب مرتين أكثر (30%).
لكن الحكومة أفادت وأوضحت بأن الصيد ليس هو المسؤول الوحيد عن الأداء الفقير والهزيل لحكومته. فقد وجد تقرير لمنظمة النزاهة التونسية “آي ووتش” (I Watch) أنه في حين أن الصيد قد حقق 20 من أصل 72 من الوعود التي قطعها كرئيس للوزراء، وحقق تقدماً بالنسبة إلى 40 وعداً إضافياً، فإن هناك عدداً من العوامل السياسية والهيكلية خارج سيطرة رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في ركود الحكومة. على عكس السياسيين في الولايات المتحدة، الذين لديهم العشرات من الموظفين في واشنطن العاصمة، وفي ولاياتهم، فإن كثيرين من المُشرّعين التونسيين ليس لديهم موظفون وهم مُثقَلون بالعمل على حد سواء التشريعي والإداري. وتتلقى اللجان الحكومية دعماً ضئيلاً بحيث يجب أن تتشارك بعدد قليل من الموظفين في ما بينها. وعلاوة على ذلك، منذ وصول الديموقراطية إلى تونس قبل خمس سنوات فقط، فإن كثيرين من البرلمانيين، الذين لم يتلقّواَ أي تدريب على تولي المنصب النيابي، تعلموا أساسا كيفية العمل التشريعي خلال أداء الوظيفة. وقد أدّى ذلك إلى تراكم مشاريع القوانين، مع قضاء البرلمانيين عديمي الخبرة فترة طويلة جداً على العملية بدلاً من التركيز على الجوهر.
في الواقع، إذا كان يمكن أن يُلامَ أي شخص لبطء وتيرة الإصلاحات، فسيكون الرئيس السبسي. إن علاقته الطويلة الأمد مع نقابات العمال القوية في البلاد جعلت الأمر صعباً من الناحية السياسية بالنسبة إليه، وكثيرين في حزبه، لدعم الإصلاحات التي من شأنها أن تؤثر سلباً في النقابات. على سبيل المثال، فشلت الجهود لرفع سن التقاعد لمدة خمس سنوات بسبب إعتراض وإنتقادات لاذعة من الإتحاد العام التونسي للشغل. في العام الماضي، وافق السبسي على رفع الأجور في القطاعين العام والخاص بعد ضغوط من النقابات العمالية والتجارية. وعلاوة على ذلك، فإن رئيس الجمهورية البالغ من العمر 89 عاماً لديه علاقات وثيقة مع نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ولم يُبدِ إهتماماً كبيراً في سَن التدابير التي يمكن أن تُلحق ضرراً بمصالح نخبته الإنتخابية المالية. ويبدو هذا أكثر وضوحاً في المعركة الحالية على مشروع قانون المصالحة الإقتصادية والمالية، الذي إقترحه مكتب رئيس الجمهورية والذي إنتقدته جماعات المجتمع المدني لتقديمه العفو عن الموظفين العموميين السابقين المُتَّهمين بإرتكاب جرائم مالية.
وهناك تفسير آخر لفشل الحكومة التونسية وتعثّرها، للمفارقة، الكثير من الوحدة. إن محاولة السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية من خلال توفير التمثيل المتساوي لجميع الأعضاء، بما في ذلك دور النقابات العمالية، قد ترك الحكومة من دون معارضة حقيقية. أثناء رحلة إلى تونس في حزيران (يونيو) الفائت، تحدثتُ مع أفرادٍ داخل وخارج الحكومة على حد سواء الذين عبّروا عن شكوك كبيرة تجاه دوافع السبسي وفوائد حكومة الوحدة الوطنية. وأوضحوا أنه بدلاً من توفير صوت أكبر للأحزاب المُهمّشة، فقد نُظِر الى حكومة الوحدة الوطنية بإعتبارها وسيلة لإستمالة الإتحاد العام التونسي للشغل، الذي هو الفصيل الأقوى في المعارضة اليوم.
وعلاوة على ذلك، كما أظهرت حكومات التحالفات السابقة، إن التوافق مع أطراف متعددة من الإيديولوجيات المختلفة هو تحدٍّ صعب ويستغرق وقتاً طويلاً. ويرتفع الإحباط عندما لا يحصل أيٌّ من الجانبين على ما يريد ولا شيء يتقرر. وأوضح الأفراد الذين تحدثتُ معهم أن التنازلات المطلوبة للإنضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية تكمن في تخفيف حدة إيديولوجيات مختلف الأطراف التي تنضم. هذا الحل الوسط الإيديولوجي هو السبب الذي جعل الكثير من التونسيين الذين تحدثتُ معهم يختارون الإبتعاد من السياسة. ويعتقد كثيرون من العلمانيين أنه من خلال الإنضمام إلى الحكومة مع الإسلاميين فهم يتنازلون عن بعض مبادئهم العلمانية، في حين يرى الكثير من الإسلاميين أنه من خلال التحالف مع الأحزاب غير الإسلامية فهم يميّعون رسالتهم. هناك مجموعة واحدة إختارت البقاء خارج حكومة الوحدة الوطنية هي الجبهة الشعبية، وهي إئتلاف من الأحزاب اليسارية، التي رفضت المشاركة في إقتراع حجب الثقة عن الصيد.
على الرغم من أنه يبدو أن هناك تفاؤلاً داخل تونس بأن رحيل الصيد سوف يسهّل ويُحدث تغييرات كبيرة في المجلس التشريعي الراكد، فإنه من المحتمل أن لا يتغير الأمر كثيراً. مع ذلك، هناك علامتان تُظهران بأن تونس هي على الطريق الصحيح. أولاً، إن عملية إقالة الصيد، حتى لو كانت سياسية، كانت ديموقراطية. في أول تصويت في البلاد لحجب الثقة، فإن البرلمانيين ناقشوا لساعات عدة قبل أن يُقرروا إطاحة الصيد، الذي وافق بهدوء على التنحي. على النقيض من محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا في تموز (يوليو) الفائت أو الأحداث في مصر في العام 2013 التي جلبت عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. ثانياً، حتى مع تحالفات السبسي المشكوك بأمرها، فإنه قد إلتزم حتى الآن الإجراءات الدستورية، مثل تعيين الشاهد، قبل الموعد المحدد.
الواقع أن الشاهد هو سبب آخر للأمل في مستقبل تونس. في ال41 من عمره، فإنه سياسي شاب نسبياً الذي سعى إلى معالجة واحدة من أكبر التحديات للحكومة التونسية – دعوة وجذب الأجيال الشابة من التونسيين الذين يشعرون بأنهم في عزلة متزايدة وتجاهلهم من قبل المسؤولين المنتخبين والحكومة التونسية. ويخشى المواطنون الأصغر سناً عودة النظام القديم، الذي يعتبرون أنه مُتجسِّد في الرئيس وحاشيته. والشاهد، من ناحية أخرى، وعد بأن تكون قضايا الشباب وجلب المزيد من النساء إلى مجلس الوزراء في أولويات برنامجه.
من ناحية أخرى، إن الشاهد، هو أيضاً الخيار الأفضل للتعامل مع الوضع الإقتصادي المتدهور في تونس. كوزير سابق للشؤون المحلية وأخصائي زراعي، فلديه خبرة سياسية، لكن ليست له علاقات مع نظام بن علي السابق. وبعدما قضى معظم حياته المهنية كمستشار في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، فتعامله مع الجهات المانحة الدولية والمؤسسات المالية سيكون مريحاً. وبالتالي، يجب أن يكون في وضع جيد لمعالجة بعض مخاوف تونس الأكثر إلحاحاً. وعلى عكس الصيد، التكنوقراطي المستقل، فإن الشاهد هو عضو في حزب “نداء تونس” العلماني ولديه علاقات جيدة مع السبسي ونخبة الحزب الحاكم. لقد تم التراجع عن الصيد في نهاية المطاف لإستقلاليته، ولعدم وجود حزب أو طرف لحمايته، لذا كان كبش فداء سهلاً. وعلى الرغم من وعد الشاهد بأنه سيبقى مستقلاً ويمثّل حكومة وحدة وطنية التي هي فوق أي حزب، فمن المرجح أن يستفيد من الدعم والحماية من قبل البنية التحتية ل”نداء تونس”، فضلاً عن السبسي نفسه.
مع ذلك، إذا لم تكن البلاد راغبة في مواجهة تصويت لحجب الثقة مرة أخرى في غضون عامين، يتعيّن على الدولة أيضاً إصلاح مشاكلها الهيكلية الخاصة، والتي تهدد بتقويض التنمية الإقتصادية والسياسية. وهذا يبدأ بزيادة الدعم الدولي للبرلمان. إن برامج التدريب التشريعي والتمويل الإضافي للموظفين والإمدادات تساعد البرلمانيين على التركيز على مهمة التشريع. ثانياً، يجب على الشاهد، دفع البرلمان بإتجاه ثقافة العمل وصنع القرار بدلاً من واحد يقوم على حلول وسطية سلبية وجدل لا ينتهي. ينبغي الإعتراف بأن أي مكاسب إقتصادية حقيقية سوف تستغرق سنوات وليس أسابيع لكي تتحقق، مع ذلك، على الشاهد الإمتناع عن السماح لحكومته الغرق بمسائل جانبية لا نهاية لها التي يعاني منها الحكم في تونس ما بعد الثورة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على أحزاب المعارضة أن تلعب دوراً بناء من خلال العمل مع المجتمع المدني لمراقبة حكومة الوحدة والتأكد من أن قراراتها مُمَثِّلة لمصالح جميع التونسيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى