“حزب الله” يغرق في المستنقع السوري

على الرغم من الخسائر التي يتكبدها بشرياً ومالياً، يصرّ “حزب الله”على البقاء في سوريا للمدافعة عن نظام الرئيس بشار الأسد ومساعدة إيران في توسيع هيمنتها الإقليمية، الأمر الذي أفقده بريقه وشعبيته العربية وعرقل دوره المقاوم ضد إسرائيل.

كانت شعبية نصرالله عالية قبل عشرة أعوام حسب الإيكونوميست
كانت شعبية نصرالله عالية قبل عشرة أعوام حسب الإيكونوميست

بيروت – رئيف عمرو

مُتحدِّثاً خلال تجمّع في جنوب لبنان في الشهر الفائت، أكد نائب الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم إستعداد الحركة للحرب مع إسرائيل. في الوقت عينه، قال الشيخ بشكل واضح أن الحرب لن تحدث هذا الصيف ما لم تبادر بها إسرائيل.
في خطابه، أشار قاسم، الذي يُعتبر المنظّر الإيديولوجي ل”حزب الله”، إلى “النصر الإلهي” للحركة، الذي أسفر عن إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في أيار (مايو) 2000. وقال، في تكرار لعقيدة المقاومة للحركة، أن إنسحاب العام 2000 كان بداية فترة تراجع إسرائيل. هذه الفترة، توقّع، ستنتهي إلى إزالة الدولة اليهودية.
حتى الآن، يمكن توقع ما قاله وليس هناك شيء جديد. النقطة الأخيرة هي كلاسيكية في خطاب “حزب الله”. لقد ورثت الحركة الشيعية عقيدة “المقاومة” من القومية العربية ثم الحركة الفلسطينية، التي تدّعي بأن قوة إسرائيل المادية والعسكرية مُعرَّضة لضعف هيكلي داخلي من شأنه أن يكفل هزيمتها ونهايتها في نهاية المطاف.
ولكن، هذه المرة، كان يستخدم الخطاب لتأطير رسالة سلمية إلى حد ما – العدو المُفترَض أنه ضعيف ومصيره الزوال لن يُهاجَم إلّا إذا تعرّض “حزب الله” للإستفزاز.
فيما تابع قاسم تطوير موضوعه، فإن سبب هذا التناقض أصبح واضحاً. في قفزة خطابية متوتّرة نوعاً ما، تعرّض إلى المعضلة الإستراتيجية الحالية التي تواجه “حزب الله”. ما هو سبب “النصر الإلهي” في العام 2000؟ سأل. ومجيباً قال: “كثير من الناس يعتبرون أننا إنتصرنا بسبب البندقية التي هزمت إسرائيل! ولكن أقول لكم: إنتصرنا بسبب الحجاب وراء البندقية الذي يربّي الأطفال في مواجهة الكفر العالمي في طاعة الله”، مضيفاً بأن ” ألله تعالى يحقق لنا الإنتصارات والإنجازات ببركة هذا الإيمان”.
لدى “حزب الله” مجموعة متنوعة من المصطلحات غير المُغرية جداً التي ينعت بها الإسرائيليين واليهود. مع ذلك، تكفيريون ليست واحدة منها. وإنما هو مصطلح يفضّل بعض الشيعة أن ينعتوا به أعداءهم الجهاديين السنّة. وهذا يُرجِع أو يُعيد محاولات أولئك الذين يعلنون بأن غير المسلمين الآخرين مرتدون، ويربطون ضمناً الجهاديين السنّة اليوم مع الطوائف المتطرفة في الفترة الإسلامية المبكرة، التي يعارضها الإسلام المعتدل والسائد.
مع خفة بلاغية، سعى قاسم إلى إقامة نوع من الإرتباط السلس بين أعداء الصهيونية الذين عانوا من “النصر الالهي” في العام 2000، وأعدائهم التكفيريين (الجهاديون السنة) الذين يواجههم ويحاربهم الحزب بشكل رئيسي اليوم.
وهذا الرابط لا يطابق المنطق. لكن الأسباب التي تدعو قاسم إلى الإشارة إليه هي مع ذلك مفهومة تماماً. كيف كانت الامور تبدو بسيطة ل”حزب الله” قبل عقد من الزمن فقط. وكيف صار وضعه الآن أكثر تعقيداً.

جوهرة تاج إيران

في أعقاب حرب 2006 التي دامت 33 يوماً بين إسرائيل و”حزب الله”، بدا أن الحركة الشيعية وأنصارها الايرانيين على حافة إختراق إستراتيجي كبير. ناشئاً بدعم من طهران في أوائل ثمانينات القرن الفائت، فإن “حزب الله” كان النموذج الأول للمؤسسات والمجموعات السياسية والعسكرية الشيعية التي من خلالها سعت إيران إلى تعزيز مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
كان “حزب الله” جوهرة التاج في هذه المجموعة. لقد منح إيران الدخول إلى قضية عموم العرب والمسلمين للحرب ضد إسرائيل. في أيار (مايو) 2000، أنهت الحركة حرب عصابات طويلة بنجاح فيما أنهت إسرائيل إحتلالها لجنوب لبنان. وفي صيف العام 2006، يمكن أن تُعتبر الحملة الإسرائيلية المرتبكة والعشوائية أيضاً إنجازاً ل”حزب الله”، وبالتالي لهدف طهران، على الرغم من الخسائر الإقتصادية والبشرية التي ولّدتها للبنان.
بطبيعة الحال، كانت الأهداف التكتيكية تتمثل بإنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان قبل العام 2000، والحفاظ على قدرة الحركة الشيعية على مواصلة ضرب إسرائيل في العام 2006. مع ذلك، من الناحية الإستراتيجية، كانت لهذه الأحداث أهمية أكبر.
في أعقاب حرب العام 2006، إرتفعت شعبية السيد حسن نصر الله و”حزب الله” بشكل مذهل، وفقاً لجميع المقاييس المتاحة. لقد وجد إستطلاع الرأي العام العربي السنوي في العام 2008، الذي أجري في ذروة هيبة ووهج “حزب الله” في أوائل العام 2008، أن 26 في المئة من المشاركين قالوا أن الأمين العام ل”حزب الله”، السيد نصرالله، هو الزعيم العالمي الأكثر قيمة خارج بلادهم. وكان الرئيس السوري بشار الأسد الثاني بنسبة 16٪. وكانت زيادة شعبية هذا الأخير أيضاً مرتبطة بعلاقته الوثيقة مع “حزب الله”.
لقد بدت إنجازات “حزب الله” بأنها تبرّر الإستثمارات الإيرانية الطويلة في الحركة الشيعية. إذا كانت القضية الفلسطينية هي الطريق للوصول إلى قلوب العرب (حتى بالنسبة إلى دولة شيعية غير عربية مثل إيران)، وإذا كان الدعم العربي ضرورياً لهدف إيران للقيادة والزعامة الإقليمية، فإن إستراتيجية إستخدام “حزب الله” كمولّد للشرعية بدت، في حينه، أنها تؤتي ثمارها.
وكانت القوة المتنامية ل”حزب الله” مهمة في طرق أخرى. كان للغزو الأميركي للعراق في العام 2003 أثر غير مقصود بتحويل وتسليم البلاد إلى الشيعة العرب الذين يشكلون الغالبية في البلاد. قدم الإيرانيون دعماً نشيطاً للتمرد الشيعي العراقي ضد الإحتلال الغربي منذ البداية. وإتبعت جماعات مثل منظمة بدر وكتائب “حزب الله” صيغة الجمع بين النشاطين السياسي والعسكري لخدمة الشيعة المحليين والمصالح الإيرانية.
أثار صعود الهيمنة الشيعية في العراق إمكانية ظهور خط متجاور ومتماس من الدول المؤيدة لإيران تمتد عبر العراق الى سوريا ومنها لبنان والبحر الأبيض المتوسط أي الهلال الشيعي. إن تحقيق مثل هذا الوضع يمنح طهران هيمنة على مساحة كبيرة في قلب الشرق الأوسط العربي، ومنفذاً للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وطريقاً مباشراً مجاور ومتماس مع خط المواجهة مع إسرائيل.
في الفترة المحمومة في أعقاب حرب العام 2006 مع إسرائيل، بدا هذا الاحتمال في متناول اليد. وكان من المتعيّن والمتوقع أن يلعب “حزب الله” اللبناني دور البطولة في هذا الإنتاج – كنموذج للعرب أن الأساليب الإيرانية تنتج إنتصارات ضد اليهود، وبالتالي كعامل يعرقل ويوقف المشاعر المضادة للشيعة والفرس.

الأشياء تتداعى

ثم، بشكل تدريجي تقريباً في البداية، بدأت الأمور تسير في طريق منحرف. لقد فعل الحزب ذلك، كما هو متوقع، على طول خط الصدع الطائفي.
في أيار (مايو) 2008، حوّل “حزب الله” قوته الصارمة ضد خصومه السنّة المحليين. منذ الإنسحاب السوري تحت ضغط من لبنان في العام 2005، فإن منافسة كانت جارية حول مستقبل البلاد. في مواجهة معسكر “حزب الله” المسلح وحلفائه كان تحالف “14 آذار” الذي يقوده السنة مع بعض الأحزاب المسيحية الموالين للسعودية والغرب. في أيار (مايو) 2008، كان رد فعل “حزب الله” بإستخدامه القوة في محاولة لمنع الحكومة المدعومة من تحالف “14 آذار” من تقييد إستقلالية الحركة الشيعة في إنشاء بنيتها الأمنية الأساسية في لبنان.
في غضون أيام، سيطر “حزب الله” مدعوماً ببعض حلفائه على بيروت الغربية، موجّهاً رسالة قوة صلبة واضحة لمنافسيه الموالين للسعودية بأن أي محاولة لتحجيم قوته لن تكون مقبولةً.
لا يمكن مقاومة قوة “حزب الله” لبنانياً. ولكن مزاعم الحركة الشيعية بأنها تمثل رأس الحربة لعموم المسلمين والعرب ضد إسرائيل والغرب تعرضت لصدمة شديدة. في إستطلاع الرأي العام العربي السنوي في 2010، تقلّصت شعبية نصر الله من 26٪ إلى 9٪، وذلك قبل عام من إندلاع “الربيع العربي”.
بطبيعة الحال كانت الأحداث في سوريا، وظهور الصراع الطائفي والتناحر الأوسع القوة المحركة الرئيسية لمنطقة الشرق الأوسط الحالية التي ورّطت “حزب الله” وأوصلته إلى المأزق المُربِك الذي يجد فيه الآن نفسه – والذي كان خطاب قاسم نموذجاً له.
لقد وُلِد تدخل “حزب الله” في سوريا من ضرورة ماسة. لو سقط الأسد، لكان كلٌّ من الحركة الشيعية نفسها والتكتل الإقليمي الذي تقوده إيران والذي تنتمي إليه واجه كارثة. سوريا، بعد إنتصار المتمردين، ستحكمها الغالبية السنية، وسوف تتحالف مع القوى الاقليمية السنية. ومثل هذه النتيجة سوف تترك “حزب الله” معزولاً على البحر الأبيض المتوسط، مقطوعاً عن أي مناطق نائية وعن أي إحتمال لإعادة الإمدادات من الإيرانيين في حال نشوب حرب. وبالنسبة إلى إيران، فإن سقوط الأسد قد يعني نهاية أي أمل في وجود منفذ على البحر الأبيض المتوسط أو فرصة للتدخل بقوة ضد إسرائيل عبر “حزب الله”.
لذلك، كانت طهران وعميلها مُصمِّمين على منع حدوث هذا. وعلاوة على ذلك، فإن الصعوبة المحددة التي يواجهها الأسد هي واحدة يستطيع فيها “حزب الله” المساعدة بشكل جيد في معالجتها.
لدى الأسد، في روسيا وإيران، حلفاء قادرون وداعمون هم على إستعداد في حالة روسيا لدعمه ديبلوماسياً وبيعه الأسلحة، وفي الحالة الإيرانية توفير المال ومشورة الخبراء.
مع ذلك، لم تكن أي دولة منهما على إستعداد لمعالجة هذه المسألة الملحة الأكثر إثارة لقلق الأسد – بالتحديد غياب قوات مشاة مُصمِّمة وقادرة بأعداد كافية التي هي على إستعداد للمشاركة في القتال معه. على الورق، يمتلك الأسد جيشاً، عندما يُحشَد بشكل كامل، يبلغ عدده 510,000 جندي. في الممارسة العملية، لم يتمكن من تعبئة جزء كبير من هذه القوات. الإعتبارات الطائفية (الجيش، مثل السكان، يتألف بغالبيته الساحقة من العرب السنة)، تعني أنه لا يمكنه أن يثق في جزء كبير منها.
فيما نمت هذه المشكلة أكثر حدة خلال العام 2012، فقد إختارت إيران تعبئة وكلائها الإقليميين لمساعدة النظام السوري. إن “حزب الله”، الذي يُعتبر إلى حد بعيد أقدر عملاء طهران وأيضاً لديه أكبر مصلحة في بقاء الأسد في الحكم، لعب دوراً حيوياً في هذه التعبئة.
وفقاً لتقرير وزارة الخزانة الأميركية في آب (أغسطس) 2012، كان “حزب الله” في ذلك الوقت “يدرّب موظفين من الحكومة السورية مباشرة داخل سوريا، ويسهّل تدريب القوات السورية عبر الذراع الإرهابية لإيران فيلق الحرس الثوري الإسلامي – فيلق القدس. وقد لعب “حزب الله” أيضاً دوراً مهماً في الجهود المبذولة لطرد قوات المعارضة السورية من مناطق داخل سوريا”.
في سياق العام 2013، زاد دور “حزب الله” في سوريا بشكل كبير. بدأ مقاتلو الحركة الشيعية يلعبون دوراً مباشراً في القتال. وتولّى الحزب أيضاً مسؤولية تدريب، قوة علوية جديدة إلى حد كبير شبه عسكرية تدعى “قوات الدفاع الوطني”، التي ستلعب دوراً حاسماً في سد الفجوة الناجمة عن إفتقار النظام لقوات مشاة موثوقة بأعداد كافية.
في نيسان (إبريل) 2013، أخذ “حزب الله” المسؤولية الأساسية في عملية برية حيوية في وسط سوريا – السيطرة على القصير، وهي بلدة تقطنها غالبية سنية في محافظة حمص القريبة من الحدود اللبنانية. شارك نحو 1700 مقاتل في العملية، التي شهدت حزب الله لأول مرة يشارك في القتال في مناطق حضرية على نطاق واسع. إنسحب المتمردون من القصير بعد نحو شهرين. لكن، كان إنتصار “حزب الله” مُكلفاً. لقد فَقَد نحو 200 مقاتل في مسار العملية.
من ناحية أخرى، لعبت الحركة الشيعية دوراً حيوياً في القتال في محافظة حلب، وفي منطقة دمشق، وفي محافظة حمص في هذا الوقت. وجاء التدخل المباشر على نحو متزايد مع ثمن باهظ. قُتل قادة كبار ومقاتلون مخضرمون مثل علي فياض ومصطفى بدر الدين في سوريا. وقتل أكثر من 1500 رجل ل”حزب الله” في سوريا آخرهم في 17 حزيران (يونيو) الجاري حيث فقد 20 مقاتلاً في حلب وأُسِر أخرون، إضافة إلى حوالي 7 آلاف جريح.
لعب مقاتلو “حزب الله” دوراً حيوياً في إعادة فتح منطقة جبال القلمون، وبعد ذلك في هجوم النظام في محافظات اللاذقية وإدلب في أواخر 2015.
وإدراكاً منه للصعوبات التي أضرت بصورته الناتجة من كونه يخوض حرباً ضد إخوانه المسلمين، فقد سعى “حزب الله” إلى تبرير تدخله بطرق مختلفة. لبعض الوقت، شدّد على ضرورة حماية مرقد السيدة زينب في دمشق من نوايا السلفيين السنة لتدميره (الذين يعتبرون كل هذه الأضرحة بأنها منافية للإسلام). وفي وقت لاحق، مال الحزب إلى تأطير مشاركته بالحاجة إلى حماية لبنان من خطر التكفيريين من طريق مواجهتهم في سوريا.
حتى الآن، لا يزال “حزب الله” ملتزماً تماماً الدفاع عن النظام في سوريا. وينشر نحو 6000 من مقاتليه في البلاد في أي وقت من الأوقات. مع توقف مفاوضات جنيف، فإن الحرب السورية لا يبدو أنها ستضع أوزارها قريباً. وهذا يعني أن سوريا تبدو أنها ستكون التركيز الرئيسي ل”حزب الله” لفترة طويلة مقبلة. إن المعسكر المؤيد لإيران الذي ينتمي إليه “حزب الله” لا يزال ملتزماً مركزياً بقاء نظام الأسد.
المشكلة هي أنه في حين أنه قوي بما فيه الكفاية لمنع تدمير الأسد، فهو لا يبدو أنه قادر على هزيمة التمرد ضده بشكل نهائي. لذلك سوف تكون هناك حاجة إلى مقاتلي “حزب الله” لمحاربة التكفيريين في سوريا في المستقبل المنظور. وسوف تستمر جنازات الشهداء. وستستمر وجوه الشبان الأصغر سناً أكثر من أي وقت مضى الذين يُقتلون في سوريا بالظهور على ملصقات الحركة في قرى جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع الشمالي.
بالنسبة إلى الحركة، كل هذا له عدد من الآثار، ومعظمها ليست إيجابية.
أولاً، في حين لا يزال “حزب الله” مهيمناً في لبنان، فإن الدور الذي يقوم به في سوريا قد وضع على نحو فعال حداً لوظيفته الإستراتيجية كمولّد الشرعية لراعيته إيران.
يُعتبر “حزب الله” الآن في جميع أنحاء العالم العربي قوة طائفية شيعية، تعمل بشكل رئيسي في قتل السنة. وطالما إستمرت الحرب السورية، سيكون من المستحيل ل”حزب الله” زعزعة وإزالة هذه الصورة. وهناك أيضاً مؤشرات إلى تزايد الإستياء حتى بين الطائفة الشيعية اللبنانية الحاضنة ل”حزب الله” من إراقة الدماء على ما يبدو التي لا نهاية لها في سوريا ودور الحركة في ذلك.
ثانياً، طالما بقيت الحركة الشيعية مُلتزمة القتال في سوريا، فإن أي عدوان ضد إسرائيل من غير المرجح.
وقد أعاد “حزب الله” تسلّحه ووسّعه منذ حرب العام 2006، ويقدّر المخططون الإسرائيليون أنه يمتلك الآن ما لا يقل عن 150,000 قذيفة وصاروخ. ولكن مع هذا العدد الكبير من المقاتلين الملتزمين مهمات أساسية في سوريا، فإن فتح جبهة ثانية ضد عدو أقوى بكثير من المتمردين السوريين، إسرائيل، من المرجح أن يكون ترفاً لا يستطيع “حزب الله” أو راعيه الإيراني تحمله.
ثالثاً، إن قدرة “حزب الله” للرد على إجراءات ضده أيضاً قد تكون محدودة بسبب رغبته في تجنب الدخول في مواجهة كبرى مع إسرائيل. لقد قُتل عدد من أعضاء الحركة البارزين خلال العامين الماضيين بمن في ذلك حسن اللقيس، سمير القنطار، جهاد مغنية، وأخيراً، بدر الدين. ولكن في جميع هذه العمليات، ما عدا آخرها (بدر الدين)، إتهم “حزب الله” إسرائيل.
ولكن إنتقام الحركة الشيعية، عندما يحصل، كان على نطاق صغير. مرة أخرى، إن الطبيعة المتواضعة للإنتقام ل”حزب الله” ربما مستمدة من عدم الرغبة في المخاطرة بمواجهة مفتوحة مع تل أبيب في الوقت الذي تقاتل الحركة في سوريا.
في الواقع أن مأزق “حزب الله” يعكس الوضع الأوسع للكتلة الإقليمية التي تقودها إيران. من حيث القوة الصلبة، فإن الإيرانيين وحلفائهم يبلون بلاء حسناً في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط المليئة بالصراعات. مع ذلك، لم ينتصروا حتى الآن في أيٍّ من الصراعات التي تورّطوا فيها (في اليمن والعراق وسوريا)، لكن العميل الإيراني في كل من هذه السياقات ليس قريباً من الهزيمة.
وهكذا، تشكل إيران اليوم، ويُنظَر إليها أنها تشكل، طرفاً في الحرب الطائفية الشيعية – السنية.
إعتباراً من الآن، يبدو الإيرانيون أنهم غير قادرين على تطوير تحالفات قوية من خارج المجتمعات الشيعية في العالم العربي. ولكن المنطقة لا يمكن أن يهيمن عليها الشيعة وحدهم.
إذا كان الإيرانيون يأملون يوماً بإستخدام “حزب الله” وحربه ضد إسرائيل كوسيلة لتوليد الشرعية بين السكان العرب غير الشيعة، فإن العرب السنة حتى الآن يعتبرون الحزب قوة غريبة وطائفية وعدائية. عندما أُجبِروا على الإختيار بين ضرورة الحفاظ على نظام الأسد، والطموح بأن يُنظَر إليهم كقوة لعموم المسلمين، فإن الإيرانيين، وبالتالي عملاءهم، إختاروا بشكل غير مفاجئ المصالح المادية المباشرة على الأهداف الإستراتيجية الأوسع نطاقاً.
والنتيجة من كل ذلك هو أن “حزب الله” اليوم يواجه إحتمال إستمرار التدخل في الآلة اللعينة للحرب السورية، نازفاً مقاتلين وشرعية (على الرغم من كسب، بطبيعة الحال، التجربة والخبرة). طالما دام هذا الوضع، يمكن للمرء أن يتوقع أن يستمر قادة الحزب في كلماتهم التي تذكّر ب”إنتصارات” بعيدة ضد إسرائيل، والسعي إلى إلباس نضالهم الحالي ضد السنة من التبرج من الحرب السابقة.
إن المرحلة الحالية لن تستمر بالضرورة إلى الأبد، بطبيعة الحال، ويبقى “حزب الله” حتى الآن القوة العسكرية غير الحكومية الأكثر شراسة التي تواجه إسرائيل. ولكن سرد “حزب الله” عن “المقاومة” لعموم المسلمين قد يكون من عداد ضحايا الحرب الأهلية السورية.
لقد عرّى الصراع الطاحن إلى شرق وشمال لبنان بشكل قاطع الحقائق الطائفية الصارخة الكامنة في الولاءات السياسية في الشرق الأوسط. إن حزب الله، كنتيجة للحرب السورية، قد إنكشف الآن أمام الجميع وأثبت ما كان عليه دائماً، وبالتحديد: وكيل الإسلامية الشيعية الطائفية لإيران – لا أكثر ولا أقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى