قنابل “حزب الله” لا تستطيع الفوز على النظام المصرفي

بيروت – محمد العوني

على الرغم من أن “حزب الله” أفاد بأن لا علاقة له بالقنبلة التي إنفجرت بالقرب من مصرف لبناني بارز مساء الأحد في 12 الشهر الجاري، لا أحد تقريباً في بيروت يأخذ هذا على محمل الجد.
جاءت القنبلة بعد أسابيع من الخلاف بين الحزب والقطاع المصرفي اللبناني، الذي قام بتنفيذ تشريع أميركي معروف بإسم قانون منع تمويل “حزب الله” الدولي الصادر في العام 2015.
يفرض هذا القانون عقوبات على جميع المؤسسات التي تتعامل مع “حزب الله” أو الشركات التابعة له، من خلال منعها من العمل في النظام المالي الأميركي. ورداً على هذا، أقدمت المصارف اللبنانية على إغلاق الحسابات التي تشتبه في أنها تابعة للمؤسسات أو الأفراد الذين لهم علاقات مع الحزب الشيعي.
في المقابل، جادل الحزب أن البنوك تفرط في تفسير ولايتها، وأنه يجب عليها إغلاق تلك الحسابات المعيَّنة فقط من قبل مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية، الذي يدير ويفرض عقوبات تتعلق بأهداف السياسة الخارجية الأميركية. ولكن بالنسبة إلى البنوك هذا ليس مقبولاً أو جيداً بما فيه الكفاية.
إن منع العمل في النظام المالي الأميركي هو قبلة الموت بالنسبة إلى البنوك الدولية. وهذا يعني أنها لا تستطيع الدخول في التعاملات بالدولار عبر نيويورك، التي من شأنها أن تجبرها على نحو فعال على إغلاق أبوابها. وكما يعلم معظم المصارف اللبنانية، إذا تم تحديد أحدهم من قبل الولايات المتحدة بأنه مذنب لا يطبق قانون منع تمويل “حزب الله” الدولي يمكن أن يكون له تأثير سام في الجهاز المصرفي ككل، مع إرتفاع الشكوك حول مصداقيته.
ويقول مسؤولون مصرفيون، وخصوصاً حاكم البنك المركزي رياض سلامة، أنه ليس لديهم خيار سوى تنفيذ القانون الأميركي.
وهذا يحمل بعض الثقل، إذ أن الإقتصاد اللبناني يعتمد كلياً على البنوك وشرائها لسندات الخزانة الحكومية لتمويل الديون في البلاد. إذا تم إستهداف القطاع المصرفي لإظهار مرونة تجاه “حزب الله”، فإن الإقتصاد سيكون في خطر حقيقي من الإنهيار في نهاية المطاف.
إن التشريعات المالية الأميركية السابقة، من خلال التهديد بقطع الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة، قد نجحت في تفكيك الممارسات المصرفية في جميع أنحاء العالم التي تعارضها واشنطن. لقد كانت المخاوف من القطع، على سبيل المثال، إلى جانب فرض مزيد من العقوبات المباشرة، قد أجبرت سويسرا على التخلي عن سياستها للسرية المصرفية في ما يتعلق بالأميركيين.
في الواقع، كانت واشنطن قادرة على فرض برنامج الرقابة العالمية على البنوك المعروف بإسم قانون الإمتثال الضريبي على الحسابات الخارجية، أو “فاتكا”. بموجب هذا القانون فإن البنوك مُلزَمة بإرسال تقارير سنوية إلى دائرة الإيرادات الداخلية عن أصحاب الحسابات الأميركيين، كوسيلة لمصلحة الضرائب لتحديد ما إذا كانوا يقومون بتغطية الدخل بشكل دقيق.
الأداة الرئيسية للضغط في “فاتكا” هي ذات صلة مع مناقشة قانون منع تمويل “حزب الله”. إذا فشل بنك في تقديم تقرير عن أصحاب الحسابات الأميركية، وحتى من طريق الخطأ، يحق لسلطات الولايات المتحدة إقتطاع 30 في المئة من التعاملات بالدولار المتعلقة بذلك الحساب. ونتيجة لذلك، فإن المصارف اللبنانية، مثل تلك المصارف في كل مكان، سارعت إلى الامتثال ل”فاتكا”، على الرغم من أنها قد تكبدت تكاليف عالية للقيام بذلك.
بالإضافة، تم إرغام البنوك على تقديم إجراءات إعرف عميلك الأكثر تعقيداً من ذلك بكثير، لضمان أن عملاءها لا يخبئون جنسيتهم الأميركية، أو إستخدام أفراد الأسرة غير الأميركيين لإخفاء المال. وفتح حساب في بيروت يمكن الآن أن يستغرق وقتاً طويلاً جداً لأن البنوك تأخذ جانب الحذر.
إن سلوك البنوك بالنسبة إلى “فاتكا”، الذي وُلِد من الخوف، هو مؤشر جيد لما يواجه “حزب الله”. والبنوك، بحكم تعريفها تقريباً، تبتعد عن المخاطر، وتتجنب إمكانية أن يُنظَر إليها على أنها غير متوافقة أو غير مُلتزمة القوانين، فقد إعتمدت عادة موقفاً يتجاوز ما هو ضروري.
والمشكلة هي أن هذا النهج ينظر إليه “حزب الله” بعدم الرضى الآن.
البنوك تخشى أن تُظهر أي مرونة مع الحزب يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة أكثر إذا اتسعت تسميات الخزانة الأميركية. إذا شُجِب أحد البنوك من قبل الأميركيين لسبب معين، فهذا يمكن أن يخلق الانطباع بأن النظام برمته متورط في التغطية.
إذا كان ذلك ليحدث، فإن إنعدام الثقة في النظام المصرفي سوف ينتشر والعديد من أصحاب الحسابات قد يفضلون إرسال أموالهم إلى أماكن أخرى، مما يجعل النظام أكثر عرضة للخطر. والأهم من ذلك أن البنوك الكبرى الأخرى في جميع أنحاء العالم سوف ترفض مواصلة التعامل مع المصارف اللبنانية.
يعتقد “حزب الله” بأن التخويف يمكن أن يعزز موقفه التفاوضي مع البنوك. ومع ذلك، فإنه لا يبدو أنه أدرك بأن التخويف الأميركي هو أكبر بكثير، مما يشكل تهديداً وجودياً للقطاع المصرفي.
في الواقع، إذا كان على “حزب الله” وضع قنابل في كل بنك في البلاد، فإنه في نهاية المطاف سوف يضر نفسه فقط. تحت الإكراه المتشدد، يمكن أن يصبح المصرفيون حتى أقل قابلية لتقديم تنازلات. بين القنابل والمال، عادة ما يفوز الأخير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى