بدأت السعودية في تخيل الحياة من دون النفط

الرياض – راغب الشيباني

يبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت في وضع الخطط اللازمة لحياة ما بعد النفط. بعد تلميحات ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لموقع “بلومبيرغ” أفرجت الرياض في 25 نيسان (إبريل) عن “رؤية 2030″، وهي خطة لتنويع إقتصادها وتقليل الاعتماد على عائدات النفط. في حين أن الخطة طويلة بالأفكار، وبالتالي تتطلب الكثير ووقتاً للتنفيذ، فإن المقترحات في حال تطبيقها يمكن أن تجلب إصلاحات غير مسبوقة إلى الإقتصاد السعودي – وتغييراً عميقاً في المملكة. إن المخطط يعني أولاً وقبل كل شيء أن بعضاً في العائلة المالكة السعودية يُدرك أن المسار الحالي للمملكة غير قابل للإستمرار، وأن التغيير، أو على الأقل ظهوره، صار ضرورياً.
أولاً، الإعلان عن إفتتاح شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، إلى الإستثمار الخارجي، يمكن أن يساعد على تحديث المؤسسة العملاقة وزيادة الشفافية في دفاترها، إضافة إلى التدقيق الذي ستتعرض له. لم تكشف المملكة العربية السعودية أبداً عن سجلاتها المالية. لفتح الشركة المنتجة للنفط المملوكة للدولة للاستثمار الخارجي فإن الأمر سوف يتطلب الإفراج عن الوثائق المالية وسيستلزم المساءلة للمساهمين. في حين يتوقع أن يكون حوالي خمسة في المئة من شركة “أرامكو” مفتوحة لتقديم العطاءات، فإن هذا قد يكون خطوة أولى نحو مستقبل أكثر إستشرافاً للمملكة العربية السعودية.
ثانياً، تخطط الحكومة السعودية لنقل جزء من صندوق الإستثمار العام إلى صندوق ثروة سيادي. وسوف يشمل الإنتقال تحويل ملكية شركة أرامكو السعودية إلى صندوق الإستثمار، مما يجعله أكبر صندوق مالي من نوعه في العالم. من ناحيتهم يهدف السعوديون إلى جذب الاستثمارات وتنويع إقتصاد المملكة من خلال فتح جزء من الصندوق للمستثمرين المحليين والدوليين. والقصد من إعادة الهيكلة أيضاً هو إعداد المملكة العربية السعودية لحياة أقل إعتماداً على عائدات النفط، وهو تحوّل قال الأمير محمد أنه قد يحدث بحلول العام 2020. وفي حين أنه من المرجح أن يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير لهذه الإصلاحات أن تبدأ، قبل أن تؤتي ثمارها، فإن الإقرار العلني والالتزام بتنويع الإقتصاد يكشف عن لهجة جديدة، ويقترح الإعتراف بواقع جديد.
تأتي المقترحات السعودية في أعقاب عملية إصلاح داخلية مهمة بالمثل لدعم الطاقة. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أطلقت الحكومة خطة خمسية لرفع أسعار الوقود والطاقة المحلية، بما في ذلك الكهرباء، وهي خطوة كانت تُعتبر في السابق خارج البحث في المملكة، حيث إعتاد السكان منذ فترة طويلة على الطاقة المدعومة. في حين تنوي الحكومة تخفيف الألم من إرتفاع أسعار الطاقة مع تحويلات نقدية مباشرة إلى الأسر ذات الدخل المنخفض وذات الدخل المتوسط، فإن التغيير لا يزال يُعرّض الشعب السعودي إلى تذبذب أسعار الطاقة.
مع إزدياد أسعار إستهلاك الطاقة تدريجاً، فإن الحكومة تخطط أيضاً لإدخال الضريبة المضافة على السلع الفاخرة بحلول العام 2018. وهذه الضريبة من شأنها أن تغيّر التوازن القائم من (لا) الضرائب إلى (لا) تمثيل، لأن الحكومة السعودية لم تفرض سابقاً أي ضريبة أبداً على المواطنين، بإستثناء الضريبة الخيرية الإسلامية. مثل هذا التغيير يمكن أن يثير المطالب العامة بقدر أكبر من المساءلة، أو غضب السكان غير المعتادين على الضريبة. وفي كلتا الحالتين، فإن ذلك يَعِدُ بتغيير في الوضع الراهن، إن لم يكن في العقد الاجتماعي.
التحوّلات على المستوى الإجتماعي تعكس هذه التغيرات الاقتصادية. لقد جرّدت المحاكم السعودية أخيراً شرطة الأخلاق من سلطة إعتقال السعوديين لسلوك أخلاقي غير مناسب، بما في ذلك اللباس، وهي إشارة أولى أخرى إلى إعادة هيكلة أساسية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. لم يعد الحكّام يوفرون السلع والخدمات للجمهور من دون أي تكلفة، وربما لم يعد الشعب السعودي على إستعداد لتحمل التعبير السياسي المحدود.
في حين أن هذه الخطوات الأولية لم يسبق لها مثيل، فإنها قد تكون “عملية تجميل” أيضاً. إن إستراتيجية الحكومة السعودية لتوزيع النقد لتقليل وطأة تخفيض الإعانات يمكن أن يخفف من أهمية هذه التغييرات، في حين يمكن أن تخف قوتها في غياب متابعتها من قبل الحكومة. من ناحية أخرى، من الممكن أن تصل هذه المقترحات إلى شيء من إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي، مما دفع البعض إلى أن يتساءل ما إذا كانت هذه التغييرات ستُنهي الدولة الريعية. إذا إستطاعت الأسرة المالكة أن تُبحر وتجتاز هذه المرحلة الانتقالية، فإنه قد يكون في الواقع أول مرة في التاريخ تقوم دولة ريعية ناجحة عمداً بإزالة وإلغاء مستوى الفصل بين الحكام والمحكومين.
في نهاية المطاف، إن معدل الضرائب الذي سيكون الشعب السعودي على إستعداد أن يتحمله ودرجة الحرية التي ستكون الحكومة السعودية مستعدة أن تمنحها ما زال يكتنفهما الغموض. ومع ذلك، إذا إستطاع السعوديون إنجاح إستراتيجية تعمل على زيادة الشفافية والمساءلة بينما تحرص على المزيد من عائدات النفط الآن للاستثمار في مستقبل أكثر تنوعاً، فإنهم في هذه الحالة قد يمهّدون الطريق لإنتقال سلس. ومع ذلك، اذا إستمروا في زرع القدمين بقوة في السياسات السابقة – إيجارات الموارد والقمع – فإنهما على حد سواء قد يأتيان بنتائج عكسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى