فن المحاورة وعرض العضلات!

بقلم جوزف قرداحي

عادة سيئة أدرجتها قناة “الجزيرة” القطرية ونقلت عدواها الى سائر المحطات الفضائية العربية وخصوصاً الإخبارية منها، وهي عادة مقاطعة الضيف في برامج الحوارات السياسية المباشرة على الهواء، والدخول على خط الحديث بسبب وبلا سبب، وبمناسبة وغير مناسبة، الأمر الذي يشاغب على تركيز المشاهد والضيف معاً، فلا تصل فكرة الضيف كاملة، خصوصاً عندما يقوم “المُضيف” ببتر جواب ضيفه بطريقة إستفزازية وقبل ان تصبح اجابته جملة مفيدة يتلقاها هذا المتفرِّج “القاعد” على أعصابه وهو يعد “عصي” المجابهة الحوارية من كلا الجانبين، حتى ليُخيَّل اليه ان حضرة المذيع (أو المذيعة) المحترم، سوف لن يتوانى عن لطم ضيفه على خده االأيمن، ثم يعود الى شتيمته و”دعوسته” لأنه تجرَّأ ووافق على ان يطل برأسه من “شباك شاشته الأيسر”، الواسعة السمعة والتداول.
اما العادة الأسوأ المنتشرة في معظم المحطات فضائياً وأرضياً، هي عادة “عرض عضلات” المذيع أو المقدم التلفزيوني، أمام ضيفه والمشاهدين، حتى لتخال ان الادوار مقلوبة، وان الضيف هو من يُحاور المذيع ويستضيفه ويلقي عليه أسئلته الخطيرة وليس العكس. فيتحول المذيع الى منظِّر وفيلسوف، وعلامة فارقة من علامات الرأي السديد، فيما يأخذ الضيف دور المتلقي، المصغي، المرتبك الذي ضاعت عليه الرؤية، وتلاشت من رأسه الفكرة، متعاوناً مع هذا المذيع الذي انعم عليه بالظهور التلفزيوني، راضياً أن يتحوَّل الى مجرد مستمع.
ما يزيد الأمر سوءاً، هو عندما تكون المحاورة عبر الأقمار الإصطناعية (الساتلايت) ومن خلف البحار، الأمر الذي يستدعي تأخيراً تقنياً في وصول الصوت من والى الجهة الاخرى، فيبدو الامر وكأنه حوار طرشان، بقدر ما هو مضحك وكاريكاتوري، بقدر ما هو مزعج ويشاغب على مستوى المحاورة وعمقها والوصول بها الى المرتجى المفيد.
وكثيراً ما تكرَّر هذا المشهد الكاريكاتوري – المُزعج وعلى أكثر من فضائية إخبارية، حاول فيها مذيع او مذيعة المحطة قطع حديث الضيف غير القادر على تلقي الصوت مباشرة، فكان يبدو ذلك المذيع بصوته “العالي الاوتار” والطبقات كمن يصرخ في وجه ضيفه مؤنّباً، ومكرراً المحاولة في مقاطعته، فيما الضيف مسترسلاً في حديثه لا يفقه ما يدور من حوله سوى بعد لحظات تكون فيها تلك “اللحظات” قد ضاعت هدراً في “التشويش” الذي تحدثه محاولات مقاطعة الضيف المتكررة.
المحاورة بلا “مواخذة”، هي فن من اخطر الفنون التي تستند على فن الاصغاء اولاً، وفن الاصغاء ثانياً، وفن الاصغاء ثالثاً وأخيراً. فالمحاور او المقدم او المذيع الذي لا يتقن “فن الاستماع والاصغاء” لا يُتقن “فن الحوار” بكل صراحة.
ولمزيد من التأكد، راجعوا ارشيف أعلام التلفزيون الخالدين، مثل رياض شرارة ونجيب حنكش وأطال الله في عمريهما إيلي صليبي وليلى رستم… وتعلموا كيف كان هؤلاء يتقنون “فن الاصغاء” قبل أي كلام!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى