سيِّد أوباما إِعتَرِف بدولة فلسطين

بعد فشل سياسته الخارجية في منطقة الشرق الأوسط يبدو أن هناك نافذة واحدة فقط ما زالت مفتوحة أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما لترميم إرثه في المنطقة ويتمثّل بالإعتراف بدولة فلسطين.

بقلم إبراهيم فريحات*

مدفوعاً بالبحث عن إرثٍ له في الشرق الأوسط، يبدو أن الرئيس باراك أوباما قد قرر أن يستثمر مجدّداً في إحياء المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية قبل انتهاء ولايته الثانية.
في آذار (مارس) الفائت، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن البيت الأبيض يعمل على إحياء جهود السلام، بما في ذلك إصدار قرار محتمل عن مجلس الأمن الدولي أو غيره من المبادرات مثل “خطاب رئاسي وبيان مشترك من اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط”.
في حين أن النقطة التي يرمي إليها الرئيس أوباما عبر هذا الجهد المتجدّد ما زالت مُبهَمة وغير واضحة، فإنه يتعيَّن عليه أن يفهم أن إستخدام الأساليب القديمة عينها للوساطة الأميركية سوف لن يؤدي إلّا إلى تفاقم وإستفحال الأزمة، وبالتالي تشويه سمعته وشرعيته أكثر في الشرق الأوسط. لإنقاذ إرثه في المنطقة، ودفع المصالح الأميركية في العالم العربي، والتماشي مع موقف المجتمع الدولي من هذا الصراع، لا بدّ للرئيس الأميركي من إتخاذ قرار طال إنتظاره والذي يتمثّل بالإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قبل أن يغادر منصبه.
بدايةً، يتعيّن على أوباما أن يتعلّم من أخطاء سَلَفيه، جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، اللذين حاولا أيضاً التوصل الى إتفاق مقبول من الفلسطينيين والإسرائيليين قبل بضعة أشهر فقط من نهاية ولايتهما.
إن التوصل إلى إتفاق بين الطرفين في ظل ظروف ضغط الوقت سوف لن يجدي نفعاً ولن يؤدي إلى نتيجة. ويمكن لطرف غير مهتم في التوصل إلى إتفاق سلام المناورة بسهولة بإستخدام تكتيكات التأخير حتى تنتهي فترة أوباما الرئاسية. وقد سبق أن إستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فعلياً هذه الإستراتيجية عندما رفض علناً دعوة أوباما له لزيارة البيت الابيض من أجل إجراء محادثات ومناقشة عملية السلام، ذلك لأنه أراد “تجنّب أي تأثير مُحتمَل” في الإنتخابات الرئاسية المُقبلة في الولايات المتحدة. وجاءت هذه التصريحات على لسان الشخص عينه الذي حاول التدخل في الشؤون الأميركية المحلية من خلال العمل والضغط بقوة ضد أوباما في أثناء الإنتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.
الواقع أن أوباما إستثمر وبذل جهداً فعلياً من خلال العمل مع الطرفين، لكنه الآن يحتاج إلى إتخاذ قرارات. خلافاً للعديد من الرؤساء الأميركيين السابقين، لقد وضع أوباما إيجاد حلٍّ لهذا الصراع على رأس أولوياته. وعلى الرغم من الحروب الأهلية الوحشية التي إجتاحت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الماضية، فقد أظهر أوباما عن إلتزام ثابت وخصّص رأس المال السياسي اللازم لإحراز تقدم في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وخلال الفترة التي قضاها في منصبه، أمضى وزير الخارجية جون كيري وقتاً على المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية أكثر من أي صراع دولي آخر. ومع ذلك، فقد كانت نتائج الجهود الديبلوماسية المُكثّفة التي بذلتها إدارة أوباما فاشلة بشكل ذريع. إذ أنها إنتهت من دون إتفاق أو حتى مذكّرة تفاهم، وهي إتفاقات كان يمكنها أن تفيد وتُحسّن سمعة وإرث أوباما في الشرق الأوسط.
مع ذلك، فإن أوباما يعرف جيداً من هو الذي سبّب فشله. لقد تحدّى نتنياهو مراراً أوباما: في الكونغرس، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي خوض أي مفاوضات جدية من شأنها أن تؤدي إلى إتفاق، وقد مارس علناً ضغطاً ضد إنتخاب أوباما لولاية ثانية. لذا ينبغي على أوباما ألّا يتوقع من نتنياهو أن يغيِّر موقفه والتعاون في أي جهود جديدة من شأنها أن تُنقذ سمعته وما فقده من إرث في الشرق الأوسط. إن نتنياهو ما زال هو نفسه الذي أصاب أوباما على نحو متزايد بالإحباط طوال فترة رئاسته.
مع الأشهر القليلة المتبقية له في منصبه، فقد حان الوقت لأوباما لكي يصوغ ويشكّل إرثه في الشرق الأوسط بالطريقة التي يريدها، وليس بالطريقة التي حاول وضغط نتنياهو لتحديدها. أمام أوباما فرصة لأخذ مكانه في التاريخ بإعتباره أول رئيس أميركي يعترف رسمياً بدولة فلسطينية مستقلة.
عاجلاً أم آجلاً، سوف تكون هناك دولة فلسطينية والولايات المتحدة سوف تعترف بها. وأوباما يعرف ذلك جيداً. فلماذا يفوِّت هذه الفرصة إذاً ويتركها لرئيس آخر لكي يغتنمها في المستقبل؟ ينبغي على أوباما أن يقلق حول سمعته وإرثه الخاص، وليس من آراء نتنياهو المتطرفة. لا يجب على أوباما أن يسمح أبداً لنتنياهو تشكيل وصوغ إرثه في الشرق الأوسط وأن يتركه ملطخاً بالفشل.

إن إرث أوباما في الشرق الأوسط مزرٍ وقاتم على قدم المساواة في أجزاء أخرى من المنطقة. سوريا يمكن أن تصبح رواندا أوباما؛ بنغازي والسفير الراحل كريس ستيفنز هما شاهدان على إرثه في ليبيا؛ وتنظيم “القاعدة” في اليمن هو أقوى بكثير اليوم مما كان عليه عندما كثّف أوباما سياسة الطائرات من دون طيار ضد التنظيم؛ والتاريخ وحده سوف يحكم ويقول ما هي نتائج الإتفاق النووي مع إيران في المستقبل. لسوء الحظ، لا يستطيع أوباما أن يغيّر الحقائق في أيٍّ من هذه الدول مع ضيق الوقت المُتبقّي له في منصبه. مع ذلك، لا يزال يستطيع ترميم وإستعادة إرثه في الشرق الأوسط من خلال الإعتراف بدولة فلسطينية.
بإعترافه بدولة فلسطينية الآن، فإن أوباما قد يكون حجز فرصة تاريخية للتأثير في المستقبل وإرساء أسس سياسة الإدارة الأميركية المُقبلة في منطقة الشرق الأوسط. بغض النظر عمَّن يصل إلى البيت الأبيض، فإن الساكن(ة) الجديد(ة) سوف يضطر إلى التعامل مع هذا الواقع الجديد. إن المجتمع الدولي يقف إلى جانب أوباما بالنسبة إلى الإعتراف بفلسطين. فقد أعلنت فرنسا أخيراً بأنها ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة في حال فشلت الجهود النهائية لتحقيق السلام. بالإضافة إلى ذلك، فقد إعترفت السويد رسمياً بدولة فلسطين بعد إيسلندا. (136 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة إعترفت بدولة فلسطين) .
إعتاد المسؤولون والديبلوماسيون الأميركيون على تقليد يتمثّل بموازنة آرائهم ووجهات نظرهم بعد إنتهاء ولايتهم وتركهم منصبهم عندما يصبحون متحرّرين من ضغط اللوبي الإسرائيلي والسياسة المحلية. الرئيس جيمي كارتر هو خير مثال على ذلك.
ينبغي على أوباما ألّا يقع في هذا الفخ ويسير على خطاهم. بغض النظر عن كيف سيعدّل أراءه بعد تركه منصبه، فإنه لن يستطيع أبداً إنقاذ إرثه في الشرق الأوسط وحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إذا لم يعترف بدولة فلسطينية في حين لا يزال لديه القدرة على القيام بذلك. الوقت المناسب هو الآن وعليه تنفيذ ذلك بدلاً من الندم في وقت لاحق.
سيدي الرئيس، إن لم يكن من أجل إرثك الخاص، على الأقل إعترف بفلسطين لتستحق جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها مُسبقاً في وقت مبكر. لقد أعربت اللجنة عن ثقتها بك ومنحتك الجائزة قبل أن تحقق أي سلام حقيقي. فلا تخيِّب آمالها. تأكد من أنك تستحق هذه الجائزة، سيد الرئيس. إن لم يكن لإرثٍ أو للجائزة المرموقة، فليكن من أجل كبريائك وكُن الشخص الذي يضحك أخيراً، وليس بنيامين نتنياهو.
سيدي الرئيس، إعترف بفلسطين الآن.

• إبراهيم فريحات (المعروف أيضاً باسم إبراهيم شرقية) هو زميل في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، وباحث في جامعة جورج تاون. كان يُدرّس سابقاً حل النزاعات الدولية في جامعة جورج واشنطن وجامعة جورج ميسون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى