المطلوب لوبي عربي في أميركا

بقلم ميرنا زخريّا*

بدايةً، من الضروري لفت الإنتباه إلى أن نواة فكرة تأسيس لوبي عربي (قوة ضغط عربية) تقوم على جناحين، داخلي وخارجي، ومن دونهما لن تستطيع التحليق بعيداً: الجناح الأول هو ذو روحٍ عربيةٍ لأنه يضمّ عرباً من حاملي الجنسية الأجنبية، ومن خرّيجي الجامعات العالمية، ومن موظّفي المنظمات الدولية… فيما الجناح الثاني هو ذو روحٍ أجنبيةٍ لأنه يضمّ أجانب من رؤساء المجالس التي تدعو إلى السلام، ومن مديري الجمعيات التي تُحارب التمييز، ومن الشخصيات الأجنبية التي تُناصر القضايا العربية…
قد يكون من المستحيل فصل النشاطات السياسية عن الحياة المجتمعية، وقد يكون من الصعب حصر النشاطات السياسية في أنشطة محددّة؛ إنما من السهل الجزم بأن النشاطات السياسية العملاقة والعميقة ليست جزءاً من ثقافتنا العربية (مع إستثناءاتٍ قليلة وقيّمة، على غرار ما هو حاصلٌ في دولة الإمارات)؛ ذلك أننا لا نولي إهتماماً كافياً وكاملاً للخُطط الإستراتيجية بعيدة الأمد، إذ غالباً ما تتمحور مُخططاتنا حول مناهج قريبة الأمد بحيث يكون الحل والعقدة في أيدي بعض المسؤولين الذين لا يتخطى عددهم أصابع اليد الواحدة، من دون الأخذ بآراء المواطنين أو حتى أحياناً بأفكار باقي السياسيين. على عكس النظام الأميركي الذي يُعطي “لجماعات الضغط غير الرسمية” دوراً فاعلاً ساعة إتخاذ القرارات الرسمية التي تؤثر بكلٍ من السياستين الداخلية والخارجية على حد سواء.
وطالما أن اللوبي الإسرائيلي هو خير مثال، لذا يجدر التلميح إلى أنه: “ليس المطلوب لوبياً عربياً تكون غايته الوحيدة التصدّي للوبي الإسرائيلي”، بل “المطلوب لوبي عربي تكون غايته الجريئة التنبّه لأوجه المصالح العربية”. وهذا ليس بالأمر المتعذّر؛ فمن ناحية أولى، الجالية العربية تفوق عددياً الجالية الإسرائيلية داخل أميركا؛ ومن جهة ثانية، المكاسب الأميركية مع الدول العربية تفوق تقديريّاً المكاسب مع الدولة الإسرائيلية.
إنَّ اللوبي هو تحالف جماعات هدفها الأساسي التأثير إيجاباً بما يخدم مصالحها المترابطة؛ إنما وليقوم هذا التحالف، لا بُد أولاً من إرساء أهداف جامعة تجعل من مصالحها واحدة. في حين، يبدو أنه من هوايات قادة العرب، إقامة علاقات محض شخصيّة، أكانت العلاقة على مستوى صانعي القرار الدولي أو كبار السياسييّن الإقليمييّن أو حتى الديبلوماسييّن المُنفردين. ما يدفع الباحث في علم الإجتماع السياسي إلى تفحّص جملةً من الدواعي الموجبة، فقد تعدّدت الأسباب فيما النتيجة بقيت على حالها:
1. غياب رؤيا عربية جامعة واحدة أساسية يتوحّد حول قضاياها وأهدافها العرب جميعاً، المقيمون وأيضاً المهاجرون؛
2. إندثار المظلة القوميّة وتشتّت الهويّة العربية بسبب ضُعف التعاضد بين شعوبها، حتى داخل جامعة الدول العربية؛
3. سيطرة روح الفردية في كل الدول العربية بما يشمل الإقطاعيّة والقبليّة، وآخرها لجنة سابراك الخاصّة في السعوديّة؛
4. بعض الدول تُمارس ضغطا موسميّاً تكتيكياً على بعضها الآخر، وذلك حسب حساباتها الضيّقة ومنافعها الحصريّة؛
5. إرساء قواعد التنافس لناحية السيادة، فكل دولة تتطلع نحو الريادة من دون مدّ يدّ التعاون بكل ما للكلمة من معاني؛
6. المناهج الدراسيّة العربية لا تصبّ إهتماماً لناحية إبراز الفوائد من نقاط التقارب والتقاليد، أو من التباعد والتعدّدية؛
7. الصناعة الفنيّة والسينمائيّة لم تُنصف التاريخ العربي بوتيرة مُستمرة ولم تُناصر القضايا العربية بأسلوبٍ مُحترف؛
8. تقوقع كثير من الجاليات العربية في بلاد الإغتراب حول نفسها، بدل الشروع في إرساء علاقات ديبلوماسيّة شعبيّة؛
9. رجال المال والأعمال العرب الذين لهم إستثمارات جمّة في كافة أنحاء العالم، لم يخصّوا مشروع اللوبي برعايتهم؛
10. التعاطي بتساهلٍ مع الإعلام العالمي حيال الأخبار المغلوطة، ما سمح ببثّ رؤى مُتضاربة حول أحداث المنطقة؛
11. الضعف في المبالغ المرصودة، في حال رُصدت، أدىّ إلى ضعف في القدرات التنظيمية وفي المناصرة الشعبية؛
12. أخيراً وليس آخراً ولنختم دزينة الأسباب، يبدو وبكل بساطة أن المسؤولين العرب لا يؤمنون بأهميّة وُجود لوبي.
إن الجَولات والصَولات المتلاحقة التي طرأت خلال السنوات الأخيرة على معظم المجتمعات في مختلف القارات، أدّت إلى ظهور مدرسة حديثة – قديمة في مجال العلوم السياسية، مدرسةً تقوم على قوّة العلاقات في جميع الإتجاهات وعلى مدار الساعات ومهما علت الصُعوبات. فقد تجاوز مفهوم القوّة في مضمونه الصرف، المعنى العسكري الذي كان شائعاً في السابق، وتخطّاه بإتجاه مضامين حضاريّة وعصريّة تشمل: قوّة العلاقات والقوة الإقتصادية والثقافية والفنيّة وغيرها من عناصر القوّة التي باتت تُضاهي السلاح قوةً وتأثيراً وتدميراً.
وها هُم العرب مع كل جولةٍ وصولةٍ لا يتزحزحون ومكانهم يبركون. ها هُم العرب بعد كل جولةٍ وصولةٍ لا ينفكّون “القُدرةَ يمتلكون والقّوةَ يفتقدون”؛ ذلك أن: “القُدرة” تتمثل بالموارد التي أنعمَ الله بها عليهم وأغدقَ بكرمه، أما “القوّة” فتتجلى بكيفيّة تنظيمهم وتخطيطهم للإستفادة من تلك الموارد الربّانية. الفرق شاسع بين إمتلاك المورد وبين إستخدامه، وما اللوبي العربي إلّا قوّةً شاء العرب عدم امتلاكها وعدم استخدامها.

• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى