الصناعة المصرفية في سلطنة عُمان مُستَقرّة

أفاد تقريرٌ لصندوق النقد الدولي يتناول آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بأن المصارف في دول الخليج العربي تحافظ على إرتباط قوي بين النمو غير النفطي والإنفاق الحكومي، لكنها تحتفظ بصلابتها نتيجة ما تملكه من إحتياطات، وملاءة مالية مرتفعة، ونسب منخفضة من القروض المتعثرة، ومستوى سيولة مرتفع بوجه عام. ووضع التقرير سلطنة عُمان ضمن أفضل دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، التي تتمتع بوضع آمن وجيد من حيث نسب القروض المتعثّرة مقارنة مع إجمالي حجم القروض الممنوحة من البنوك المحلية.

البنك المركزي العُماني: سياسته الحذرة أنقذت المصارف حتى الآن
البنك المركزي العُماني: سياسته الحذرة أنقذت المصارف حتى الآن

مسقط – سمير الحسيني

كان نمو الأصول القوي وتوسيع الشريحة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، التي أُطلِقت حديثاً، أساسيين في التطورات التي حصلت في القطاع المصرفي العُماني في السنوات الأخيرة. إن الجزء الأكبر من السوق يسيطر عليه عدد قليل من المؤسسات، وهذا التركيز سيزيد إذا نجح الإندماج المُزمَع بين بنك صحار وبنك ظفار. ويُجمِع أهل الخبرة على أن الصناعة مُنظَّمة بإحكام وتُعتبَر على نطاق واسع بأنها مستقرة، على الرغم من أن التباطؤ الإقتصادي على خلفية إنخفاض أسعار النفط قد يؤدي إلى بطء النمو في الإقراض في السنوات المقبلة.
بلغت موجودات البنوك التجارية في نهاية العام 2014 حوالي 24.8 مليار ريال عُماني (64.2 مليار دولار)، إرتفاعاً من 22.4 مليار ريال (58 مليار دولار) في نهاية العام 2013، وفقاً للأرقام الصادرة عن مُنظّم هذه الصناعة، البنك المركزي العُماني.
وقد نمت الأصول بين عامي 2010 و 2014 بمعدل سنوي مركّب، أعلى بكثير من التضخم، قدره 12٪. وإستمر النمو القوي حتى النصف الأول من حزيران (يونيو) 2015، مع إرتفاع الأصول إلى 27.4 مليار ريال عُماني (70.9 مليار دولار). والواقع أن نمو الإئتمان القوي كان هو الدافع وراء هذا التوسع القوي في السنوات الأخيرة، الذي بلغت نسبته أيضاً حوالي 12٪ سنوياً بين عامي 2010 و2014. وبلغت قيمة القروض المصرفية 16.9 مليار ريال (43.8 مليار دولار) – كان منها 14.7 مليار ريال (38.1 مليار دولار) للقطاع الخاص – في نهاية العام 2014، إرتفاعاً من 15.2 مليار ريال (39.4 مليار دولار) من العام الذي سبقه، وفقاً للبنك المركزي العُماني.
بحلول حزيران (يونيو) 2015 وصل إجمالي القروض إلى 17.8 مليار ريال (46.1 مليار دولار). وقد فاقت وتيرة توسع الإئتمان النمو الإقتصادي الأوسع. ووفقاً لأرقام البنك المركزي العُماني، فقد إرتفع الإئتمان المصرفي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 47.4٪ في 2010 إلى 57.1٪ في نهاية العام 2014، وكان يعادل 94.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
ما يقرب من 40٪ من القروض غير المُسَدّدة في نهاية العام 2014 كانت للأفراد، بينما إستحوذ المقترضون الخمسة الأوائل معاً على حوالي 5٪ من المجموع. وقد مثّل الإقراض العقاري حوالي 15٪ من الإئتمان، على الرغم من أن البنك المركزي العُماني قد أشار إلى أنه عندما يتم أخذ التعرّض غير المباشر للقطاع في الإعتبار (من خلال القروض التي تعتمد على الدخل العقاري للسداد، على سبيل المثال)، فإن تعرّض البنوك الكلي للقطاع كان حوالي 25 ٪ – وهو مستوى وصفته المؤسسة بأنه عالٍ نسبياً.
أما بالنسبة إلى أسعار الفائدة على القروض فقد تراجعت بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، حيث بلغ متوسطها المُرجّح للقروض المصرفية التقليدية المُقوَّمة بالعملة المحلية 4.86٪ في حزيران (يونيو) 2015 (مقارنة مع متوسط معدل الفائدة على الودائع بلغ 0.9٪)، إنخفاضاً من 5.5٪ في حزيران (يونيو) 2013.
وقد جذب أكثر من نصف هذا النوع من الإقراض فائدة تتراوح بين 4٪ و7٪. حيث أن 35.4٪ من القروض مُنحت بفائدة تتراوح ما بين 5٪ و7٪؛ فيما 18.3٪ أُعطيت بفائدة تتراوح بين 4٪ و5٪.
من المرجح أن يبقى نمو الإقراض قوياً، لكن مستوياته قد تبدو بطيئة مقارنة مع التوسع المُسجّل في السنوات القليلة الماضية. إن النظام المصرفي في سلطنة عُمان حالياً يتمتع بسيولة عالية، والذي قال عنه صندوق النقد الدولي في أيار (مايو) 2015 “يبشر بالخير لتلبية الطلب على الإئتمان من القطاع الخاص الناشئ ولمزيد من التعميق المالي”، على الرغم من أنه أشار إلى أن سرعة السحب من الودائع الحكومية يمكن أن يؤثر في هذا.

تأثير النفط

مع ذلك، إن هبوط أسعار النفط منذ منتصف العام 2014 قد أدّى الى تراجع توقعات النمو الإقتصادي، مما يشير إلى أن معدّل توسع الإئتمان يمكن أن يضعف أيضاً.
“من المرجح أن يكون هناك تباطؤ عام في نمو الإئتمان في القطاع”، قال رشاد بن علي بن عبد الله المسافر، الرئيس التنفيذي بالإنابة لبنك صحار. وأضاف أن من المرجح إذا حدث نمو فسيتركز في قطاع الشركات. “قروض التجزئة كبيرة فعلياً بالمقارنة مع النسب التنظيمية الموجودة، وينبغي على البنوك توخي الحذر حول إحتمالات الإفراط في المديونية بين عملاء التجزئة نظراً إلى إمكانية أن يؤدي إنخفاض أسعار النفط إلى زيادة البطالة”، قال.
ومن المتوقع بالإضافة إلى ذلك أن يحدّ التوسع في قروض التجزئة من الديناميكية في سوق الرهن العقاري. وقال رشاد جعفر الشيخ، نائب رئيس الخدمات المصرفية للأفراد في بنك عُمان العربي، أنه في مجال الإقراض للأفراد، فإن النمو كان قوياً بشكل خاص في قطاع الرهن العقاري في السنوات الأخيرة، ولكن من المرجح أن يدفع إرتفاع أسعار الأراضي المزيد من الناس نحو التأجير أو الإستئجار، الأمر الذي يحدّ من توسع السوق.

نمو مستويات الإيداع

كما هو الحال مع الإقراض، فقد إرتفعت مستويات الودائع بشكل سريع في السنوات الأخيرة قبل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتشير بيانات البنك المركزي العُماني إلى أن الودائع المصرفية مع نهاية العام 2014 بلغت 17.3 مليار ريال عُماني (44.8 مليار دولار)، إرتفاعاً من 15.6 مليار ريال (40.4 مليار دولار) فى العام الذي سبق.
بحلول آب (أغسطس) 2015 إرتفع الرقم إلى 18.2 مليار ريال (47.1 مليار دولار). وبلغت نسبة الودائع المصرفية 57.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2014، إرتفاعاً من 46.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي قبل أربع سنوات.
من جهته إستحوذ القطاع الخاص على 11.6 مليار ريال (30 مليار دولار) من الودائع بحلول آب (أغسطس) 2015، مُنقسمةً بين ودائع تحت الطلب وودائع زمنية وأخرى إدخارية، في حين بلغت ودائع الحكومة والمؤسسات العامة 5.3 مليارات ريال (13.7 مليار دولار) و1.1 مليار ريال (2.8 ملياري دولار) على التوالي.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى الحجم الكبير للودائع الحكومية – وعلى وجه التحديد إلى إمكانية سحبها فيما تدخل الحكومة فترة تمويل العجز – بإعتباره عقبة مُحتمَلة للسيولة في النظام المصرفي. وقال لويد مادوك، الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي العُماني: “من إجمالي الودائع في القطاع المصرفي، هناك ما يقرب من الثلث يساهم به القطاع العام. وقد شهد القطاع المصرفي تشديداً وتضييقاً على السيولة في الربع الرابع من العام 2015، مع إزدياد التنافس على الودائع من كافة القطاعات. إذا إستمر هذا الوضع، فإنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى إرتفاع تكاليف الإقتراض خلال العام 2016″.
من ناحية أخرى، إرتفعت أرباح القطاع المصرفي الإجمالية بنسبة 4.8٪ من 397 مليون ريال (1.03 مليار دولار) في العام 2013 إلى 416 مليون ريال (1.08 مليار دولار) في العام 2014، وفقاً ل”تقرير الإستقرار المالي” الصادر عن البنك المركزي العُماني في أيار (مايو) 2015.
بلغ العائد على الأصول نسبة 1.7٪ والعائد على حقوق المساهمين نسبة 12.2٪، وكلاهما بقي من دون تغيير عن العام الذي سبق. وظل الأداء قوياً في العام 2015، مع إرتفاع أرباح أكبر بنك في السلطنة، بنك مسقط، تقريباً بالمعدل عينه في النصف الأول من 2015 كما في العام 2014، بنسبة 4٪، إلى 89.8 مليون ريال (232.5 مليون دولار).

مشهد تنافسي

يوجد حالياً 16 مصرفاً تجارياً تقليدياً في سلطنة عُمان، فضلاً عن بنكين إسلاميين كاملي الأوصاف ومصرفين متخصّصين. إن القطاع نسبياً مركّز بشكل ثقيل من حيث حصته في السوق، إذ أن ثلاثة بنوك كبرى مثّلت 62٪ من الأصول والسبعة الأكبر مثّلت 95٪ من الأصول في العام 2014 – على الرغم من أن هذه الأرقام على نطاق واسع هي في الخط عينه مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
يُعتبر بنك مسقط أكبر مصرف في البلاد، مع أصول محلية بقيمة 9.73 مليارات ريال (25.2 مليار دولار) في نهاية العام 2014، أي ما يعادل 39.2٪ من إجمالي موجودات القطاع. وقد قيَّم البنك حصته في سوق الأصول المحلية ب38.8٪ حتى آذار (مارس) 2015. وأكبر مساهم فرد في المؤسسة، التي هي شركة مُدرَجة في بورصات مسقط ولندن والبحرين، الديوان السلطاني في عُمان، مع حصة تبلغ 24٪، تليه مجموعة دبي المالية ب12٪ وصندوق تقاعد وزارة الدفاع ب7٪.
في المرتبة الثانية يأتي بنك ظفار، مع أصول تبلغ 3.19 مليارات ريال (8.3 مليارات دولار)، يليه البنك الوطني العُماني مع 2.98 ملياري ريال (7.7 مليارات دولار) من الموجودات. المساهممون الرئيسيون في بنك ظفار هم: شركة الإستثمار العُمانية “ظفار الدولية للتنمية والاستثمار القابضة” بحصة 27.8٪، وصندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية ب10٪، في حين أن مساهمي البنك الوطني العُماني هم: البنك التجاري القطري بحصة 34.9٪، ومجموعة سهيل بهوان ب14.4٪، وصندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية ب10.73٪.
إن تسعة من البنوك العاملة في سلطنة عٌمان هي مملوكة للأجانب. ومن المعلوم أن هذه المؤسسات سيطرت في الماضي، لكنها فقدت حصتها في السوق في السنوات الأخيرة، حيث إنخفضت نسبة الودائع فيها من 15٪ في العام 2007، وفقاً للأرقام التي نشرتها المجلة الإقتصادية العُمانية “بيزنس توداي”، إلى نحو 7٪ في العام 2014، وفقاً لبيانات البنك المركزي العُماني.
وتركّز البنوك الأجنبية حالياً إهتمامها في المقام الأول على المنافذ التجارية للشركات، مثل التمويل التجاري، بدلاً من سوق التجزئة. وفي العام 2012 إندمج أكبر لاعب أجنبي في ذلك الوقت، بنك “إتش أس بي سي عُمان”، مع بنك عُمان الدولي، ليصبح مؤسسة فعالة عُمانية.
ومع ذلك، فإن مفعول إتجاه فقدان البنوك الأجنبية حصتها في السوق يبدو أنه قد إنتهى. فقد إرتفعت حصتها من الأصول من 6٪ في العام 2012، كما أن القروض التي منحتها البنوك الأجنبية قد نمت تماشياً مع النسبة عينها للبنوك المحلية في العام 2014.

الدمج والتوحيد

في تموز (يوليو) 2015 أعلن بنك ظفار وبنك صحار أنهما قد دخلا في إتفاق دمج غير مُلزِم، وأنهما يقومان بالدراسة الواجبة (Due Diligence) للصفقة المُقترحة. وكان المصرفان في محادثات للإندماج منذ العام 2013. وفي آب (أغسطس) 2015 أعلن المسافر أن البنكين قد عيّنا مستشارين ستكون مهمتهم تنفيذ الدراسة الواجبة الشاملة لكل من المؤسستين.
إذا مضت الصفقة قدماً، فإن الكيان الجديد سيكون ثاني أكبر بنك في البلاد، مع أصول تبلغ حوالي 13.7 مليار دولار، وفقاً لبيانات “تومسون رويترز”، مع تأثير كبير في تكوين السوق المصرفية المحلية.
“إن مؤسسة أكبر سوف تساهم في الاقتصاد الوطني من خلال قدرتها على تمويل المشاريع الكبيرة”، قال المسافر. “إن الكيان الجديد سوف يكون أيضاً قادراً على توفير قدر أكبر من المنافسة مع البنوك ذات المستويات المرتفعة في البلاد”، مضيفاً.
من جهتها تشجع السلطات العُمانية المؤسسات المالية في البلاد على الدمج والتوحيد منذ بعض الوقت، لهذه الأسباب ولغيرها كذلك. “لقد كان هناك تشديد على الدمج والتوحيد على مدى السنوات ال15 الماضية أو نحو ذلك، لأن السلطات تريد بنوكاً تستطيع تمويل المشاريع الكبيرة والمنافسة على الصعيد الإقليمي”، قال المسافر، على الرغم من أنه أضاف بأن الجهات التنظيمية الإقليمية قد خفّضت إلى حد ما الدفع في هذا الإتجاه منذ الأزمة المالية العالمية، لأنها أصبحت أكثر حذراً بالنسبة إلى خلق مؤسسات هي أكبر من أن تفشل.
الواقع أن التوحيد هو قيد التنفيذ ويجري أيضاً في قطاع الإقراض غير المصرفي. في حزيران (يونيو) 2015 أعلنت “العُمانية لخدمات التمويل” بأنها تقدمت بعرض للإستحواذ على حصة 100٪ في “الشركة المتحدة للتمويل”. ولم تكن العُمانية أول مؤسسة تُبدي الإهتمام في “المتحدة للتمويل”؛ كان كلٌّ من البنك الوطني العُماني وبنك نزوى، كلٌّ على حدة، دخل في محادثات إندماج مع الشركة في وقت سابق من العام، على الرغم من أن الصفقة لم تتم في النهاية مع أيّ منهما.
شهد حزيران (يونيو) 2015 أيضاً موافقة البنك المركزي العُماني على إندماج مؤسستين رئيسيتين في هذه الصناعة، وهما الشركة العُمانية العالمية للتنمية والإستثمار (Ominvest)، التي تمتلك حصة أغلبية في بنك عُمان العربي وشركة عُمان أوريكس للتأجير، مع شركة الإستثمار الوطنية العُمانية، التي تملك أيضاً حصة في شركة عُمان أوريكس للتأجير.

إستقرار

بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2014 بلغت القروض المتعثّرة نسبة 2.1٪ من إجمالي القروض، وفقاً لأرقام البنك المركزي العُماني، مع 72٪ من هذه القروض مشروطة (على الرغم من أن أكثر من ثلاثة أرباع القروض المتعثرة صُنّفت خسائر بدلاً من قروض مشكوك في تحصيلها). وقد بلغت نسبة كفاية رأس المال 15.4٪، إنخفاضاً من 16.2٪ في العام الذي سبق، ولكنها لا تزال أعلى بكثير من الحد الأدنى البالغ 8٪ الذي حددته معايير بازل III. منذ العام 1995 أدار البنك المركزي العُماني صندوق التأمين على الودائع للتعامل مع أيٍّ من البنوك التي تواجه صعوبات شديدة، وضمان الودائع التي تصل إلى 20,000 ريال (51,800 دولار)؛ وبحلول أيار (مايو) 2015 بلغت موجودات الصندوق 93 مليون ريال (240.8 مليون دولار).
من جهته، أفاد صندوق النقد الدولي أن إختبارات التحمّل (الإجهاد) تشير إلى أنه “في ظل مجموعة من صدمات سعر الفائدة والسوق، فإن الملاءة المالية للنظام المصرفي العُماني سوف تبقى مُصانة”. وقد أكّدت ذلك الإختبارات المُختلفة التي أوردها البنك المركزي العُماني في “تقرير الإستقرار المالي”، مع محافظة القطاع ككل على رأسمال بالنسبة إلى الموجودات المرجّحة المخاطر يفوق الحد الأدنى للمستويات المسموحة التي وضعها المنظّم، حتى في حالة حدوث جميع السيناريوهات الإفتراضية التي وضعها الإجهاد في وقت واحد، على الرغم من أن بعض المؤسسات الفردية قد يقع تحت الحد الأدنى.
مع ذلك، هناك ضعف واحد مُحتَمَل في هذا القطاع يكمن في المستوى العالي لمطلوباته لقطاع الدولة. لقد شكّلت المؤسسات الحكومية والقطاع العام نحو ثلث إجمالي الودائع في العام 2014. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن “إنسحاباً مفاجئاً” لهذه – يمكن تصوّره إذا بقيت أسعار النفط منخفضة، وأقدمت الحكومة على سحب الودائع للحفاظ على الإنفاق – “سوف يضع الضغط على السيولة في النظام المصرفي”، ودعا الحكومة والبنك المركزي إلى العمل معاً لمنع وقوع مثل هذا السيناريو.

السيولة وتمويل المشاريع

تحقيقاً لهذه الغاية، فقد شجع البنك المركزي العُماني المصارف المحلية على تنويع مصادر تمويلها في ضوء المخاطر. “لقد أصبحت السوق أكثر صعوبة وتحدياً بسبب إنخفاض أسعار النفط. هناك قلق من أن السيولة قد تبدأ بالهجرة خارج النظام المصرفي في نهاية العام 2015 وإلى 2016 “، يقول المسافر. ولكن هناك من يرى أن ذلك ليس تهديداً كبيراً. “خطوات مثل إصدار الصكوك السيادية (السندات الإسلامية) ينبغي أن تجلب المزيد من السيولة إلى النظام من خلال جذب الأموال الأجنبية”، قال حلمي هارونا راشد، المدير العام للخدمات المصرفية التجارية في بنك نزوى.
من ناحية أخرى، فيما تعمل الحكومة من أجل تطوير البنية التحتية في سلطنة عُمان، فإن تمويل المشاريع يُعتبَر واحداً من أكثر المناطق الواعدة لنمو الإقراض. “سوف تكون هناك فرص في مجال تمويل المشاريع في السنوات المُقبلة، كما أن هناك مشاريع البنية التحتية الرئيسية التي تنتظر والشركات العُمانية غير قادرة على تمويل عملها في تلك المشاريع من مصادر محلية”، قال هارونا راشد.
وقال رامي زامبراكجي، الرئيس التنفيذي لبنك بيروت-عُمان أن العمل في القطاع المصرفي من المرجح أن يظل قوياً حتى لو شهدت السلطنة إنخفاضاً في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بسبب هبوط أسعار النفط.
“في حال تباطأ الإقتصاد أكثر فإن الحكومة قد تتوقف عن بناء بعض أنواع البنية التحتية، مثل الحدائق العامة، ولكنها سوف تستمر في بناء البنية التحتية للمياه والكهرباء على سبيل المثال”، قال زمبراكجي.
مع ذلك، فإن الهوامش في القطاع ضيّقة. ويقول لؤي بديع بطاينة، رئيس إدارة الإستثمار وكبير مسؤولي الاستثمار في بنك عُمان العربي أن المنافسة الشديدة في قطاع الأعمال قد أدت إلى إنخفاض الأسعار في السنوات الأخيرة، على الرغم من أنه أضاف بأن صفقات تمويل المشاريع كانت فرصة للبنوك لتوليد عمل إضافي قائم على الرسوم من العملاء. هذه المنافسة من المرجح أن تصبح أكثر كثافة أيضاً مع دخول القطاع المصرفي الإسلامي الوليد إلى السوق.
في شباط (فبراير) 2015 وقع بنك نزوى أول صفقة للتمويل في مجال المشاريع الكبرى، بمنحه قرض 40 مليون دولار لبناء مصنع للأنتيمون، الذي قال عنه هارونا رشيد أن من شأنه التأكيد على أن التمويل الإسلامي يمكن أن يعمل بشكل جيد في السلطنة. “لدينا كل الأدوات اللازمة لتوفير 100٪ من الأرصدة لتمويل المشاريع المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في عُمان”، قال.

إقراض غير مصرفي

هناك ست شركات تمويل عاملة في السوق العُمانية، وفقاً للبنك المركزي العُماني. وبلغ إجمالي القروض المُقدّمة من هذا القطاع 888 مليون ريال (2.3 ملياري دولار) في العام 2014، بزيادة 8٪ عن العام الذي سبق، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وحققت شركات التمويل أرباحاً جيدة في السنوات الأخيرة، مع وصول العائد على الأصول إلى نسبة 3.8٪ والعائد على حقوق المساهمين إلى نسبة 14.4٪ في العام 2014، عندما إرتفعت الأرباح قبل الضرائب إلى 11٪ في العام على اساس سنوى إلى 33.7 مليون ريال (87.25 مليون دولار). في حين أن معدلات القروض المتعثّرة كانت أعلى مما كانت عليه في القطاع المصرفي، عند 5.9٪ في العام 2014، وقد تم توفيرها بالكامل، وفقاً للبنك المركزي العُماني.
مع ذلك، فإن المنافسة بين شركات التمويل والبنوك في الوقت الحاضر ثقيلة ومتنامية، مع تركيز الأخيرة على تصعيد نشاطها في مجال تمويل السيارات على وجه الخصوص.
“إتخذت البنوك موقفاً أكثر عدوانية في قطاع السيارات الجديدة وقد بدأت الآن دخول قطاع السيارات المُستعملة أيضاً”، قال سونيل فيرواني، المدير العام للتسويق والمبيعات في شركة عُمان أوريكس للتأجير. مضيفاً: “يمكن للبنوك أن تقدم أسعار فائدة مُنخفضة، لذلك فإن شركات التمويل تنافس على الخدمة، وعلى وجه الخصوص قدرتنا على تقديم مرات أسرع بكثير من الدوران”. هذه المنافسة المتزايدة تساعد على تفسير إنخفاض معدلات نمو الإقراض في العام 2014 إلى 8٪، من 16٪ في السنة التي سبقتها. إن تزايد وجود البنوك في سوق السيارات يعني أن آفاق النمو في سوق الأعمال – وفي قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص – هي واعدة أكثر من تلك التي في مجال تجارة التجزئة، وفقاً لفيرواني. وقال أن شركات التمويل تطالب السلطات بالسماح لها بتنويع عروض منتجاتها، وذلك، على سبيل المثال، السماح بالتمويل العقاري والتمويل الإسلامي وذلك لمساعدتها على التعويض عن الفرص التجارية الضائعة في سوق السيارات. ومع ذلك، قال الشيخ أنه لن يكون هناك دائماً مكان في السوق لشركات التمويل. “إن القطاع هو أقل تنظيماً وشركات التمويل لديها شهية عليا للخطر أكثر من البنوك”، قال.
معظم التمويل للمقرضين من غير البنوك يأتي من البنوك، مع إصدارات سندات نادرة المقارنة. وقد سُمح لشركات التأجير بقبول ودائع من العملاء من الشركات (ولكن ليس من التجزئة)، مع أنه ليس في الواقع مصدراً رئيسياً لتمويل القطاع.
وقد أشار البنك المركزي العُماني إلى أن هذا الاعتماد على التمويل المصرفي يمكن أن يقيّد الربحية إذا ضيَّق القطاع المصرفي وشدّد السيولة. إن الشركات في القطاع حريصة على تنويع مصادر تمويلها أيضاً. “إن السماح للشركات المالية بقبول ودائع التجزئة سوف يعزز قدرة القطاع على المنافسة مع البنوك بشأن أسعار الفائدة”، قال فيرواني.
وتفيد أرقام الصناعة بأن التوقعات بالنسبة إلى هذا القطاع يعتمد على أداء الاقتصاد بشكل عام. “إن النمو يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، ومشاريع البنية التحتية على وجه الخصوص”، قال فيرواني. “إذا حافظت الحكومة، أم لا، على الإنفاق في السنوات المقبلة، بغض النظر عن إنخفاض أسعار النفط، فسوف يكون عاملاً محدداً رئيسياً. على سبيل المثال، فإن مشروع سكة الحديد المزمع سوف يوفّر فرصاً هائلة لشركات التمويل لتمويل العمل فيه”، مضيفاً.

الإطار التنظيمي

يتمتع البنك المركزي العُماني بسمعة تتلخص بأن ممارساته التنظيمية حذرة وفي بعض الأحيان متحفّظة، مع نسب إحترازية صارمة، فضلاً عن وجود عدد من الحدود القصوى للأسعار ونسب الإقراض. على سبيل المثال، حدد سعر الفائدة على القروض للأفراد بنسبة 6٪؛ ونسبة عبء الديون أيضاً تقيّد المبلغ الذي تستطيع البنوك أخذه كتسديدات من راتب العميل.
“أنظمة البنك المركزي قد أنقذت مراراً السوق من الوقوع في مشاكل”، قال زمبراكجي. “إن البنك المركزي العُماني ليس محافظاً كما يُعتقد في كثير من الأحيان – أنظمته تسمح للبنوك بالمنافسة وهي مناسبة تماماً لهذا البلد – ولكن متطلباته التي هي أعلى قليلاً من بازل III كانت جيدة للإستقرار، ولا سيما بالنظر إلى الخطر بأن أسعار النفط المنخفضة يمكن أن تؤدي إلى جف رأس المال”، مضيفاً.
مع ذلك، قال الشيخ أن القيود المفروضة في قطاع التجزئة يمكن أن تتعارض في بعض الأحيان مع الأهداف الأخرى، مثل توسيع نطاق الإقراض المصرفي. “إنه من الحكمة أن تكون هناك قيود على الإقتراض لضمان أن العملاء لا يصبحون مُثقلين بالديون. ومع ذلك، بعض قيود التسعير الموجودة حالياً يعني أن البنوك لن تقرض بعض القطاعات، وهو ما يشكل عائقاً أمام زيادة الشمول المالي”، قال.
بالنسبة إلى هذه الفترة، يبدو من غير المرجح أن يخفف البنك المركزي العُماني هذه القيود. وقد أشار في أيار (مايو) 2015 في “تقرير الاستقرار المالي” بأن مديونية الأسر من حيث المرتبات الشهرية الصافية كانت مرتفعة، لا سيما في ما يتعلق بديون الإسكان، وأنه “أعلن تدابير تنظيمية لكبح جماح هذا الاتجاه”.
إن نمو الإقراض من المرجح أن يتباطأ إذا ظلت أسعار النفط منخفضة ونمو الناتج المحلي الإجمالي تباطأ نتيجة لذلك. ولكن، يشير النهج التنظيمي الحذر إلى أن الصناعة المصرفية في السلطنة ستظل مستقرة، وأن القطاع المصرفي الإسلامي سوف يستمر في التوسع بسرعة. إن الاندماج المتوقّع لبنك ظفار وبنك صحار إذا مضى قُدماً، سوف يخلق مؤسسة جديدة كبيرة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة المنافسة بين البنوك الكبرى في السلطنة وكذلك تعزيز قدرة القطاع المصرفي العُماني على تمويل المشاريع الكبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى