خلايا وقود الهيدروجين تحجز مكاناً في مستقبل الطاقة

شهد منتصف القرن التاسع عشر إختراع تقنية خلايا الوقود الهيدروجينية في إنكلترا على يد السير وليام روبرت غروف. ولكن نظرًا إلى عدم جدوى إستخدامه في تلك الفترة، ظل هذا الاختراع حبيس الأدراج لأكثر من 130 سنة تقريبًا. وعادت خلايا الوقود مرة أخرى إلى الحياة في ستينات القرن الفائت، وذلك عندما طوّرت شركة “جنرال إليكتريك” خلايا تعمل على توليد الطاقة الكهربائية اللازمة للإستخدام في سفينتي الفضاء الشهيرتين “جيمني” و”أبولو”، بالإضافة إلى توفير مياه نقية صالحة للشرب لرواد الفضاء. وكانت الخلايا الأولى في تلك المركبتين كبيرة الحجم وباهظة التكلفة، لكنها أدت مهامها من دون وقوع أي خطأ، وإستطاعت أن توفّر تياراً كهربائياً ومصدرًا للمياه النقية الصالحة للشرب في مركبات الفضاء.
واليوم تعود خلايا وقود الهيدروجين إلى الساحة العالمية بعدما تحوّل العالم إلى البحث عن طاقة بديلة من النفط، لخلق بيئة بعيدة قدر الإمكان من إنبعاثات الكربون…ولكن هل نجح الخبراء والعلماء في الوصول إلى ذلك؟

سيارة تسير بخلايا وقود الهيدروجين
سيارة تسير بخلايا وقود الهيدروجين

واشنطن – محمد زين الدين

جاذبية خلايا وقود الهيدروجين كانت واضحة منذ فترة طويلة. ولأنها تستخدم التفاعلات الكهروكيميائية لتوليد الكهرباء من الهيدروجين، التي تنبعث منها فقط الحرارة والماء خلال هذه العملية، فإنها توفّر مصدراً أخضر لتوليد الطاقة، وخصوصاً للسيارات. ما لم يكن واضحاً، مع ذلك، هو كيفية جعل خلايا وقود الهيدروجين أن تكون عملية. في العام 2009، قال وزير الطاقة الأميركي في حينه، ستيفن تشو، في مقابلة أنه من أجل أن يكون نقل خلايا وقود الهيدروجين عملياً، هناك “أربع معجزات” ينبغي أن تحدث. أولاً، على العلماء العثور على وسيلة فعّالة ومُنخفِضة التكلفة لإنتاج الهيدروجين. ثانياً، عليهم أن يطوّروا طريقة آمنة ذات كثافة عالية لتخزين الهيدروجين في السيارات. ثالثاً، يجب إنشاء بنية تحتية لتوزيع الهيدروجين بحيث ستكون للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود خيارات وافرة للتزود بالوقود. رابعاً، على الباحثين تحسين قدرة أنظمة خلايا الوقود نفسها، والتي لم تكن تدوم طويلاً وقوية، ومنخفضة التكلفة مثل محرّك الإحتراق الداخلي. وإختتم تشو بأنه من غير المحتمل تحقيق جميع الإختراقات الكبيرة الأربعة. “إن القديسين يحتاجون إلى ثلاث معجزات فقط”، أضاف.
وفقاً لذلك، فإن وزارة الطاقة في الولايات المتحدة خفّضت بشكل كبير التمويل لخلايا الوقود، وحدّت من دعمها للبرامج المختلفة في هذا المجال إلى ما يقرب من ثلث مستوياتها السابقة. بالنسبة إلى بقية فترة تشو في منصبه، لم تُعطَ تقريباً أي منح جديدة لتطوير التكنولوجيا في الجامعات والمختبرات الوطنية أو الشركات الخاصة. على الرغم من أن إجمالي نفقات الوزارة على خلايا الوقود والهيدروجين قد بلغت دائماً جزءاً صغيراً من الإستثمار العالمي الشامل في القطاع، فقد أرسل التغير في الموقف إشارة متشائمة للغاية إلى جميع أنحاء العالم.
مباشرة بعد إنتشار تعليقات تشو، أصدر مجتمع الهيدروجين دفاعاً، مؤكداً على أنه تم إحراز تقدم كبير. لكن الضرر كان وقع. وإلتقطت الصحافة إزدراء إدارة أوباما، وإختفت المقالات الإيجابية حول خلايا وقود الهيدروجين تقريباً. وتوقفت الجامعات عن التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس في مجال يُنظَر إليه على أنه يحتضر على فراش الموت، وهرب الطلاب المتفوقون إلى مواضيع أخرى، وإضطرت البرامج في مختبرات وطنية إلى إعادة تكوين جهودها. وعرف العلماء إنخفاضاً مفاجئاً في فرص التمويل للهيدروجين وغيَّروا تركيز أبحاثهم إلى تقنيات أخرى. كان التأثير الكلي تقلّصاً حاداً في خط أنابيب الموارد البشرية لتغذية أبحاث الهيدروجين وخلايا الوقود.
كل هذا لم يكن بالضرورة أمراً سيئاً: التكنولوجيات الجديدة كانت تحدث في كل وقت، دافعةً جانباً القديمة منها التي لم تعد مُلزِمة للسوق. في حالة خلايا وقود الهيدروجين، مع ذلك، حقق العلماء حقاً إختراقات كبيرة، حيث صارت التكنولوجيا أخيراً في طريقها إلى السوق. بدلاً من إعادة توجيه موارد محدودة لتقنيات أكثر واقعية، فإن سياسة الإدارة الأميركية المثيرة للجدل سحبت البساط من تحت أبحاث وتطوير خلايا وقود الهيدروجين في الولايات المتحدة وسلَّمت القيادة في هذا القطاع إلى بلدان أخرى. إن براءات الإختراع هي أفضل مؤشر إلى التقدم العملي لأي تكنولوجيا، وحتى فيما خفضت الإدارة الأميركية دعمها للبحث في خلايا وقود الهيدروجين (وزادت دعمها لغيرها من تكنولوجيات الطاقة النظيفة)، فإن عدد براءات الإختراع الأميركية المتعلقة بخلايا الوقود واصل تقزّمه بالنسبة إلى عدد البراءات في تكنولوجيات الطاقة الأخرى، بإستثناء الطاقة الشمسية.
في الوقت عينه، مع ذلك، ذهبت غالبية تلك البراءات إلى كيانات آسيوية. في العام 2012، تجاوزت اليابان الولايات المتحدة بإعتبارها المانحة الأولى لبراءات الإختراع الأميركية التي تعمل بخلايا الوقود، مع حلول كوريا الجنوبية في المركز الثالث. وفي ذلك العام نفسه، مع إحراز لاعبين عالميين تقدم في عمليات تسويقهم، عرف الوزير تشو بعض التغيير. “الآن تبدو الإقتصاديات جيدة”، قال. “البصمة الكربونية تبدو أفضل بكثير”، مضيفاً. وما يبدو أنه قد أخذ تشو على حين غرة كان وفرة الغاز الطبيعي المُكتشف حديثاً في الولايات المتحدة، والذي يمكن أن تتم معالجته الآن إقتصادياً إلى هيدروجين، وعدم إحراز التقدم المُتوقَّع في مجال البطاريات، وهي تكنولوجيا إستثمرت فيها وزارة الطاقة الأميركية بكثافة.
موقف تشو لم يكن له أثر عملي كبير، مع ذلك، نظراً إلى أنه ترك منصبه في العام 2013. وعلى الرغم من أن وزارة الطاقة قد أعادت في الآونة الأخيرة بعضاً من دعمها للبحوث في مجال خلايا وقود الهيدروجين، فإنها تموّل تلك البحوث بشكل أقل من المستويات التي كانت تتبعها سابقاً. وفي الوقت الذي فقد القطاع واحداً من أكبر مصادر دعمه، فإنه شهد قفزة كبيرة إلى الأمام من حيث التطبيق العملي.

هل تؤمن بالمعجزات؟

كل واحدة من المعجزات الأربع التي ذكرها الوزير الأميركي السابق تشو في العام 2009- التي تنطوي على الإنتاج والتخزين والتوزيع والتحويل الفعلي لللهيدروجين – بدأت تتحقق. إن إنتاج الهيدروجين يكلّف الآن أقل وتنبعث منه كمية من الكربون أقل من أي وقت مضى. في جزء منه، جاء نتيجة لوفرة الغاز الطبيعي المكتشف حديثاً في أميركا، المصدر لمعظم الهيدروجين المُنتَج. ولكنه كان أيضاً نتيجة للتحسينات التكنولوجية التي أُدخِلت على عملية “تشكيل” الغاز الطبيعي وتحويله إلى هيدروجين. الواقع أن كلفة إنتاج غالون من البنزين تبلغ الآن الكلفة عينها لإنتاج الكمية ذاتها من الطاقة من الهيدروجين والغاز الطبيعي. وفي الوقت نفسه عرف التحليل الكهربائي – طريقة أخرى لإنتاج الهيدروجين تستخدم الكهرباء لتقسيم الماء إلى هيدروجين وأوكسيجين – تخفيضات كبيرة في التكاليف كذلك. والذي يجعل التحليل الكهربائي جذاباً خصوصاً هو أنه عندما يكون معتمداً على مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، فلا تنبعث منه مباشرة أي كمية من الكربون.
من ناحية أخرى، تحسنت عملية تخزين الهيدروجين. لقد إستُخدمت نماذج لعرض خزانات ضخمة تم تحديثها وتعديلها في سيارات مُصمَّمة للمحركات التقليدية. لكن أحدث الخزانات توفر مساحة من خلال تكاملها بشكل أفضل مع تصميم السيارات ومن طريق تخزين آمن للهيدروجين عند الضغط العالي، وترك مساحة أكبر للركاب وأمتعتهم. هذا الجيل الجديد من الخزانات يسمح لسيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين السفر لأميال عدة بخزان واحد كما السيارة التي تعمل بالبنزين وتستهلك حوالي الوقت عينه والكمية ذاتها من الوقود. وهذا يعطي السيارات التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين ميزة كبيرة على منافستها الرئيسية الكهربائية، السيارة التي تعمل بالبطارية، التي تدوم فترة محدودة وتستغرق ساعات لإعادة شحنها.
العقبات التي تعترض التوزيع بدأت تنخفض بشكل كبير أيضاً. من الصحيح أنه مع عدد قليل نسبياً من خطوط أنابيب مخصصة موجودة، فإن الهيدروجين لم يظهر بعد في الغالبية العظمى من محطات الوقود. ولكن هناك حلولاً واعدة قيد العمل. إن غالبية دول العالم المتقدمة لا تملك بنية تحتية جيدة لتوزيع الغاز الطبيعي، التي يمكن أن تغذّي المفاعلات الصغيرة التي تنتج الهيدروجين. ويمكن أيضاً أن يُنتَج الهيدروجين في الموقع من خلال التحليل الكهربائي. الواقع أن كلاً من البنية التحتية للغاز الطبيعي وإنتاج التحليل الكهربائي يمكنه أن يسمح لمحطات الوقود البدء بالتشغيل في المدى القصير، من دون الحاجة إلى إنتظار عقود من الزمن للإنتهاء من بناء شبكة ضخمة من خطوط أنابيب الهيدروجين. ويجري حالياً تركيب محطات تستخدم واحدة من طريقتي التوزيع في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية.
أخيراً، على مدى العقد الفائت، صارت خلايا الوقود أكثر كفاءة، وديمومة، وغير مكلفة. والتقدم في هذا المجال، المُدين جزئياً إلى برنامج وزارة الطاقة الأميركية قبل تخفيض التمويل، وضع معالم أساسية واضحة، وأثبت نجاحاً كبيراً في تحريك ودفع التكنولوجيا قدماً إلى الأمام. ونتيجة لذلك، إنخفضت تقديرات تكلفة أنظمة خلايا الوقود المتتجة لكميات كبيرة جداً من 124 دولاراً لكل كيلو واط من الطاقة في العام 2006 إلى 55 دولاراً لكل كيلو واط في العام 2014. وتحسنت متانة وديمومة هذه الأنظمة بشكل كبير أيضاً، وهي الآن تحقق توقعات العملاء المعتادين على السيارات التقليدية.

مستعِدّ للأسواق

لم يبقَ كل هذا التقدم في زجاجات داخل المختبرات: بعض تكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين يثبت الآن قدرة على المنافسة في تطبيقات العالم الحقيقي. وكان المتشائمون إعتادوا على القول أن خلايا الوقود هي دائماً على بُعد عامين من الوصول إلى السوق. هذا القول المأثور لم يعد قائماً. في جميع أنحاء العالم، تتزايد مبيعات وحدات خلايا الوقود في كل عام، مع إرتفاع كثافة شحن الميغاواط من الطاقة الاستيعابية أكثر من الضعف بين 2009 و2013.
قسم كبير من هذه الطاقة إنتهى في السيارات، التي كانت بالفعل في خط الانتاج. “هيونداي” بدأت إستخدام خلايا وقود الهيدروجين في نموذجها “توكسون كروس أوفر” ذي الفائدة المركبة في أجزاء معينة من آسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة التي لديها محطات وقود. تبلغ كلفة البيع بالتقسيط لهذه السيارة (في أميركا) 499 دولاراً شهرياً لمدة ثلاث سنوات مع دفعة أولى مسبقاً قدرها 2999 دولاراً وتأتي مع هيدروجين مجاني. في وقت لاحق هذا العام، من المتوقع أن تعرض “تويوتا” نموذج “ميراي”، مع سعر قدره 57،500 دولار. كما أن شركات صناعة السيارات الكبرى الأخرى تحذو حذوها حيث أعلنت بدورها عن خطط لتقديم نماذج إضافية في المستقبل القريب. اليوم، كل شركة صانعة للسيارات رئيسية لديها نوع من برنامج لتطوير خلايا الوقود أو مشروع شراكة مع صانع آخر في هذا المجال. لدعم السيارات الآتية من خط التجميع، في ولاية كاليفورنيا، وآسيا، وأوروبا، فإن محطات وقود جديدة في الموقع هي قيد الإنشاء، جنباً إلى جنب مع توسيع شبكات التزود بالوقود. ويمكن العثور على خلايا الوقود حتى على متن السفن. منذ العام 2002، صنعت القوات البحرية في ألمانيا وكوريا الجنوبية غواصات تعمل بواسطة مزيج من الديزل وخلايا الوقود. كما أن اليابان وروسيا والولايات المتحدة تتبع برامج مماثلة.
على الرغم من أن وسائل النقل ربما كانت تمثّل التطبيق الأكثر بريقاً لخلايا الوقود، فهي تشق طريقها إلى مجموعة متنوعة من الأسواق الأخرى كذلك. في جزء كبير لأن التقدم في مجال خلايا الوقود في قطاع السيارات تترجم بشكل جيد في الأسواق الأخرى. بالنسبة إلى جميع الإستخدامات الممكنة لخلايا الوقود، فإن وضعها في سيارات يتطلب تصميماً أكثر تحدياً. ينبغي أن تكون خلايا وقود السيارات صغيرة، ذات قوة عالية، غير مُكلفة، وتعمل في جميع البيئات والظروف، وقادرة على التعامل مع مطالب متفاوتة من الحمولة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على السيارات التي تعمل بخلايا الوقود التغلب على بعض المنافسة الصعبة للغاية: ليس فقط سيارات البنزين التي هيمنت على وسائل النقل لأكثر من قرن من الزمان ولكن أيضاً تلك الهجينة والكهربائية التي تكتسب حصة في السوق.
كان أحد أكبر مجالات النمو للهيدروجين هو في توليد الكهرباء الثابتة. وتضع خلايا الوقود بسرعة موطئ قدم في هذه السوق، حيث تعمل كمصدر إحتياطي للطاقة أو تسمح للمستهلكين بالإعتماد عليها وعدم الربط أو الإرتباط بالشبكة العامة تماماً. المتبنون الأوائل لخلايا الوقود في هذا المجال كانوا في آسيا، حيث كانت أنظمة متكاملة منذ سنوات تولّد في أي مكان بعض الكيلوواطات إلى مئات الكيلوواطات للإستخدام. كما أن خلايا الوقود المنزلية التي تولّد حوالي كيلو واط واحد من الطاقة في اليابان إنطلقت، حيث أن متوسط الحمل الكهربائي للأسرة هو أصغر بكثير من ذلك الموجود في الولايات المتحدة.
يمكن لخلايا الوقود أن تحل واحدة من أكبر المشاكل الكهربائية للشبكة العامة: عدم وجود سعة تخزين. من دون وسيلة لتخزين الطاقة، فإن المرافق تحتاج إلى بناء مرافقها لذروة الطلب بدلاً من متوسط الطلب. لذلك، على سبيل المثال، يبنون محطات مُكلفة لتوليد الطاقة يتم تشغيلها فقط خلال الأيام الحارة من فصل الصيف. ومن جهة أخرى، إن نمو الطاقة المتجددة قد جعل الأمور أسوأ، لأن الساعات التي تولّد فيها هذه المصادر المتقطعة الطاقة لا تتطابق في كثير من الأحيان مع الساعات التي يستخدم خلالها معظم المستهلكين الطاقة. إن التخزين يخفف من هذه المشكلة.
وقد يقدم الهيدروجين واحداً من الطرق الأنظف، والأكثر كفاءة، والأكثر تنوعاً لتخزين الطاقة. عندما يتم توليده من خلال التحليل الكهربائي، فإن الهيدروجين يمكن تخزينه ومن ثم إستخدامه لتوليد الكهرباء عند الطلب في وقت لاحق من طريق خلايا الوقود، ويُستخدم لملء خزانات السيارات التي تعمل بخلايا الوقود، أو إرساله إلى أي مكان آخر من خلال خطوط الأنابيب. لقد جعلت التطورات الحديثة التحليل الكهربائي خيار تخزين للطاقة أكثر جاذبية، ولكن هناك العشرات من الأساليب المنافسة لتخزين الكهرباء — من البطاريات العملاقة إلى الهواء المضغوط إلى المياه التي يتم ضخها عمودياً– حيث لم يبرز بعد أي فائز واضح.

الوصول إلى هناك

على الرغم من أن خلايا وقود الهيدروجين المُتاحة تجارياً لم تعد شيئاً من المستقبل، فإن عليها أن تجتاز طريقاً طويلاً قبل أن تنال إعتماداً واسع النطاق. وتعتبر السلامة واحدة من أهم التحديات. الهيدروجين هو مادة شديدة الإشتعال ويمكنه حتى من تلقاء نفسه أن يشتعل عند تعرضه لمجرد كمية صغيرة من الهواء. إن مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك تجهيز الأغذية، وإنتاج الصلب، والفضاء، قد إستخدمت لفترة طويلة الهيدروجين بأمان. ولكن أنظمة السلامة الصناعية القائمة التي تغطي وسائل النقل، والتخزين، والإستخدام ليست بعد كافية للتعامل مع جميع التطبيقات المتوقعة المتعلقة بخلايا الوقود. إن مراجعة تلك الأنظمة هي عملية تستغرق وقتاً طويلاً والتي من شأنها أن تضم عدداً من مختلف أصحاب المصلحة – المؤسسات والوكالات الحكومية، الشركات المصنعة، والمجموعات التجارية…
ويقف عائق كبير في طريق خلايا الوقود ويتمثل بتحسن إستمرارية المنافسة. من شبه المؤكد أن وسائل النقل سوف تعتمد يوماً على الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري وأن تلك النظم لتخزين الطاقة على نطاق واسع ستنضم إلى الشبكة الكهربائية. ولكن هناك العديد من التقنيات الواعدة التي يمكن أن تملأ تلك الإحتياجات. في الوقت الراهن، السيارات الهجينة والكهربائية هي ببساطة أفضل من السيارات التي تعمل بخلايا الوقود عندما يتعلق الأمر بالجدوى التجارية، ولذا قد يكون على خلايا الوقود إنتظار دورها. إن طفرة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة جعلت أيضاً خلايا الوقود أقل جاذبية من غيرها من مصادر الطاقة. على الرغم من أن الطفرة قد قلّلت من تكلفة إنتاج الهيدروجين، فإنها خفضت أيضاً تكلفة مصادر الطاقة التقليدية بمقدار مناسب. إلى أن يحقق الهيدروجين مكاسب من حيث التكلفة – من خلال قوى السوق، والضرائب، أو الحوافز — فسيجد صعوبة في كسب حصة في السوق.
ثم هناك البنية التحتية. على الرغم من أن التكنولوجيا لمحطات التزود بوقود الهيدروجين بطريقة آمنة موجودة بالفعل، فإنه ليس هناك ببساطة ما يكفي من تلك المحطات لتزويد السيارات التي تستخدم خلايا الوقود حتى الآن لتوسيع إنتشارها الجغرافي. بعض البلدان، بما في ذلك ألمانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، لديها خطط لبناء محطات أكثر لذلك، ولكن هذا الأمر لا يزال في بداياته. إن العقبة الرئيسية ليست الكلفة رغم أنه ستكون هناك حاجة إلى مساعدة الحكومة. ويتفق معظم الخبراء أنه في المدى الطويل، ستكون الطريقة الأقل تكلفة لتوزيع الهيدروجين شبكة مُخَصَّصة من خطوط الأنابيب مشابهة لتلك الموجودة في المكان للغاز الطبيعي، أو حتى شبكة تستخدم أنابيب الغاز الطبيعي الموجودة، التي من شأنها تغذية الغاز الطبيعي إلى نهاية الأنابيب حيث سيتم إنتاج الهيدروجين في الموقع. هناك أيضاً تساؤلات حقيقية حول من سيبيع الهيدروجين وأين ستذهب خطوط الأنابيب. في العديد من البلدان، تتمثل المشكلة الرئيسية في الحصول على حقوق الأراضي لبناء خطوط أنابيب، ولذا من المحتمل أن تُبنى على طول الطرق السريعة، حيث تمتلك الحكومة فعلياً الأرض.
الواقع إن التغلب على هذه التحديات يعتمد على تكلفة الطاقة التقليدية، وتطوير البطارية والتكنولوجيا الهجينة، والإرادة السياسية لإجراء التغييرات التنظيمية المطلوبة، والإستثمار في البنية التحتية اللازمة. إذا كانت الظروف مواتية، عندها سيلوح مستقبلاً مشرقاً في الأفق: عالم ينتج طاقة في آخر المطاف يتم تخزينها وتوزيعها بطريقة فعالة من حيث التكلفة ومع تقلص إلى حد كبير من إنبعاثات الكربون. بالتأكيد، إن خلايا وقود الهيدروجين لن تفي بكل حاجات المجتمع في أي وقت قريب، لكنها ستحصل على موطئ قدم حقيقي.
سيأتي مثل هذا المستقبل من باب المجاملة للتقدم المُحرَز على مدى العقد الماضي، العديد منه في المختبرات الأميركية. لكن على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال لاعباً رئيسياً، فإنها لم تعد تُملي جدول الأعمال العالمي. إن الحكومات الآسيوية والأوروبية وشركات تصنيع خلايا الوقود تجاهلت في جزء كبير أولويات الموازنة الأميركية وقطعت شوطاً كبيراً من تلقاء نفسها. وهنا يمكن للمرء مناقشة ما إذا كانت كل معجزات تشو الأربع حدثت حقاً. ولكن ما هو واضح الآن هو أن كيانات خارج الولايات المتحدة ستكون الأكثر إحتمالاً للاستفادة منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى