عُمان، عالقة بين السعودية وإيران

مسقط – سمير الحسيني

كانت سلطنة عُمان دائماً العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي يتمتع بأفضل االعلاقات مع إيران. وينبغي هنا أن يُفهَم تحالف مسقط مع طهران في إطار النهج العُماني المستقل بالنسبة إلى الشؤون الخارجية تحت قيادة السلطان قابوس.
منذ وصوله إلى السلطة في العام 1970، وازن قابوس بحكمة وإستراتيجيا بين المصالح المتضاربة للدول الأكبر والأقوى المجاورة لعُمان من دون صنع أعداء. وثمة ركيزة أساسية للسياسة الخارجية العُمانية تكمن في الحفاظ على التحالفات مع كل من الرياض وطهران، بدلاً من الوقوف مع المملكة العربية السعودية لمواجهة الجمهورية الإسلامية.
إن الأزمة السياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط في مطلع 2016 – الناجمة عن إعدام السعودية الشيخ نمر النمر في 2 كانون الثاني (يناير) الجاري، تلاها رد غاضب من إيران – تختبر قدرة مسقط على الحفاظ على هذا الحياد الإستراتيجي في الوقت الذي تبدو الرياض أنها عازمة على توحيد حلفائها ضد طهران.
في هذا المنعطف المحوري في تاريخ الشرق الأوسط، الذي وصلت خلاله التوترات الطائفية إلى أعلى مستوى لها منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ليس هناك ما يدل على أن عُمان هي على وشك التخلي عن هذا النهج التصالحي. على العكس من ذلك، لقد كان رد فعل المسؤولين العُمانيين على تصاعد التنافس الجيوسياسي بين السعودية وإيران بإتباع نهجهم العادي الهادىء.
وقد أدان القادة العمانيون بالفعل الهجمات العنيفة على الوجود الديبلوماسي السعودي في طهران ومشهد الإيرانيتين بعد إعدام نمر، واصفين الإجراءات بأنها “غير مقبولة”، ولكن على عكس دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لم تقطع مسقط / أو تخفّض علاقاتها الديبلوماسية مع طهران. في الواقع، توجه وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله، وسفير سلطنة عُمان في إيران، سعود بن أحمد البرواني، إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين ومناقشة الأزمة.
من وجهة نظر مسقط، هذا التصعيد للتوتر الجيوسياسي والفتنة الطائفية أمر مؤسف، ويمكن أن يقوّض بشدة المصالح الوطنية الخاصة للسلطنة في جميع أنحاء المنطقة. في العام الماضي، بذلت مسقط جهداً كبيراً لدفع الحوار بين الفصائل المتحاربة في سوريا واليمن. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية الآن وتسعة بلدان من حلفائها وشركائها (البحرين، جزر القمر، جيبوتي، الأردن، الكويت، قطر، الصومال، السودان والإمارات العربية المتحدة) قد قطعت و/ أو خفضت العلاقات الديبلوماسية مع إيران – مع إعراب زعماء مصر وتركيا عن مواقف مؤيدة للسعودية – مثل هذه الأزمة الديبلوماسية تهدّد حقاً مبادرات السلام الهشّة في سوريا واليمن.
تشارك عُمان ملكية مضيق هرمز الإستراتيجي مع إيران، وبالتالي لديها مصالح وطنية عميقة في القلب في تبريد التوترات بين دول مجلس التعاون الخليجي والجمهورية الإسلامية. ومسألة الطلب على الطاقة في المدى الطويل بالنسبة إلى السلطنة هي في الصدارة. على الرغم من أن المشروع لم يتحرك بالسرعة التي كانت تفضّلها مسقط، فإن عُمان وإيران بصدد تطوير خط أنابيب للغاز الطبيعي تحت الماء بين البلدين. عُمان، الأقل غنى بالنفط من باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي وتواجه مشاكل إقتصادية خطيرة نتيجة إنخفاض أسعار النفط، تنظر إلى إستيراد الغاز الطبيعي الإيراني كهدف جيوسياسي وإقتصادية حرج. بالتأكيد ستكون مسقط حريصة على تجنب التحركات التي يمكن أن تضر هذه العلاقة المتزايدة في مجال الطاقة مع إيران، والتي، إستطراداً، تفتح عُمان إلى الدول الغنية بالغاز في آسيا الوسطى.
الواقع أن التي لم تخسر في المعادلة هي الطائفية. عُمان، مع غالبية إباضية، تنظر إلى تصعيد الصراع الطائفي بين المسلمين الشيعة والسنة في الشرق الأوسط بأنها مأساة للعالم الإسلامي الأكبر. بدلاً من الإنضمام إلى المملكة العربية السعودية في تسليح الأصوليين السنة في جميع أنحاء المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني المتمدّد، تجنّبت عُمان الإنحياز لأي فريق في هذه النزاعات، مثمّنةً بدلاً من ذلك التوصّل إلى حلّ سلمي. إستخدمت عُمان حيادها لتطوير علاقات جديرة بالثقة مع جميع الأطراف في الأزمتين السورية واليمنية، الأمر الذي مكّن السلطنة لكي تلعب دور وسيط شرعي ونزيه في طرق لم يستطع القيام بها أي عضو آخر من دول مجلس التعاون الخليجي.
إن الروابط التاريخية بين إيران وسلطنة عُمان (وثّقها خصوصاً الشاه الراحل عندما أرسل قواته إلى محافظة ظفار لمساعدة السلطنة على سحق التمرد الماركسي المدعوم من الخارج في سبعينات القرن الفائت) قد شكّلت فهم مسقط الفريد لإيران ودورها في النظام الجيوسياسي في منطقة الخليج. إن عُمان لا تنظر الى إيران على أنها إمبراطورية فارسية، ملكية أو جمهورية إسلامية، وإنما تعتبرها جارة ستكون موجودة دائماً بغض النظر عمن يكون في السلطة.
مع ذلك،، لا توجد دولتان لديهما كل المصالح مشتركة، وعلاقات السلطنة وإيران ليست خالية من القضايا تماماً. منذ قيام الثورة الإيرانية، كان لدى المسؤولين في مسقط وإيران وجهات نظر مختلفة جذرياً عن الدور العسكري الأميركي في الخليج. عُمان، حليف مقرَّب من الغرب، وتعتمد دائماً على أقوى قوة بحرية في العالم – سابقاً بريطانيا، والآن الولايات المتحدة – لحماية أمنها القومي. منذ العام 1979، مع ذلك، كانت القيادة الإيرانية تنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط بإعتباره السبب الرئيسي لإنعدام الأمن والإستقرار.
على الرغم من تفاهمات مسقط وطهران المتضاربة بالنسبة إلى الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فإن المسؤولين العُمانيين يعتقدون دائماً أنه من الأفضل معالجة المشاكل في العلاقات العربية الإيرانية من طريق الحوار، وليس عسكرياً. مما لا شك فيه، أن قطع و/ أو خفض مستوى العلاقات ما بين 10 حكومات أفريقية وعربية سنية في المنطقة وإيران يعتبر بمثابة إنتكاسة لجهود مسقط للنهوض والقيام بمثل هذا الحوار الهادف.
إن الأحداث المؤسفة التي جرت في بداية العام الجديد قد أكدت على مدى نشاز موقف عُمان حقاً بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. في عدم إنصياعها إلى إطار المجلس بقيادة السعودية، لم تسمح مسقط لرد إيران الغاضب على إعدام نمر لتبرير قطع/ أو خفض العلاقات الديبلوماسية مع طهران.
الآثار الكاملة لهذا التصعيد الخطير للتوتر بين السعودية وإيران لم تكتمل أو تتحقق بعد. لكن، كدولة وحيدة عضو في مجلس التعاون الخليجي التي إحتفظت بعلاقات رسمية على أعلى مستوى مع إيران، فإن سلطنة عُمان هي الحليف الوحيد المُحتمَل للرياض في موقف قوي بما فيه الكفاية لتهدئة تفاقم حدة التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران من خلال وساطة. قد يكون من الحكمة للقادة على جانبي الخليج خفض نبرة الحديث الملتهب، ووضع حدّ للسلوك الإندفاعي المتهور وأن يحذوا حذو قيادة عُمان الناضجة من خلال الإنخراط في الحوار بدلاً من إصدار التهديدات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى