كيف ساهمت أميركا في إشعال التوتر بين السعودية وإيران

على الرغم من أن بذور الصراع بين الرياض وطهران قديمة العهد، إلّا أن التوتر الجديد، الذي قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه إذا لم يُهَيمن التعقل في العاصمتين، قد ساهمت فيه واشنطن من حيث تدري أو لا تدري كما يبين التقرير التالي.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: كان هدفاً للإغتيال
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: كان هدفاً للإغتيال

واشنطن – محمد زين الدين

ينطوي توتر العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران على أكثر بكثير من فورة أخرى من التنافس الشيعي – السني، الذي يعود تاريخه إلى معركة كربلاء في القرن السابع، على الرغم من أنه ليس هناك أي شك في أن العداء القديم قد أشعل الإستياء والغضب على كلا الجانبين من هذا الإنقسام الإسلامي الأساسي. أولئك الذين يقولون أن هذا الكلام لم يعد مناسباً من الصعب عليهم إعطاء الشرح المناسب، على سبيل المثال، للعنف السني ضد الشيعة في باكستان، أو التوترات الطويلة الأمد بين السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية والبحرين. ومع ذلك، فإن التنافس على القيادة في الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، هو الذي يقود طهران والرياض إلى حافة الحرب.
لم يكن الدين هو العامل الأساسي وراء الجهود الطويلة الأمد التي تبذلها إيران لتحقيق الهيمنة في منطقة الخليج. كانت قوات الشاه العلماني هي التي إستولت في العام 1971 على جزر أبو موسى من إمارة الشارقة وطنب الكبرى والصغرى من إمارة رأس الخيمة في الوقت الذي كان يجري تشكيل الإمارات العربية المتحدة. كما دعمت قوات الشاه جهود سلطان عُمان قابوس الناجحة في نهاية المطاف لإخماد تمرّد ثوار ظفار الذي دام 14 سنة في العام 1975؛ وهذا التمرّد كان في البداية مدعوماً من المملكة العربية السعودية.
إن سقوط الشاه وقيام نظام الملالي الجديد في إيران لم يكن وسيلة لتقليص طموحات طهران. لقد إستمرت إيران بالمطالبة بالبحرين كمحافظتها ال14. وأصبحت الحليف الإقليمي الرئيسي لحافظ الأسد. وبعد العام 1979 كانت مقر إقامة حسن مهدي الشيرازي، رجل الدين الشيعي الفارسي الأصل والمولود في العراق، الذي كان أعلن أن الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد هي فرع من الإسلام الشيعي. والأهم من ذلك، أصبحت إيران الراعي الرئيسي للمنظمات السياسية والعسكرية الإقليمية خصوصاً في العراق ولبنان. وكانت من أوائل المؤيدين والداعمين الثابتين ل”حزب الله” في لبنان. وكان بين أهدافها إغتيال ديبلوماسيين سعوديين. وقد تم إحياء هذه الممارسة مرة أخرى عندما رعت إيران محاولة إغتيال عادل الجبير، الذي كان سفيراً وقتها للرياض في واشنطن في العام 2011، حسب المصادر الأميركية.
خلال الحرب بين إيران والعراق في ثمانينات القرن الفائت، ردّت طهران على الدعم المالي السعودي لبغداد بتهديد المملكة – وكذلك الكويت، التي كانت أيضاً تموّل العملية العراقية – من طريق إنتهاك طائراتها للأجواء السعودية. وقطع البلدان علاقاتهما الديبلوماسية بعد حادث وقع في أثناء الحج في العام 1987، عندما أطلقت وحدات الأمن السعودية النار على متظاهرين إيرانيين وقتلت مئات عدة منهم. ورداً على الحظر السعودي ضد الإيرانيين لزيارة مناسك الحج، نهب المتظاهرون الإيرانيون السفارة السعودية في طهران، كما حدث أخيراً رداً على إعدام الشيخ نمر النمر.
الذكريات طويلة جداً في منطقة الخليج، وبطرق عديدة، والأزمة الحالية بين إيران ودول الخليج السنية بقيادة السعودية هي إستمرار للعداء المستمر منذ عقود بين طهران وليس فقط الرياض، ولكن الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة أيضاً. وقد أرسلت السعودية والإمارات قوات من رجال الأمن إلى البحرين في العام 2011 رداً على المظاهرات التي قام بها الناشطون الشيعة، الذين تزعم الحكومة البحرينية بانهم مدعومون من الجمهورية الإسلامية. وكان السعوديون والإيرانيين على طرفي نقيض في إثنين من الحروب الأهلية المستمرة. في سوريا، تدعم إيران نظام الرئيس بشار الأسد والسعوديون يدعمون المتمرّدين السنّة. في اليمن، تدعم إيران المتمردين الشيعة الحوثيين، والمملكة العربية السعودية، مع الإمارات، والكويت، والبحرين، وخمس دول سنية أخرى قامت بعمليات عسكرية لدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. والإشتباكات خلال الحج في العام 2015، التي قُتل فيها حجاج إيرانيون تذكّر بمتاعب وأحداث 1987. كما أن رفع عادل الجبير إلى منصب وزير الخارجية في العام 2014، عنى أن الهدف من محاولة إغتيال برعاية إيرانية صار الآن شخصية أكثر أهمية في دوائر السياسة السعودية.
إن التوتر السعودي الإيراني الأخير، والذي سببه إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر بتهم تتعلّق بالإرهاب، هو لذلك حلقة أخرى من التنافس السياسي والديني الطويل الأمد بين الدولتين. إنضمت الكويت والبحرين والسودان إلى السعوديين في قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران، في حين أن الإمارات قد خفضت علاقاتها مع إيران، وهذا لم يكن مفاجأة كبيرة، بالنظر إلى التاريخ المتوتر لهذه الدول مع جارتها الشمالية القوية. إن حقيقة أن هذا الخلاف الأخير قد ينفجر ويتحوّل إلى أعمال عدائية، مع ذلك، ليس فقط بشبب التاريخ أو الدين، ولكن بسبب الفشل الذريع لسياسات الشرق الأوسط لإدارة أوباما.
أبدى السعوديون وحلفاؤهم قلقهم الشديد لدى إنسحاب واشنطن من العراق الذي ترك فراغاً ملآته إيران منذ ذلك الحين من طريق عملائها العراقيين الشيعة، الذين وفّرت سياستهم ضد أهل السنة حافزاً لظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). كانت الرياض تشعر بقلق عميق لسعي الإدارة الأميركية المستمر ليس فقط إلى الإتفاق النووي مع طهران لكن إلى علاقة جديدة معها التي ستكون نتيجتها واعدة لعودة ظهور إيران كقوة إقليمية مهيمنة. وهذا القلق تأكد لدى الخليجيين عموماً، والسعوديين خصوصاً، من خلال عدم رغبة إدارة أوباما ليس فقط بعدم القيام بأي شيء بالنسبة إلى التجارب الصاروخية الإيرانية التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 – في إنتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي – ولكن حتى بالرد على إطلاق طهران صواريخ داخل ميل من سفن تابعة للبحرية الأميركية.
إن دعم واشنطن المتواصل للتطبيع مع ايران رغم الرفض المتكرّر من قبل آيات الله، والواقع على أن الولايات المتحدة صارت مرة أخرى مصدّراً رئيسياً للنفط، وبأن سعر النفط قد ظل منخفضاً، أقنع بوضوح عرب الخليج بشكل عام، والسعوديين المضغوطين بشكل متزايد مالياً بشكل خاص، بأأنهم موجودون في الساحة لوحدهم، على الأقل طالما بقيت الحكومة الأميركية الحالية في السلطة. مع إستمرار الحروب الأهلية في اليمن وسوريا، والإيرانيون والتحالف الذي تقوده السعودية مستمران في دعم الأطراف المتنازعة، لا يبدو أن هناك نهاية في الأفق لأحدث وأخطر التوترات التي تهز الشرق الأوسط، كما لجهود ووساطة جون كيري لحلها.
إن أقصى ما يمكن تمنّيه الآن، على الأقل حتى يتم إنتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة، هو أن تتراجع إيران والمملكة العربية السعودية عن حافة الهاوية. وما إذا كان هذا الأمل يمكن أن يتحقق هو مشكلة كبيرة، لأن المقيمين في البيت الأبيض لن يتم تغييرهم قبل عام آخر. وهذا هو أكثر من ما يلزم من الوقت لأشياء رهيبة يمكن أن تحدث في المنطقة الأكثر إضطراباً في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى