لماذا تجاهل العالم الهجوم الإرهابي الوحشي في بيروت؟

بيروت – رئيف عمرو

تركت هجمات 13 تشرين الأول (نوفمبر) المدمّرة في باريس مئات بين قتيل وجريح، وشلّت المدينة وجلبت إرهاب “داعش” إلى العالم الغربي لأول مرة.
بعد ساعات على الهجمات، إنهمر الحب والدعم على العاصمة الفرنسية “الحبيبة” من كل ركن من أركان العالم. أضيء مبنى “إمباير ستيت” في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني بألوان العلم الفرنسي. وصمّم “فايسبوك” بسرعة صورة بألوان العلم الفرنسي الثلاثة بحيث يمكن للمستخدمين “دعم فرنسا والجمهور الباريسي” وصورة “إختيار السلامة” للسماح للناس في باريس لتنبيه الأصدقاء وأفراد العائلة بأنهم لم يصابوا بأذى.
وأشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن “هذا كان هجوماً ليس فقط على باريس … وليس فقط على الشعب الفرنسي، ولكن … على البشرية جمعاء والقيم العالمية التي نتقاسمها”.
ولكن كان هناك هجوم آخر لتنظيم “الدولة الإسلامية” قبل يوم واحد فقط وقد كان مأسوياً بالحجم ذاته أيضاً. وقد حدث في بيروت – المدينة التي أحبها كثيرون حول العالم وسمّوها باريس الشرق. مع ذلك فإن الهجوم بالكاد قد لوحظ في الغرب. فيما كانت رسائل التضامن مع فرنسا تُغرق وسائل الإعلام الإجتماعية، ويُعرب الأصدقاء والزملاء عن الرعب للفظائع التي إرتكبت، هاجمني سؤال مُحزن: لماذا لا يستحق شعبي الذي أنتمي إليه العيار عينه من التغطية، والحزن الجماعي الواضح ذاته؟
في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) فجّر ناشطان من “داعش” أنفسهما في سوق مزدحمة في حي برج البراجنة في بيروت، مما أسفر عن مقتل 44 وإصابة أكثر من 200 آخرين في أسوأ هجوم إرهابي شهدته المدينة منذ سنوات.
على الرغم من أن الجماعة الإرهابية التي كانت وراء هجمات باريس وبيروت هي نفسها، فإن سرد وسائل الإعلام الغربية كان مختلفاً تماماً. في باريس، هاجم “داعش” شباناً تقدميين في المدينة، حيث قتل العشرات من الذين كانوا يتمتعون بليلتهم في حفل موسيقي، ويشاهدون مباراة لكرة القدم، ويأكلون في مطاعم. في بيروت، ضرب “داعش” “معقلاً لحزب الله” في “الضاحية الجنوبية لبيروت”، وهي منطقة فقيرة، تسكنها غالبية شيعية وتُوصَف في كثير من الأحيان بأنها معقل للإرهاب في المنطقة. وقد صُوِّر الهجوم بأنه ليس أكثر من عقاب على إستراتيجية تدخل “حزب الله” المستمر في الحرب الأهلية السورية ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
غالبية وسائل الإعلام الغربية لم تذكر أنه في حين يقع برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ويتواجد بالقرب منه، مثل العديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تقليدياً، “حزب الله”، فهو أيضاً حي متنوع، يسكنه لبنانيون وفلسطينيون وسوريون مع مجموعة متنوعة من الإنتماءات السياسية والدينية. لقد هدف المهاجمان اللذان فجّرا أنفسهما في سوق مزدحمة إلى قتل مدنيين قدر المستطاع، آخذين معهما بعض الرجال والنساء والأطفال والطلاب والكهول من جميع الأديان والخلفيات. كانت واحدة من الضحايا إمرأة لبنانية أميركية التي كانت في زيارة لبضعة أيام فقط من مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان، حيث كانت تأمل في أخذ بعض أفراد من عائلتها إلى الولايات المتحدة.
ولكن عندما حدثت التفجيرات في بيروت، لم يكن هناك “إختيار سلامة” على “فايسبوك” للبنانيين – أو السوريين أو الفلسطينيين – الذين يعيشون في برج البراجنة. ولم يُعلِن أي زعيم في العالم أو يقول بأنه “هجوم على البشرية جمعاء”. ولم تكن هناك مظاهرات تضامن واضحة، والتي تبيّن الدعم والتعاطف مع أولئك الذين فقدوا حياتهم.
وغني عن القول، بأن مبنى “إمباير ستيت” لم يُضاء بشجرة أرز – رمز العلم اللبناني – فوق أفق مدينة نيويورك.
لقد ثبت علمياً، ومفهوم عاطفياً، أن مأساة صغيرة في الفناء الخلفي للمرء تثير مزيداً من الحزن أكثر من كارثة عالمية على الجانب الآخر من العالم. ولكن في حالة باريس وبيروت، إن الأمر محير لماذا واحدة منهما تستحق الحزن الجماعي والحداد، في حين أن الأخرى ليست كذلك.
لماذا العنف في جزء من العالم بالكاد يستحق التغطية الإخبارية، في حين أن العنف في بلد آخر يُنعى ويستحق الحزن بشكل جماعي؟
هل لأن القنابل والعنف يعتبران عملاً روتينياً في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ليس في أوروبا؟
هذا ليس فقط عن باريس وبيروت. بل هو أيضاً عن التفجيرات اليومية والمجازر المتكررة في سوريا والعراق التي سقطت الى حد كبير عن رادار وسائل الإعلام الغربية. إنه عن الحدود التي تقفل بسرعة في وجه السوريين والعراقيين الفارين من عنف “داعش” و”النصرة” والنظام في بلديهم، حيث لم يُترَك لهم أي خيار سوى الفرار من طريق المعابر البحرية الخطرة والمشي بإتجاه وعبر أوروبا، مجتازين الحدود على أمل طلب اللجوء. إنه عن حقيقة أن جواز سفر يحمله بعض الناس – حصل عليه بحادث مولد أو ميلاد، في معظم الحالات – يجعله يستحق السلامة والرحمة، والبعض الآخر لا.
ليست باريس فقط: كل هذه المآسي هي “إعتداء على البشرية جمعاء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى