حزب “نداء تونس” باق في الحكم رغم تشقّقه

بقلم عبد اللطيف الفراتي *

أعلن أكثر من 30 عضواً من أصل 86 نائباً يمثلون حزب الغالبية النسبية “نداء تونس” في البرلمان التونسي مغادرة كتلة حزبهم.
وعلى الرغم من إنشقاق كتلته، وهو حزب رئيس الجمهورية، بحيث أصبح يعتبر الكتلة الثانية، بعد كتلة حزب “النهضة” الإسلامي، فكل الدلائل تشير إلى أن إستقرار الحكومة لن يصيبه سوء، وستبقى في مكانها وإن وجب نتيجة للخلاف داخل الكتلة البرلمانية تعديل بعض مكوّناتها.
فبعد إنشقاق حوالي ثلث أعضاء الكتلة البرلمانية الأولى، فقد أكد المنشقّون أنهم سيبقون على ولائهم للحكومة يصوتون لفائدتها.
وينص الدستور التونسي على أنه يتوجب على رئيس الجمهورية دعوة الكتلة الأولى في المجلس النيابي إلى تشكيل الحكومة، وهذا ما حصل في شتاء 2015، عندما كان حزب “نداء تونس” يُمسك بـ86 مقعداً نيابياً من أصل 217 ، فيما حزب “النهضة” الإسلامي لم يكن لديه سوى 68 مقعداً.
وإذ إنقلبت الآية وبات حزب “النهضة” ماسكاً بالمرتبة الأولى، فإن المراقبين يعتقدون أنه لن يُدعى إلى تشكيل حكومة جديدة بدل الحكومة القائمة، ولعلّ وراء ذلك سببين:
أوّلهما أن الحكومة الحالية برئاسة حبيب الصيد، ما زالت تعتمد على غالبية مريحة جداً، بإعتبار أن أربعة أو 5 أحزاب منضوية تحت لوائها بما فيها حزب “النهضة”، وهي تمسك على الأقل بـ180 مقعداً، أي الغالبية البسيطة والغالبية الموصوفة التي تتجاوز الثلثين، بحيث يمكنها تمرير القوانين، وحتى القوانين الأساسية التي تتطلب غالبية تفوق ثلثي أعضاء المجلس، فضلاً عن ضمان إستقرار الحكومة.
وثانيهما أن الإسلاميين غير راغبين في الحكم في هذه المرحلة، بعد التجربة الفاشلة التي عاشوها على رأس السلطة بين 2012 و2014، خوفاً من عدم وجود كفاءات لديهم متمرسة على السلطة، قادرة على دواليبها، وحتى يصلوا إلى الإنتخابات المقبلة المحلية والتشريعية بعذرية جديدة، ما يؤهلهم وفقاً لتقديراتهم بالفوز بالمرتبة الأولى في البرلمان وتوليهم تشكيل الحكومة.
ولو كان الأمر سائراً على طبيعته لوجب في هذه المرحلة، وبعد إنقسام الحزب الأول، دعوة الناخبين إلى إنتخابات سابقة لأوانها بعد سنة ونصف على إنتخابات خريف 2014 ، والخضوع لإملاءات صندوق الإقتراع، غير أنه لا يبدو أن أحداً يريد أن يغامر في هذه المرحلة، وتفضل كل الأطراف الحفاظ على الوضع كما هو، ويعتقد كل طرف أن الوقت يجري في صالحه.
على أن السؤال المطروح بإلحاح الآن هو ماذا سيكون مصير الحزب الأول، أي حزب رئيس الجمهورية وفقاً للوضع الحالي، بعد التشقق الذي أصابه؟
الواقع أن الإنشقاق يقوم على عنصرين:
أولاً عنصر إرادة التوريث، ذلك أن حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، هو الذي يتزعم قسماً قوياً، وهو الذي يريد أن تكون له الكلمة الأولى في الحزب الذي أنشأه والده قبل 4 سنوات من لا شيء، “بقصد خلق توازن سياسي في البلاد”، على إثر إكتساح الإسلاميين للساحة في إنتخابات خريف 2011 التأسيسية.
ويعتقد المراقبون أن الوالد يقف إلى جانب إبنه، وإلا فما معنى أن يناصر مدير ديوان رئيس الجمهورية رضا بن الحاج نجل الرئيس، ويكون أكبر سند له، في منافسة حزبية كان ينبغي أن يكون رئيس الجمهورية بعيداً منها بحكم الدستور محايداً فيها .
وثانياً أن القسم المؤيد لإبن السبسي هو الأكثر حماساً للتحالف الحكومي الحالي مع الإسلاميين، بل هو الأقرب على ما يبدو إلى مقولاتهم، فيما القسم الثاني يبدو أكثر “لائكية” وعلمانية، وهو وإن قبل بحضور الإسلاميين بسبب التوازنات الواجبة، بإعتبار أن حزبهم لا يتمتع إلا بغالبية نسبية لا مطلقة، فإنهم يرون ضرورة أن يلتزم حزب “النهضة” وإن كان داخل الحكومة بحدود معينة، أساسها الحفاظ على نمط المجتمع الموروث، سواء من التاريخ الإصلاحي التونسي منذ منتصف القرن التاسع عشر، أو من المسار البورقيبي، الذي حرر المرأة ونشر التعليم على أوسع نطاق وعصرن المجتمع وشرع لقوانين تقدمية لا مثيل لها في أي بلد عربي أو إسلامي..
غير أن مراقبين كثيرين يعتقدون أن الهزة التي يمر بها حزب رئيس الدولة، لن تسير إلى منتهاها وأنها ستجد في النهاية مستقراً لها، وإلا فإن آثارها المدمرة سوف لن تشق الحزب فقط بل كذلك المجتمع والدولة.

• كاتب وصحافي تونسي، ورئيس التحرير السابق لصحيفة “الصباح” التونسية fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى