الجزائر: تغيير لكي يبقى النظام كما هو

الجزائر – سلامة عبد الرحمن

في الجزائر، تمت إقالة رئيس دائرة الاستعلام والأمن (المخابرات)، محمد مدين (76 عاماً)، المعروف أيضا بإسم توفيق، من منصبه في الشهر الفائت. وكان تولى مقاليد مهمته في خلال واحدة من أصعب الفترات في التاريخ الجزائري المعاصر.
عُيِّن مدين في رئاسة دائرة الإستعلام والأمن في العام 1992، حين أسفرت الإنتخابات عن فوز الإسلاميين، والتي ألغى الجيش نتائجها لاحقاً. ولعبت المخابرات دوراً محورياً في الحرب الأهلية التي تلت هذه الفترة وقُتل فيها أكثر من 150 ألف شخص.
وتُعرَف المخابرات الجزائرية بكونها مؤسسة ذات نفوذ تجمع أسرار حكومية وخصوصاً لتتمكن من إستخدامها ضد الأعداء في المستقبل.
وقد تلقى مدين تدريبه في المخابرات السوفياتية “كي جي بي” في ستينات القرن الماضي، وتولّى منصب رئيس دائرة الإستعلام والأمن لمدة 25 عاماً، مما يجعله أقدم في منصبه من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تولّى منصبه قبل 16 عاماً.
ليس واضحاً إن كان مدين أقيل أم “تقاعد”، لكن خروجه من منصبه جعل المراقبين في حالة من التكهن بشأن الحكم في الجزائر حالياً ومستقبلاً، خصوصاً وأن الرئيس، 78 عاماً، في حالة صحية متردية ونادراً ما يظهر علناً.
وكان مدين آخر الناجين من مجموعة الجنرالات المعروفين بإسم “المبيدون”. وكانت هذه المجموعة وراء إنقلاب كانون الثاني (يناير) 1992. وخلال الحرب الأهلية التي تلت الإنقلاب، قاد قسم الاستخبارات والأمن، بقيادته، جهود مكافحة التمرد.
بالنسبة إلى البعض، إن مدين هو قاتل الجمهورية، لكن بالنسبة إلى آخرين كان منقذها؛ ومع ذلك فإنهم جميعاً يتفقون على أنه صاحب كاريزما، سري، وغامض، وقيل بأنه لم تكن هناك أي مؤسسة محصّنة من مخططاته.
من خلال شبكات دائرة القسم، تمتع مدين بسلطة كبيرة في الجيش الجزائري والإعلام والمجموعات التجارية والأحزاب السياسية. وبعدما دعم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لفتراته الثلاث الأولى، فقد عارض ترشيحه لولاية رابعة في العام الفائت. لذا فإن حليفاً وثيقاً للرئيس إنتقده في وقت لاحق، وإتهم دائرته بالتدخّل.
الواقع أن مدين ترك منصبه بعدما شهد تقطيع أوصال الجهاز الأمني الذي أشرف على إنشائه على مدى فترة 25 عاماً، حيث أجريت عملية إعادة هيكلته الرسمية بشكل منهجي.
من جهة أخرى، فقد سُهّلت شروط التقاعد لكبار الضباط بتقديم بعض التحفيزات، بمن فيهم قائد الأمن في الجيش، والعقيد المسؤول عن وحدة مكافحة الفساد، والضابط المسؤول عن وسائل الإعلام. وتلا ذلك إلقاء القبض على رئيس مكافحة الإرهاب. كما أُعفيت دائرة القسم أيضاً من حقائب ومسؤوليات رئيسية أخرى.
ويعتقد المتابعون بأن كل هذا قد حدث لأن مدين كان في صراع على السلطة مع الرئيس، وكان عازماً كما أشيع على فضح الفساد في أعلى المناصب والمؤسسات في البلاد.
ولكن نظراً إلى الأزمة الإقتصادية التي تعصف عبر الجزائر، والسياق السياسي الغامض نسبياً الذي لا يزال قائماً في جزء منه بسبب سوء الحالة الصحية للرئيس، والتهديد المتزايد من تنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد أثارت إقالة مدين العديد من الأسئلة:
هل غادر منصبه لأن الرئاسة قد أزالت مسؤولياته؟
يعتقد العديد من المحللين بأن إعفاءه من منصبه وقع بسبب معارضته التي لا تلين للمراجعة التي تلوح في الأفق للدستور، التي من شأنها أن تمهّد الطريق أمام شقيق بوتفليقة الأصغر، سعيد، للخلافة في أعلى وظيفة سياسية في البلاد.
هل أن مغادرته ستقود إلى تغيير في النظام السياسي الجزائري؟ أنا لست متأكداً من ذلك.
على الرغم من الإضطرابات الأخيرة، فإن بوتفليقة ليست لديه مصلحة كبيرة في إتخاذ قرارات من شأنها أن تعطّل النظام. على العكس من ذلك، إنه يعلم بأن إستمرارية وجوده وبقاء زمرته يتوقفان على الوضع الراهن. إن إزالة مدين هي طريقة أخرى للنظام لكي يبقى كما هو..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى