هل يهدد تباطؤ الإقتصاد الصيني سوق النفط في الشرق الأوسط؟

بكين – عبد السلام فريد

“عندما تستيقظ الصين، فسوف تهزّ العالم”، قال نابليون بونابرت. الآن بعدما هيمنت بلاد ماوتسي تونغ على سوق السلع على مدى العقد الماضي، فهي تهزه مرة أخرى – ولكن هذه المرة تدفع الهزّة من مخاوف إقتصادية الأسعار هبوطاً.
في 11 آب (أغسطس) الفائت، تم تخفيض قيمة اليوان بحوالي 2 في المئة. وفي 24 آب (أغسطس)، تراجعت بورصة شنغهاي بنسبة 8.5 في المئة، وتبعتها الأسواق في جميع أنحاء العالم.
إن أسعار النفط التي كانت فوق 100 دولار للبرميل في حزيران (يونيو) 2014، تراجعت منذ ذلك الحين، قبل أن تتعافى قليلاً. كما أنه تحت تأثير الأخبار الصينية، فقد إنخفض مؤشر خام البرنت إلى 42 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية.
وكان هذا الإنخفاض في أسعار النفط مزيجاً من مخاوف واقعية وذعر. الواقع أنه في وقت يغرق العالم بفائض في العرض، فإن المزيد من ضعف الطلب يرسل المزيد من البائعين إلى سوق مزدحمة للبحث عن مشترين.
مورّدو النفط من فنزويلا ونيجيريا إلى آسيا الوسطى والخليج، والدول المصدّرة للغاز مثل قطر وتركمانستان وروسيا، وعمّال المناجم في أوستراليا وإندونيسيا، ومنتجو المعادن في البرازيل وزامبيا وتشيلي، كلهم ضُرِبوا وأصيبوا ب”هزة” بسبب إنحسار الطلب على السلع.
إن تفسير الطلب الصيني على النفط أمر صعب. فالبلاد لا تُصدِر بيانات عن المخزونات الإستراتيجية، والمصافي غالباً ما تخزّن النفط الخام عندما تنخفض الأسعار، وكلاهما يخلق طلباً ظاهراً. كما تصدِّر الصين كميات كبيرة من المنتجات المُكرَّرة إلى الدول المجاورة.
إنخفض الطلب المتوقَّع في تموز (يوليو) إلى 10.12 ملايين برميل يومياً من 10.56 ملايين برميل يومياً في حزيران (يونيو). وهذا الرقم لا يزال مرتفعاً على أساس سنوي بنسبة 400 ألف برميل يومياً، مقارنة بالنمو السنوي إعتباراً من العام 2011 فصاعداً. ولكن، في إشارة سلبية إلى الطلب في المستقبل، تراجعت المبيعات الشهرية للسيارات منذ نيسان (ابريل). إن قلَّة النشاط في مناجم الفحم وصناعة الصلب تعني إنخفاض الطلب على وقود النقل بالشاحنات: إن الطلب على الديزل مسطّح هذا العام.
في المدى الطويل، تبدو الإشارات الهبوطية للسلع أكثر وضوحاً. إن التوسّع الإقتصادي للصين رفع أسعار النفط من أقل من 10 دولارات للبرميل في العام 1998 إلى مستوى قياسي بلغ 147 دولاراً للبرميل في العام 2008، حيث تحوّلت من مصدِّر صاف للنفط في أواخر العام 1992 الى أكبر مستورد في العالم في العام 2014.
رداً على الأزمة الإقتصادية في العام 2008، شرعت بكين بخطة تحفيز شهدت بموجبها البلاد إستخدام المزيد من الإسمنت من 2011 إلى 2013 أكثر مما إستخدمته الولايات المتحدة خلال القرن العشرين بأكمله.
كان من المتوقع على نطاق واسع، أولاً أن النمو الصيني سوف يتباطأ من أكثر من 10 في المئة سنوياً إلى 7 في المئة أو نحو ذلك، وثانياً أن هذا الأمر من شأنه أن يجعل النمو أقل إستخداماً للموارد الكثيفة وأكثر تركيزاً على الخدمات والإستهلاك المحلي. كما أن القوة العاملة لديها الآن بدأت تتقلّص فيما يتقدم السكان في العمر، والإهتمامات البيئية تتطلب نمواً أنظف وأكثر كفاءة.
في نيسان (أبريل)، أشارت “سينوبك”، أكبر شركة تكرير في الصين، إلى أن الطلب الوطني على النفط سوف يصل إلى ذروته في وقت مبكر وسابق لتوقعات غالبية الخبراء. وقد رأى رئيسها الذي يحظى باحترام كبير، فو تشنغ يو، أن إستهلاك وقود الديزل سيبلغ ذروته في أوائل 2017، ويصل إستخدام البنزين إلى حده الأقصى في العام 2025. وهذه التوقعات تختلف بشكل حاد مع توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تفيد بأن الطلب الصيني على النفط سيستمر في النمو حتى العام 2040 على الأقل.
من ناحية أخرى، يخلق التباطؤ الصيني حالياً لمنظمة “أوبك” معضلة صعبة. دول الخليج العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، منذ إنهيار أسعار النفط في الصيف الماضي تتبع إستراتيجية حكيمة: توسيع الإنتاج لطرد المنتجين العاليين التكلفة، وإنعاش الطلب، وربما خلق مساحة للمزيد من النمو للعراق و العائد المتوقع من الصادرات الإيرانية.
من جهتها خفّضت شركات النفط الكبرى بالفعل الإستثمار، وسيتباطأ نمو النفط الصخري الى حد كبير، والحقول الناضجة في أماكن أخرى سوف تنخفض. وهذا من المحتمل أن يؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط وتعافيها في وقت لاحق إلى حد ما هذا العام وفي العام 2016.
ولكن، إذا كان الطلب الصيني وغيره من الآسيويين ضعيفاً، فإن مساحة السوق المأمولة ربما لن تتحقق. على عكس ما حصل في 2008 و2009، عندما إنهار الطلب العالمي وإتفقت “أوبك” على قيود الانتاج الجماعي للدفاع عن الأسعار، فإن التخفيضات الآن ستجعل المملكة العربية السعودية تقوم بتسليم حصتها في السوق إلى منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة أو روسيا أو منافستها السياسية إيران.
قد تكون المخاوف الإقتصادية الحالية بالنسبة إلى الصين مبالغاً فيها. ولكن فيما يتباطأ نمو إقتصادها، فإن منتجي السلع الأساسية، ومصدري النفط الرئيسيين، قبل كل شيء بحاجة إلى الإستعداد لفترة طويلة من ضعف الطلب وإنخفاض الأسعار. لقد هزّت الصين العالم، ولكن كما يقول المثل، بقدر ما هي أكبر، بقدر ما يكون سقوطها أقسى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى