هل سيرقى توسيع قناة السويس إلى مستوى التوقّعات المصرية؟

أعطت السرعة التي أنجزت فيها مصر توسيع قناة السويس المراقبين الثقة بأن خطة البلاد الطموحة لمنطقة قناة السويس يمكن أن تصبح حقاً قوة إقتصادية كما تصوّرتها الحكومة. فهل هذه الثقة في موضعها؟

الرئيس عبد الفتاح السيسي: توسيع القناة أعطاه سمعة عالمية جيدة
الرئيس عبد الفتاح السيسي: توسيع القناة أعطاه سمعة عالمية جيدة

القاهرة – عبد الحميد صبري

تشبِّه شخصيات بارزة مصرية في القطاع الخاص رئيس البلاد، عبد الفتاح السيسي، بالرئيس التنفيذي المُطالِب. إطلاق الإصلاحات المالية الشاملة ومشاريع البنية التحتية الكبرى التي أعلنت منذ تنصيبه من السهولة ملاحظتها ومعرفة لماذا كان هذا التشبيه. منذ حزيران (يونيو) 2014، قامت الحكومة المصرية بإدخال تحسينات على نظم دعم الطاقة، وضريبة الدخل، وسن قانون جديد للإستثمار الأجنبي، وتحرير قطاع الكهرباء، والشروع بعدد من المشاريع العملاقة البارزة.
في حين أن هذه الإنجازات إقترنت بالتطورات السياسية، فليس هناك شك في أن الحكومة جادة في الإصلاح الإقتصادي. وكان في قلب هذه العملية مشروع إعادة تطوير قناة السويس. في أوائل آب (أغسطس) 2014، كشف الرئيس المصري عن التوسع التاريخي للشريان التجاري الذي يبلغ من العمر 145 عاماً، والذي شمل بناء ممر مائي موازٍ طوله 35 كيلو متراً لإستيعاب حركة المرور في الإتجاهين، وكذلك توسيع وتعميق القناة الحالية.
بشكل ملحوظ، تحقّق هذا الانجاز في 12 شهراً فقط، على الرغم من أن التقديرات كانت تفيد بأن المشروع سيستغرق ثلاث سنوات لإنهائه. ولتحقيق ذلك، إستأجرت السلطات 80٪ من معدات الحفر في العالم وطواقم العاملين للعمل على مدار الساعة. وقد ضاعف توسيع القناة تقريباً قدرة شحن القناة اليومية من 49 إلى 97، في حين إنخفض معدل وقت الإنتظار المقدَّر للسفينة من حوالي 11 ساعة الى ثلاث ساعات. وهذه التحسينات ستكون مهمة للقناة التجارية التي تمر عبر مياهها سنوياً حوالي 10٪ من مجموع التجارة البحرية العالميةً.

عوائد كبيرة

لتمويل هذه التطورات، أصدرت الحكومة شهادات إستثمار لفترة خمس سنوات بقيمة 8.6 مليارات للجمهور المصري، مع معدّل فائدة 12٪، حيث بيعت هذه الشهادات بعد ثمانية أيام على إصدارها. ووفقاً لعدد من المصادر العارفة، فإن نجاح مخطط شهادة الإستثمار يعكس ليس فقط العائدات العالية على العرض، ولكن أيضاً الدعم الشعبي لإعادة تطوير القناة. من جانبها، دافعت الحكومة عن إرتفاع سعر الفائدة على أساس أن العائدات المستقبلية من التنمية ستكون كبيرة.
وتتوقّع السلطات أن ترى قفزة مقابلة في إيصالات الشحن، من 5.4 مليارات دولار في العام 2014 إلى ما يقدر ب13.3 مليار دولار بحلول العام 2023. ومع ذلك، تُعتبر هذه التوقعات على نطاق واسع أنها متفائلة. وبناء على هذه الإفتراضات، وعلى ضوء العلاقة الوثيقة بين إيرادات قناة السويس والتجارة العالمية، فإن هذه الأخيرة ينبغي أن تنمو بنسبة 10٪ سنوياً بين عامي 2016 و2023، وفقاً لبحث أجرته وكالة التصنيف الدولية “موديز”. وهذا يقارن بمتوسط 5.3٪ بين عامي 1993 و2013، إستناداً إلى أرقام من منظمة التجارة العالمية. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن القناة كانت تعمل بأقل من طاقتها بشكل طفيف قبل الترقية قد أدى ببعض المحلّلين الى التشكيك في الحاجة إلى الإستثمار.
وعلى الرغم من صحة هذه الإنتقادات، فإن عوامل أخرى كانت في اللعب بالنسبة إلى إعادة التطوير. بشكل حاسم، ستسمح الترقية أو عملية التطوير الأخيرة لأكبر السفن في العالم الإستفادة من القناة. ووفقاً لمجلس دول بحر البلطيق الدولي، فإن متوسط حجم سفينة حاويات جديدة البناء في العام 2014 كان 7400 حاوية نمطية (الوحدة تعادل 20 قدماً)، بزيادة عن 6600 حاوية نمطية في العام السابق. هذا الرقم من المتوقع أن يصل إلى 8000 حاوية نمطية في العام 2015. وعلاوة على ذلك، السفن الضخمة جداً التي تديرها أكبر شركات الشحن تهيمن الآن على التجارة البحرية العالمية. إن “حي أس سي أل غلوب”، التي إنطلقت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 بسعة 19000 حاوية نمطية، هي الاحدث في هذا الإتجاه.
“إذا لم تحافظ على التحديث والتطوير، فإن العملاء سينظرون إلى فرص أخرى”، يقول هشام عزّ العرب، الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر. “إنها مسألة الإحتفاظ بالعملاء. خلال الشهر الماضي، إزداد عدد وتنوع السفن التي تستخدم قناة السويس”، على حد قوله.

محور للخدمات اللوجستية

الأهم من ذلك، أن الحكومة المصرية تمضي قدماً في خططٍ لتطوير منطقة مخصَّصة للنقل والخدمات اللوجستية والصناعية في جميع أنحاء القناة. من ناحية أخرى، إن مشروع تطوير منطقة قناة السويس، الذي بدأ في آب (أغسطس) 2014، سوف ينشىء شبكة من المراكز الإقتصادية المتكاملة وموانئ من الطراز العالمي في محور عالمي للخدمات اللوجستية ومركز تجهيز صناعي. بشكل جماعي، هذه التطورات سوف تشكّل منطقة قناة السويس، التي أنشئت بموجب مرسوم رئاسي في آب (اغسطس) من هذا العام.
“إن الحكومة تسعى إلى الإستفادة من حركة الشحن الإضافية من خلال تطوير مرافق واسعة النطاق للنقل والتخزين والخدمات اللوجستية في جميع أنحاء منطقة قناة السويس. هذا هو المكان الذي أتوقع منه أن يولّد الدخل الحقيقي للبلاد”، يقول أنيس أكليمندوس، رئيس غرفة التجارة الأميركية في مصر.
سيتم بناء منطقة قناة السويس حول ثلاث عقد تطوير أولية. ويشمل هذا الأمر تنمية شرق بورسعيد وتحويلها إلى مرفق ومركز رئيسي لإعادة الشحن وبوابة الخدمات اللوجستية؛ وتجديد منطقة الإسماعيلية سوف يشمل المقر العام لمنطقة قناة السويس، ومراكز حضرية مختلفة للبحث والتطوير ومعالجة المنتجات الزراعية، وتجمعات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات؛ وكذلك إنشاء مجمع صناعي وميناء ضخم في العين السخنة والأدبية على طول خليج السويس.
“إن منطقة قناة السويس تتعزز من خلال إطار قانوني شفاف مع جمارك وإجراءات ضريبية كفوءة. ونتيجة لذلك، شهدنا ونشهد بالفعل الكثير من الإهتمام في وقت مبكر من المستثمرين في أوروبا وآسيا “، يقول الدكتور هاني سري الدين، مؤسس ورئيس مجلس إدارة سري الدين وشركاه للمحاماة المسؤولة عن تنظيم إطار منطقة قناة السويس.

خطط طموحة

في المدى الطويل، لدى الحكومة المصرية حتى طموحات أكبر في المنطقة. خلال مؤتمر صحافي عُقد في آذار (مارس) الفائت، زعم وزير الإستثمار أشرف سلمان أن المنطقة سوف تشكّل في نهاية المطاف 30٪ إلى 35٪ من إقتصاد البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع سلطات المنطقة خلق حوالي مليون فرصة عمل خلال السنوات ال15 المقبلة.
“على الرغم من أن الأرقام التي توقّعها بعض المسؤولين في الحكومة بالنسبة إلى توليد الدخل وفرص العمل في جميع أنحاء القناة تبدو متفائلة، فمن الممكن تحقيقها بالتأكيد، شريطة أن يتجه مناخ الإستثمار في الإتجاه الصحيح”، كما يقول أكليمندوس.
وهذه المفاجأة الإقتصادية غير المتوقعة سوف توفّر فرصاً كبيرة للبنوك في البلاد. البنك التجاري الدولي، ثالث أكبر مقرض في البلاد من حيث رأس المال فئة 1 وإجمالي الأصول معاً، حوّل بالفعل الطريقة التي تدير بها السفن الأعمال التجارية بإستخدام القناة. كجزء من جهد أوسع لخفض فترات الإنتظار لحركة الملاحة البحرية، أصلح المُقرض نظام المدفوعات القديم والمترهل للقناة.
“عملية الدفع القديمة تتطلب من حركة الملاحة إيداع صك مصرفي فعلي مع مكتب إدارة القناة. لذا قام فريق خدمات المعاملات العالمية في البنك التجاري الدولي بتصميم تطبيق يسمح بالدفع الآلي المتزامن للسفن العابرة للقناة. هذا النظام يوفّر حوالي 48 ساعة”، كما يقول عزّ العرب.

فرص الإقراض

فيما التطورات حول القناة تتسارع، فإن المصارف في البلاد تستعد لنمو طلب الإئتمان من الشركات، في حين من المتوقع أيضاً أن يؤدي حجم المشاريع المرتبطة بمنطقة قناة السويس إلى زيادة متنامية للقروض المشتركة. من جانبها، فإن البنوك لديها السيولة اللازمة للتعامل مع هذه القفزة المتوقعة في النشاط مع نسبة القروض إلى الودائع في القطاع كانت تساوي أكثر من 40٪ في العام 2014. مع تكاليف البنية التحتية الأولية للمنطقة من المتوقع أن تكون حوالي 15 مليار دولار، إضافة إلى 25 مليار دولار مقررة لتطوير وترقية الميناء، فإن المقرضين في البلاد لن يكونوا من دون فرص، خصوصاً فيما الإستثمارات الأجنبية تتزايد.
“إن التحدي الأكبر الذي يواجه أي مستثمر دولي الذي يدخل سوقاً جديدة يتعلق بتطور التمويل بالعملة المحلية وهياكل المعاملات المصرفية. في مصر، هذان الأمران متطوران جداً. إن القطاع المصرفي المصري جاهز لتمويل مشروعات بالعملة المحلية”، يقول عزّ العرب.
مع ذلك، في هذه المرحلة، إن الأرقام غير الشفافة والشكوك حول إتجاهات التجارة والشحن العالمية تعنيان أنه من الصعب تقييم التأثير المُحتمل للتطورات حول قناة السويس. بينما قد تظهر أرقام الحكومة متفائلة، فيبدو من المرجح توقع مكاسب إقتصادية كبيرة في السنوات المقبلة إذا تمسّكت وبقيت السلطات على خطتها الحالية. لكن، الأهم من ذلك، فإن هذه التطورات تتحدث عن عملية إصلاح وإستثمار أوسع تجري في جميع أنحاء البلاد.
“إذا كنت تريد حقاً أن تقدّر أين هي مصر اليوم، عليك أن تنظر في المنطقة”، كما يقول إكليمندوس. “إن البلاد تتمتع الآن بفترة من النمو المتجدد والإستقرار، في حين أن معظم جيراننا قد أصابهم الشلل بسبب الاضطرابات العنيفة”، مضيفاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى